في بداية السبعينيات، ولدى زيارتي لأحد الأصدقاء في بيته لفت نظري عبارة "رحم الله الضمائر" كانت مكتوبة بخط كبير وبشكل بارز ولافت للنظر على احد جدران غرفة الضيوف ....... وقفت مستغربا ومندهشا ومذهولا ومنزعجا .... لماذا هذا التشاؤم؟ ولماذا هذه العبارة؟ ولماذا في غرفة الضيوف؟ هل حقا قد ماتت الضمائر لكي نترحم عليها؟ عبثا حاولت أن اقنع صديقي حينها بأن مجتمعنا الفلسطيني بخير وان ضمائر أبناء شعبنا حية، فهموم الوطن من تحرير واستقلال وبناء وتقدم هي غاية الغايات دون منازع لأبناء شعبنا الفلسطيني بلا استثناء، والمحبة والتعاون والتكافل والتضامن هي سيدة الموقف في مجتمعنا الفلسطيني، وصغيرينا يحترم ويوقر كبيرنا وكبيرنا يحترم ويعطف ويساند ويؤازر صغيرنا، فلا حقد ولا ضغينة ولا كراهية ولا حسد ولا نفاق ولا رياء ولا كذب ولا غش ولا خداع ولا غيبه ولا نميمة، ولا ذاتية ولا أنانية ولا تضخيم للذات ولا بناء للذات على حساب هدم الآخرين، ولا كسل ولا خمول ولا إهمال أو تقاعس أو تقصير في مجال العمل، ولا ظلم ولا اضطهاد ولا فرعونية ولا قارونية ولا تفاخر بالأموال والأولاد ..... الخ
عذرا صديقي العزيز ونحن في العام 2012 وخصوصا ونحن في العشرة الأواخر من شهر رمضان الفضيل اعترف بأنني لم أكن موفقا في نظرتي إليك حين اعتقدت بأنك من النوع المتشائم .... عذرا صديقي فأنت لست كذلك ..... عذرا صديقي كم كنت صاحب رؤية ونظرة مستقبلية ..... عذرا صديقي فالكثيرين ممن زاروا بيتك ومن لم يزره وممن يعرفونك وممن لا يعرفونك يشاركونك الرأي "رحم الله الضمائر" ...... صحيح لا يمكن التعميم فأصحاب الضمائر الحية والحمد لله إنما هم كثر في مجتمعنا الفلسطيني، ولكن لا يجب أن نخجل أن نقول "رحم الله الضمائر" حين يكون الحديث عن أولئك الذين يشغلون مولدات الكهرباء طوال الليل ضاربين عرض الحائط جيرانهم من المرضى والأطفال وكبار السن ومن هم بحاجة إلى الراحة، وأولئك الذين يتلذذون على إزعاج الناس من خلال الاتصال بهم بشكل عشوائي أو بشكل مقصود عبر هواتفهم النقالة في ساعات متأخرة من الليل أو في ساعات النهار، وأولئك الذين يقيمون أفراحهم الماجنة مقابل بيوت عزاء الجيران تحت يافطة "فرحنا اسبق" أو حتى دون مبرر، وأولئك الذين يمارسون الكذب ليلا نهارا وصيفا وشتاءا وربيعا وخريفا وعنوانهم المثل الشائع المشين والردئ "الكذب ملح الرجال"، وأولئك الذين يتعاملون مع الاترومال تهريبا وتسويقا وبيعا واستخداما دون ادني رحمة وشفقة بأبنائنا وبناتنا، وأولئك الذين يسهرون بالليل على الفضائيات والشبكة العنكبوتية وينامون وضح النهار (ثقافة الكسل) مخالفين فطرة الإنسان ومكتفين بما حصلوا عليه من كابونات بوجه حق أو لربما بغير وجه حق (ثقافة التسول)، وأولئك الذين لم يكتفوا بقول "أف" لآبائهم وأمهاتهم بل يوجهون لهم الشتائم والاهانات والذي يصل عند البعض إلى مستوى الضرب، وأولئك الذين لا يتبعون شرع الله عند توزيع الميراث على المستحقين وخصوصا البنات والأخوات حرمانا أو تقليلا أو مقاطعة أو حبسا في أماكن لتصلح لبنى البشر أو منعا للزواج للبنات تحت مبررات واهية لا يمكن للجاهل أن يستوعبها كي يقبل بها عقل عاقل ، وأولئك الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل فلا يزورون الأرحام بما فيهن بناتهم إلا ما ندر أو حتى لا يزورونهن تحت حجج وذرائع ما انزل الله بها من سلطان على شاكلة "أن رحمي تقطعني" بحق انه عذر أقبح من ذنب، وأولئك الذين يقتلون بناتهم على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" والتي تكررت بشكل ملحوظ لافت للنظر في السنوات الأخيرة مخالفين تماما توجيهات رب العزة في قرآننا المجيد وممرغين بفعلتهم الشنيعة شرف العائلة المزعوم في التراب، وأولئك الذين يبخسون الناس أشيائهم ولا يوفون الكيل إذا كالوا ولا يزنوا بالقسطاس المستقيم معيثين في الأرض فسادا، وأولئك الذين أعمتهم كثرة المال والعشيرة والولد حين يعالجون قضاياهم البسيطة والهامشية والتافهة من خلال منطق القوة الزائفة وحروب داحس والغبراء مستخدمين الأسلحة التي يروح ضحيتها خيرة زهرات شبابنا، وأولئك الذين يزوجون ويتزوجون دون سؤال وبسرعة وفى وقت قصير تماما على "طريقة الوجبات السريعة" ومن ثم يتوجهون للمحاكم بسرعة اكبر وفى وقت اقصر للطلاق وما تعنيه هذه الآفة الفتاكة المدمرة من مشكلات مجتمعية تهدد نسيج المجتمع الفلسطيني، وأولئك الذين يتباهون بالمال والولد والجاه والسلطان والذين دخلوا جنتهم وهم ظالمي أنفسهم متنكرين للعلم والعلماء غير معتدين بأولى الألباب وأصحاب الخبرة والمعرفة، وأولئك الذين ضخموا من ذواتهم غير مستخلصين العبر مما حدث لفرعون وهامان وقارون وقوم عاد وثمود، وأولئك الذين تشبثوا براياتهم على حساب علم فلسطين غير مدركين بأن فلسطين إنما هي اكبر من الجميع وأن الألوان قد وجدت كقيمة جمالية وليست من اجل التقسيم والتشتيت والتفتيت والتجزيء، أو قل إن أردتم تقسيم المقسم، وتشتيت المشتت، وتفتيت المفتت، وتجزيء المجزأ، وأولئك الذين غلبوا السياسي والحزبي والفئوي والعشائري على الاكاديمى في بعض مؤسساتنا التعليمية متجاهلين الانعكاسات السلبية لذلك على مخرجات العملية التعليمية وبالتالي على حاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني، وأولئك الذين أعطوا الأولوية لقضايانا الهامشية فيما داسوا بإقدامهم ونعالهم على قضايانا الضخمة المركزية، وأولئك ............ الخ.
عذرا صديقي مرة أخرى .... اقترح أن نزين عقولنا وقلوبنا ووجداننا وجدران بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الأهلية ومؤسساتنا التابعة لقطاعنا الخاص ومقرات أحزابنا وفصائلنا ونوادينا ومستشفياتنا وعياداتنا ودواويننا وفنادقنا وصالاتنا وأماكننا العامة بشعار "ضمائر حية .... أوطان متقدمة"، فهل من مجيب ؟؟؟؟؟؟؟
بقلم: د. يوسف حسن صافى
مدير مركز هــدف لحقوق الإنسان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت