مسامير وأزاهير 302... مجنون يحكي وعاقل يسمع!!!.

بقلم: سماك العبوشي


بادئ ذي بدء ...
نستنكر وبشدة الهجوم الجبان والغادر الذي جرى في سيناء قبل أيام معدودة وراح ضحيته ستة عشر شهيداً من جنود وشرطة مصر وجرح عدد آخر من منهم، نسأل الله تعالى أن يتغمد شهداءنا الأبرار برحمته الواسعة وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يشفي جرحانا إنه سميع مجيب الدعاء.

ما هي إلا أيام قلائل أعقبت زيارة السيد إسماعيل هنية لمصر ولقائه الحميم بالرئيس المصري محمد مرسي، وما تناقلته الأنباء من ترحيب وتعاطف شعبي مصري كبير ومباحثات ودية صادقة بحثت القضية الفلسطينية عموماً وسبل دعمها، وقضية حصار غزة وسبل تخفيف معاناة أبناء غزة المرابطين خاصة، حتى عاد الهلع الصهيوني الخبيث الماكر من جديد، وترسخ فيه ذات الانزعاج الذي أصابه من قبل حين تهاوى نظام اللامبارك فخسر به آنذاك ما كان يعده كنزاً ثمينا وحليفاً أميناً عمل بدأب وإخلاص وتفان لخدمة مخططات وأهداف الكيان العبري، أقول ما هي إلا أيام على تلك الزيارة التاريخية وما تحقق من تقارب مصري فلسطيني وتحديداً مع قادة قطاع غزة المحاصر، وقرب تخفيف عن معاناة أبناء غزة، حتى جاءت تلك الجريمة الشنعاء التي أودت بحياة عدد من الجنود المصريين الأبرياء الآمنين وإصابة البعض الآخر في سيناء!!.

لقد برز في المشهد الإعلامي والسياسي المصري عقب الاعتداء الآثم ودونما إبطاء صنفان متناقضان من التحليلات والأقاويل:
أولاً ... صنف قد حرّكه الوازع القومي والوطني والشرعي، كان قد أوجس خيفة من تداعيات ما جرى وما قد تستثمره قوى الظلام والتدليس والانبطاح في تحريف حقائق وأهداف تلك العملية الإجرامية المبيتة، فسارع رجال أوفياء لأمتهم وعروبتهم ودينهم الحنيف لكشف تداعيات وأهداف تلك العملية الجبانة، وأشاروا بأصابع الاتهام صوب الكيان الصهيوني وأجهزته الاستخبارية باعتباره الجهة المستفيدة الوحيدة من تلك الجريمة، فكان الدكتور أحمد الطيب – شيخ الأزهر الجليل- على سبيل المثال لا الحصر قد أشار بوضوح شديد لا لبس فيه بأن الحادث الجبان لا يَزيدُ عن كونه حادثًا من أحداث الفوضى والبلطجة التي جرت على أرض مصر إبان ثورة 25 يناير لإجهاضها؛ للعبث بعلاقات المصريين بإخوانهم في قطاع غزة المحاصَر والصابر والمرابط، وللتأثير على خطواتِهم لتحقيق الاستقرار والوحدة في الداخلِ، وإعطاء الحجَّة لخصومِنا في مؤامراتهم حول سيناء الحرَّة المجاهدة حقًّا وصدقًا، وأعقبه تصريح صحفي للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح تعقيبا على أحداث سيناء الأخيرة حيث قال وأقتبس نصاً: "الفاعل دائماً هو المستفيد، والمستفيدون من هذه الأحداث هم من لا يريدون لمصر خيراً، ولا يريدون لها استقراراً ولا أمناً، لأن استقرار مصر وعودتها لمكانتها الطبيعية خطر عليهم، وعلى مصالحهم الاستعمارية في المنطقة التي اهتزت بخسارتهم لكنز إستراتيجي فقدوه في الثورة المصرية، وفي المقابل فأننا نثق في أن كل أشقائنا لم يكونوا ليتورطوا أبداً في مثل هذه الجريمة الحقيرة، لأنهم يدركون تماماً أن أمن مصر هو امتداد لأمنهم، وأن قوة مصر مدد لقوتهم"... انتهى الاقتباس..
ثانياً ...وصنف آخر سارع بتحليلاته وتفسيراته – كعادته كل مرة – بوضع السُمّ في الدَسم من خلال ترديد التهم الجاهزة المسلفنة جزافاً بحق فلسطينيي غزة المحاصرين ومن يقودهم، مخرجاً ما في صدره وما يكتنزه عقله من غلّ وحقد ضد أشقاء العروبة والإسلام في غزة، في محاولة خسيسة لإثناء الرئيس المصري عن سعيه للتخفيف من وطأة الحصار على غزة وأبنائها، ولعل ما أبداه السيد رفعت السعيد – رئيس حزب التجمع المصري- ليلة البارحة على سبيل المثال لا الحصر أثناء محادثة هاتفية جرت بينه وبين مذيع قناة on tv onlive، حيث كشف عن رؤية ضيقة جاهرت بالعداء ضد الفلسطينيين ودعوته الصريحة لقيادة الجيش المصري لهدم كل الأنفاق دون أن يتطرق بحديثه الهاتفي ذاك إلى ضرورة فتح المعابر مع غزة تخفيفا لوطأة الحصار عنهم!!، كما ولم يشر من قريب أو بعيد لفكرة قيام الكيان الصهيوني بتنفيذ تلك العملية الخسيسة، متجاهلا تماماً حقيقة كونها الجهة المستفيدة الوحيدة لتداعيات تلك الجريمة الوحشية النكراء لاسيما في أعقاب التقارب المصري الفلسطيني الأخير، فكان ما أدلى به من حديث يتطابق تماماً والتفسير الإعلامي والرسمي الصهيوني، حيث جاء بتصريح "إيهود باراك" بأن مسلحين من "جماعة جهادية عالمية" وراء الهجوم على قاعدة مصرية لحرس الحدود في شمال سيناء أمس، مشيرا إلى مقتل ثمانية منهم خلال محاولتهم اختراق الحدود الإسرائيلية، وإلى إعلان تقديرات جهات أمنية صهيونية صدرت في أعقاب تلك الجريمة البشعة بأن ما حدث سيجبر القاهرة لتتبنى مقاربة أكثر تشددا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة!!.

"مجنون يحكي وعاقل يسمع"، مثل عربي دارج يضرب في الحث على سماع كل الأطراف وذلك لتبيان حقيقة منطقية حتى ولو صدرت من لسان مجنون، ليقلبها العقلاء الذين فات أمر كشف تلك الحقيقة في رؤوسهم وصولاً للحقيقة والواقع، وإنني تالله لأرتضي وأتشرف لنفسي بأن أنعت بذاك المجنون الذي سيسلط الأضواء من وجهة نظر متواضعة على ملابسات وتداعيات هذا الفعل الإجرامي من خلال طرح جملة مؤشرات وشواهد وتساؤلات منطقية، وصولاً للحقيقة عارية مكشوفة سيراها حتماً العقلاء من أبناء أمتنا "النائمة الغافية!!":
أولاً ... لنبحث عن المستفيد من تلك العملية الإجرامية الجبانة التي أودت بحياة عدد من العسكريين المصريين الذين كانوا على وشك تناول الفطور بعد يوم رمضاني قائض!؟، ولنتساءل بذات الوقت، أيعقل بالله عليكم أيها العقلاء من أبناء أمتنا اليعربية أن يكون ضحايا نظام اللامبارك المخلوع من الذين ذاقوا الأمرين من حصار جائر ساهم ذاك النظام بفرضه عليهم، ثم استبشروا خيراً بثورة 25 يناير المباركة وهللوا لسقوطه، وانتظروا بأحر من الجمر خطوات مصرية باتجاه رفع معاناتهم التي طالت، أيعقل أن يكونوا هم ذاتهم من نفذ تلك العملية الجبانة!؟، والجواب المنطقي غير القابل للدحض والتسفيه هو لا وألف ألف لا، فلا يجدر بالعقلاء من أبناء أمتي – خاصة في مصر الحبيبة المفجوعة باستشهاد أبنائها- أن يخطر ببالهم كهذه الفرضية العرجاء أو أن يبحثوها في أحاديثهم ومجالسهم، أو أن يصيخوا سمعاً لتفاهتها وذلك لجملة أسباب تتعلق بهوية المستفيد الحقيقي منها بعدما ارتعدت فرائصه هلعا ورعباً مرتين في وقت قصير:
1. مرة بعودة مصر العروبة إلى حاضنتها العربية والإسلامية ولتلعب دورها الريادي بعد سقوط نظام اللامبارك الذي كان يراه كنزا استراتيجيا طالما خدمه بكل إذعان وتفان!!.
2. وأخرى بما تحقق من تقارب مصري فلسطيني وتحديداً مع قادة غزة، ووعود طيبة مصرية لتعزيز العلاقة المصرية -الفلسطينية التاريخية بعد التغيير الجذري الذي حدث بمصر، وعودة ميمونة لاحتضان مصر للقضية الفلسطينية ودعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني!!.
ثانياً ... ولنتدارس ما صدر من تصريحات لإذاعة الكيان الصهيوني في أعقاب تلك الجريمة، لنستخلص منها العبر والدروس، فنحتاط للأمر الذي يسعى العدو الصهيوني جاهدا يساعده إعلام مصري مأجور ومرتبط بالنظام المصري السابق لتحريف الحقائق أمام أبناء مصر العروبة لاسيما البسطاء منهم وإيهامهم بأن القيادة السياسية المصرية الجديدة ضعيفة وغير ممسكة بخيوط الأمن كي يمارسوا الضغط على قيادتهم السياسية لتقويض التقارب الحاصل بينها وبين أبناء غزة الصابرين المحتسبين:
1. ما راحت توحي وتبشر به وما أعلنته إذاعة الجيش الصهيوني - مستندة لتقديرات خبراء أمنيين - بأن يدفع الهجوم القيادة المصرية لأن تتبنى مقاربة جديدة أكثر تشددا في التعامل مع حكم حماس في قطاع غزة!!.
2. ما صرح به السفير الصهيوني السابق في مصر "اسحق ليفانون" للإذاعة العسكرية بأن هذا الهجوم يعد ضربة "للمؤسسات الأمنية وللرئيس محمد مرسي وكذلك للجيش وأجهزة الاستخبارات"، في محاولة خسيسة لتشويه صورة قيادة مصر وإرباك عملها وسياستها أمام الشارع المصري!!.
3. ما أعلن عنه الجنرال "يواف مردخاي" المتحدث الرئيسي باسم الجيش الإسرائيلي للإذاعة العسكرية "كنا مستعدين لأنه توفرت لدينا معلومات مسبقة من جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) والاستخبارات العسكرية الأمر الذي ساعد في إحباط هجوم دموي"، وما نشر من أنباء عن دعوة الكيان الصهيوني لرعاياها في سيناء بمغادرتها قبل أيام من وقوع تلك الجريمة النكراء، في إشارة منها لضعف الاستخبارات المصرية وعدم قدرتها على التنبؤ المبكر بالحدث الجلل!!.
4. ما أشارت إليه تقارير صهيونية من تصاعد المخاوف الصهيونية من حدوث فراغ أمني في سيناء بعد 18 شهرا من قيام الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في الحادي عشر من شهر فبراير/ شباط من عام 2011!!.

ولاستكمال ما بدأناه في رحلة طرحنا لهواجس ومخاوف وتسليط للأضواء، فإننا نتساءل - وعلى ضوء ما صدر من بيان للقوات المسلحة المصرية والذي جاء رداً على ذاك الاعتداء المبيت والجبان - : كيف ستعالج القيادة المصرية – السياسية والعسكرية- الموقف!؟، وكيف سيفي الرئيس المصري وعده بملاحقة مرتكبي هذا الفعل الجبان!؟، أليس من المنطقي والطبيعي أن تكون ردة الفعل المنطقية لقيادتي مصر السياسية والعسكرية بأخذ زمام المبادرة من خلال خطوات مصرية سيادية جادة تتمثل بتصحيح الأوضاع السيادية المصرية المنقوصة على أرض سيناء والتي مضى على حالها هذا طيلة عقود أعقبت اتفاقيات كامب ديفيد سيئة الصيت والتي قزّمت دور مصر عربياً وأفريقياً ودولياً!؟، وأن التصحيح المرجو لتلك الأوضاع البائسة في سيناء لن يكون إلا من خلال مراجعة شاملة لبنود اتفاقية كامب ديفيد أو إلغائها بالكامل!؟، يزامنها في ذات الوقت زيادة الالتفاف العسكري والجماهيري حول قيادة مصر السياسية، لتنفيذ وتفعيل أجندة وطنية وقومية، وانتهاج سياسة مصرية رصينة وواسعة الحركة لاحتواء المشاكل المتفاقمة في سيناء جراء سوء التخطيط والإهمال لعقود مضت، وجعلها من أولويات الأمن القومي المصري باعتبارها بوابة مصر الشرقية ولقربها وملاصقتها للعدو التاريخي لأمتنا العربية، وتحصين سيناء لتكون خطا دفاعيا قويا بوجه مخططات صهيونية، أم أن خطوات القيادة المصرية وردة فعلها مرتجلة ومقتصرة على قرار هدم الأنفاق دون اتخاذ قرار فتح معبر رفح والإبقاء على حصار أبناء غزة ومساعدة قوات الاحتلال الصهيوني على استمرار خنقهم!!؟.

إننا تالله لا نجد تفسيراً منطقياً وموضوعياً لكل تلك الشواهد والحقائق المذكورة في الفقرة "ثانياً أعلاه، وتحديداً النقطة (3) منها والتي تشير بدون مواربة إلى تواطؤ صهيوني ومعرفة وتنسيق مسبق في تنفيذ تلك العملية الغادرة والجبانة، إلا أن نقول بملء أفواهنا وبأعلى صوت، هذا ما خطط له العدو الصهيوني ونفذه، وهي خطة صهيونية مبيتة جرى الإعداد لها وقام بها عملاء للاحتلال الصهيوني لإفشال الزيارة التي قام بها إسماعيل هنية وإغلاق معبر رفح و إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في عهد مبارك المخلوع، ولزرع حالة من الإحباط من ضعف أداء الأجهزة الاستخبارية المصرية، لكننا وفي المقابل، لا ننكر حق قيادة الجيش المصري بحماية أمن مصر والدفاع عن أبنائها البررة، وأن تفرض القوات المصري سيادتها على كامل تراب مصر، فأمن مصر من أمن فلسطين السليبة، كما ولا ننكر لهم حق ملاحقة مرتكبي الفعل الجبان، لكننا نتمنى ألا تكون تلك الدعوات والتصريحات مدخلاً للإساءة لأبناء غزة وزيادة في معاناتهم في ظل حصار ظالم جائر امتد لسنوات، ساهم فيه بفاعلية كبيرة نظام اللامبارك، وألا يهدف منها نسف جهود القيادة السياسية المصرية الرامية للتخفيف من معاناة أشقائهم أبناء غزة، وتشويهاً وقتلاً للتقارب المصري الفلسطيني الذي أرعب الكيان الصهيوني وأذنابه في المنطقة العربية وداخل مصر ذاتها، وألا تكون تمهيداً لمؤامرة صهيونية كبرى تستهدف إضعاف الرئيس المصري وإفشاله في جهوده لعودة مصر من جديد لتلعب دورها الريادي القومي والإسلامي والأفريقي بعيداً عن حالة التقزم الذي عاشته عقودا طويلة نتيجة اتفاقيات كامب ديفيد وخروجها من دائرة الصراع العربي الصهيوني!!.

ختاماً نقول ... فلتفتح الحدود والمعابر أولاً، ولتدمر بعدها الأنفاق عن بكرة أبيها، ليعيش أبناء غزة كراماً أعزة بفضل نخوة وشهامة أشقائهم المصريين، بعد طول حصار ومعاناة وظلم!!.
يقول الله تعالى في محكم آياته:
" ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد اللهُ أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذابٌ عظيم".( المائدة:41).
"وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين" (سورة الأنفال: 30(

سماك العبوشي
8 آب / أغسطس / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت