الشهر الماضي نشرت مقال لي بعنوان “الكلام مسموح فقط” عن ازمة الكهرباء المستشرية في قطاع غزة منذ ستة اعوام ولا حل يلوح في الافق، بل تتعمق الازمة اكثر من السابق، وفي حالتنا الفلسطينية دائما ما يصاب الكاتب بالإحباط ويطرح السؤال الذي يخطر على باله كل مرة عند كتابة مقاله، ما الفائدة من ما يكتب ولمن يكتب، وما جدوى الكلام في فلسطين إذا كان مسموح به للفضفضة فقط؟
ويشعر الكاتب أحياناً عندما يكتب في الشأن العام او القضايا الوطنية انه يكتب لنفسه او يخاطب هواجسه، او مجموعة من اصدقاؤه ومعارفه وربما يقرؤون له من باب المجاملة او الخجل، او لان الموضوع ربما يدغدغ عواطف ومشاعر مواقف بعض القراء السياسية ضد خصموهم السياسيين من الطرف الأخر.
وأن المسؤولين من طرفي الانقسام أصيبوا بداء البلادة والتطنيش، وأصبح لا يعنيهم أي شيئ غير مصالحهم ومشاريعهم السياسية الفاشلة، وتشبثهم بالسلطة والاستئثار بها، ولا يهمهم أي موضوع يتم طرحه للنقاش او من يكتب، ولمن يكتب ويوجه النقد؟ والذي يصب في الصالح العام، او حتى من باب الشتيمة إلا اذا مست الذات الشخصية لبعضهم فتقوم الدنيا ولا تقعد.
ويوهم نفسه ان الحكومات وبعض المسؤولين فيها يغضبون ويستفز بعضهم، ويصابوا بقشعريرة عندما يتناول موضوع حساس كأزمة الكهرباء او الاحتكار والغلاء وارتفاع نسب البطالة والفقر، وليس المقاومة ونجاعتها والإستراتيجية القائمة عليها، أو الانفاق والمصائب التي جلبتها للناس في غزة، أو مقاطعة بضائع المستوطنات والعمل فيها، او المفاوضات العبثية، او لقاء الرئيس عباس مثلا بمجرم مثل موفاز.
خمس سنوات والحال لم يتغير بل تزداد الامور تعقيداً وقتامه، والاحتلال جاثم فوق صدورنا ويفرض يوميا واقع جديد وشروط جديدة، وكل ما يقوم به لم نتفق على الحد الادنى في مواجهته، وتعززت ثقافة الحلول الفردية في مواجهة جميع الازمات بما فيها مقاومة الاحتلال.
والانقسام المقيت يضرب عميقا في جذور الفلسطينيين، ويهدد النسيج المجتمعي، وما تبقى بينهم من وحدة وتكافل وتضامن ليس في مواجهة الاحتلال، بل في تسيير وتسهيل الامور الحياتية اليومية التي تشغل بالهم اكثر من أي قضية وطنية اخرى.
ومنذ سنوات الانقسام الاولى أساء ولا يزال يسيئ الى قضيتنا، ويتسابق الطرفين في تشويه صورتنا امام العالم وهم يتابرون في تعليم الناس فنون الردح والشتم على الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى.
وأخجل أحياناً من تكرار الكتابة في القضايا الكبرى والحياتية التي تهم الناس وتشغل بالهم وتنهك تفكيرهم وقواهم، في ظل التحديات الكبرى التي تواجه قضيتنا، ومعها القضايا الاخرى الكبرى والتي اصبحت على الهامش ويتم تناولها على إستحياء، ولم يتم ردم الهوة بينهم حتى الان، ولو من باب الجدل وفتح النقاش العميق حول ماهية المشروع الوطني الفلسطيني والتحديات الجسام التي تواجه الفلسطينيين في ظل ما يجري من تغيرات كبرى في المنطقة العربية.
في فلسطين يهان الانسان والأرض، والتحذيرات اليومية من تدهور الاحوال والتي وصلت حد الانحطاط في كل شيئ، كرامة الفلسطيني تهان يومياً ويدفع ثمن فلسطينيته وتخاذل قيادته في عدم الدفاع عنه وحمايته سواء في فلسطين او خارج فلسطين.
التعليم والصحة في تدهور مستمر، ونسمع يوميا عن جرائم ترتكب بحق المرضى من اخطاء طبية جسيمة تودي بحياة الناس، والتعليم في تدهور ولا معلومات حقيقية حول نسب النجاح والرسوب ومستوى التعليم وجودته والتي اصبحت في الحضيض.
ما فائدة الكتابة في فلسطين المحتلة؟ ونحن احوج الناس الى الوحدة والشراكة لمقاومة الاحتلال ومشاريعه، ولا احد يستجيب او ينصت لصوت العقل والتفكير بشكل جماعي وبصوت مرتفع الى اين نحن ذاهبون؟
ومع كل ذلك لن أدع للإحباط يتسلل الى داخلي وسأستمر في الكتابة كغيري من الكتاب والصحافيين، ربما يسمع بعض العقلاء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت