ما بين مكة والقدس أقوى وأمتن ما بين منظمة التعاون الإسلامي والمسلمين ، فالقدس ومكة مرتبطان بجوهر الإسلام وروحه ، فمكة أول المسجدين وثاني القبلتين وأول الحرمين ، بينما القدس هي ثاني المسجدين وأولى القبلتين وثالث الحرمين ، وللقدس ميزة خاصة ، منها عرج الرسول الكريم محمد(ص ) إلى علياء السماء ، وفيها صلّى الرسول الكريم إماماً بالأنبياء والرسل ، كما أنّ للقدس ميزة هامة ، وهي أنها مهبط الوحي والملائكة من السماء إلى الأرض ، وهي بالتالي نقطة التقاء السماء بالأرض .
ومع كل هذه الأهمية للقدس نرى المسلمين قد أداروا ضهرهم لها ، فلم يعد يعنيهم ما يجري في القدس وعلى أرض القدس ولأبناء القدس ، ففي يوم انعقاد مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في مكة المكرمة يعلن الاحتلال الصهيوني قراره ببناء 12 برجاً سكنيا في مدينة القدس دون أن تلتفت الدول الإسلامية إلى هذا الأمر ، ودون أن يأخذ منها أي اهتمام ، كما أنّ الاستيطان لا يتوقف في الليل والنهار في القدس ومحيط القدس ، وقبل أسابيع ثلاثة أعلن الصهاينة أنهم لا يريدون هدم المسجد الأقصى ، لكنهم يريدون نقل المسجد الأقصى إلى مكان آخر ، والدول الإسلامية تغط في نوم عميق عن كل ما يجري في القدس ، وكأنهاّ غير معنية إن كان المسجد الأقصى في القدس أو كان في تل أبيب أو كان في واشنطن .
نقرأ في مسودة بيان مؤتمر التعاون أو التضامن الإسلامي كلاماً معسولاً حول فلسطين ، لكنه لا يعدو أن يكون سوى رقصة السيف على ما تبقى من القدس ، فتقول مسودة البيان (كما يدعو المؤتمر لبذل الجهود من أجل استعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها الإسلامي والتاريخي، وتوفير الموارد الضرورية للحفاظ على المسجد الأقصى وباقي الأماكن المقدسة وحمايتها، ويجدد إدانته لإسرائيل، ) ، هذه الجهود التي يدعو المؤتمر إلى بذلها من أجل القدس ، ما زالت نفسها ذات الدعوة التي يكررها المؤتمر كلما انعقد منذ احتلال القدس عام 1967 ، فالجهود المبذولة من الدول الإسلامية على مدى سبعة وأربعين عاماً لا تتجاوز حدود الشجب والإدانة والاستنكار .
كما أنّ المؤتمر يطالب بـ (التحرك الفوري لرفع الحصار وإلزام إسرائيل بوقف عدوانها المستمر ضد الشعب الفلسطيني. ) ، أية سخافة يصل إليها المؤتمر وهو يضعنا في بيانه التاريخي ـ وكل بياناته تاريخية ـ أمام ضعف المؤتمر بكل إمكاناته السياسية والمادية والاقتصادية لمواجهة حقيقية للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية ، وهو غير قادر للتحرك إعلامياً ضد الاحتلال الصهيوني ، فكيف سيتحرك على الأرض لرفع الحصار ووقف العدوان على الشعب الفلسطيني ، لأنّ أي تحرك ضد العدّو الصهيوني يتطلب من دول المؤتمر الإسلامي قطع كل علاقاتها مع هذا العدّو ، فكيف تقر دول المؤتمر الإسلامي بوجود حصار وعدوان على الشعب الفلسطيني وعلى القدس وهي توثق علاقاتها مع هذا العدّو .
ومن التناقضات في مؤتمر الدول الإسلامية أنها تدعو إلى تعليق عضوية سورية في المؤتمر بسبب ممارسات النظام السوري ضد شعبه ،( تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية في منظمة التعاون الإسلامي وكافة الأجهزة المتفرعة والمتخصصة والمنتمية لها ) ، على حين لا يجرؤ المؤتمر على مطالبة الأمم المتحدة بتعليق عضوية الكيان الصهيوني في الجمعية العامة وكافة المنظمات الدولية بسبب الممارسات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ، ولا يجرؤ حتى أعضاء المؤتمر على اتخاذ قرار بقطع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني .
مؤتمر لتكريس الظلم على الشعب الفلسطيني بخاصة وعلى الشعوب الإسلامية بعامة ، فأنظمة الدول الإسلامية ليست سوى أنظمة أمنية تقمع مواطنيها بكل الوسائل والسبل ، أنظمة أصبح الخنوع عنوانها ، أنظمة ومنظمات كانت قراراتها ومازالت مرتبطة بالمصلحة الأمريكية الصهيونية ، ولن تجرؤ لتخرج شعوبها المضطهدة إلى دائرة الحرية والعيش الكريم ، لأنّ الشعوب في نظرها هم العبيد في بلاط حكامها ، فكيف ستعمل على رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني .
وعلى القيادة الفلسطينية ألا تسارع اليوم لتهلل وترحب ببيان المؤتمر الإسلامي ، لأنه حقق لها ما يريد ، فالمؤتمر لم يحقق لنا أي شيء ،والمؤتمر لا يريد للشعب الفلسطيني أن يتخلص من الاحتلال ، بل أنّ قرارات المؤتمر المتكررة هي تكريس للاحتلال ، وتكريس لحصار الشعب ، وتكريس للتخلص من القدس ، فماذا أنجز وفعل ملك المغرب من أجل القدس التي تهود كل يوم ، سوى أنه رئيس لجنة القدس ولا فخر ، وعلى القيادة الفلسطينية أن تدرك أنّ هذا المؤتمر الإسلامي ليس إلا مجرد مؤتمر لا حول ولا قوة له ، وكل الرهانات على غير جماهير الشعب العربي الفلسطيني هي رهانات خاسرة ، وكل حضور فلسطيني دون فعل فلسطيني على الأرض الفلسطينية هو مجر حضور لا أكثر .
16/8/2012 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت