منذ الهجوم الاجرامي على نقطة عسكرية للجيش المصري في رفح المصرية والتي راح ضحيتها ستة عشر جندياً مصرياً في الخامس من الشهر الجاري، والصحف المصرية تتحفنا كل يوم بما هو جديد في مسلسل الشائعات وتوجيه اصابع الاتهام والإخبار الملفقة ضد الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة. وان من قاموا بالهجوم ارهابيون خرجوا من غزة في استباق واضح لنتائج التحقيق التي نامل ان يكون تحقيقا جديا وان ينتهي بسرعة ليكشف من يقف خلف تلك الجريمة.
معظم الاخبار التي تحفل بها الصحف المصرية هي تقارير أقرب ما تكون إلى التكهنات الأمنية منها للتقارير الصحافية التي تستند الى معلومات رصينة وتقص للحقائق في ظل غياب أي معلومة حقيقية من أي مصدر امني رسمي أو النيابة العامة.
تلك التقارير هي تسريبات لصحافيين في صحف واسعة الانتشار من بعض المسؤولين الحاليين والسابقين في الاجهزة الامنية المصرية وللأسف الفلسطينية في السلطة الفلسطينية، وكان ابرز تلك التقارير ما نشرته صحيفة الوطن المصرية في عددها الصادر يوم الاحد الموافق 12/8/2012، التي تحدثت عن تصدير المسلحين من قطاع غزة الى سيناء والذين بلغ عددهم 11 الف مسلح ينتمون الى عدة جماعات سلفية جهادية مثل جيش الاسلام، وجند الله، وتنظيم جلجلت.
لا اريد الخوض في دقة تلك المعلومات لاسيما ما تورده الصحيفة المذكورة عن عدد أعضاء تلك التنظيمات المذكورة، وهو رقم يعكس سذاجة أو تضخيما مقصودا، فلو صحت تلك الارقام لفتحت تلك التنظيمات جبهة مسلحة ضد حماس وشاغلتها وأرهقتها وزعزعت اركان حكمها، وأرهقت الاحتلال، وهذا ليس مكانه الان، وسيكون بشكل اكثر تفصيلا في مقال لاحق.
ولان التقرير امني يوجد فيه بعض المعلومات الصحيحة، وان هذه المسميات صحيحة وموجودة ولها جذور، لكن لا وجود عملي لها بهذا الشكل او ما تورده الصحيفة حول البناء التنظيمي الذي ذكره التقرير سواء في قطاع غزة او سيناء، كما ان تناولها بهذه الطريقة الأمنية البحتة يدلل على ان المعلومات هي للفبركة ولفت الانظار لغزة وبث الشائعات وتوجيه الاتهام لحركة حماس التي تطولها المسؤولية في بعض الجوانب، ونفي التهمة عن وجود تكفيريين وإرهابيين مصريين ينشطون في سيناء منذ عدة سنوات وإلصاقها بالفلسطينيين.
ما يهمني هنا هو المشهد الفلسطيني المرتبك والضعيف والمخزي، وما ظهر من غياب للمصلحة الوطنية العليا وتفضيل المصلحة الحزبية الضيقة عاكسا بشكل مخجل حجم الكراهية والحقد بين طرفي الانقسام، وهو ماعكس نفسه في مسلسل من تبادل التهم.
القيادة الفلسطينية فيما تبقى من الوطن المنقسم لم تكن على قدر المسؤولية الوطنية والأخلاقية في إدارة الازمة التي يعانيها الفلسطينيين الان، مشهد يسوده اقتناص الفرص ومحاولة السلطة الفلسطينية الصاق التهمة بحركة حماس لأهداف سياسية مريبة لتشديد الحصار على القطاع المنهك، والذي لا يعرف الناس من اين سيتلقون الضربة القادمة.
في المقابل حركة حماس لم تقصر وكرست كل جهدها للدفاع عن نفسها ووجهت الاتهام الى بعض عناصر حركة فتح الهاربين كما تسميهم والمتواجدين في سيناء.
كذلك تحميل نفسها مسؤولية اكبر من امكاناتها عن طريق التصريحات الكثيرة والمتضاربة حول قدرتها على حماية الاراضي المصرية والأمن القومي المصري، وسرعة ردها على الاتهامات وقدرتها الكبيرة على اغلاق الانفاق والسيطرة عليها إذا قامت مصر بفتح معبر رفح، ومطالبتها المصريين بتشكيل لجان وقوى امنية مشتركة للمساعدة في ذلك.
كل ذلك يجري في ساحتنا وهناك في المشهد المصري متربصين كثر ينتظرون ردود افعال القيادة الفلسطينية غير القادرة على ادارة الدفة وتوجيه البوصلة، والوقائع لا تؤشر حتى الان الى تغيير في التفكير و الهدف ليس للدفاع عن الفلسطينيين بقدر ما هو تغيير الصورة عاكسا الضعف الذي نعانيه، فالاتهامات التي تطلقها الصحافة المصرية وبعض الاحزاب السياسية هي نتاج ضعفنا وإرباكنا، وعدم قدرتنا على التواصل مع الاشقاء المصريين خاصة الاحزاب الوطنية وتوضيح صورة تلك الاتهامات والتي لا يجب ان تخرج من مصر الثورة.
وهذا لا يعفي الفصائل الفلسطينية من المسؤولية الوطنية والاخلاقية تجاه ابناء الشعب الفلسطيني وتجاه مصر الثورة، والعمل بسرعة وبشكل جدي والتواصل مع القوى السياسية المصرية وتوضيح مدى المعاناة التي يعيشها الفلسطينيين جراء الظلم الواقع عليهم من خلال الشائعات والاتهامات من دون أي دليل، والعقاب الجماعي المفروض عليهم بإغلاق معبر رفح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت