المشهد العربي وفلسطين

بقلم: عباس الجمعة


في ظل المتغيرات الحاصلة في المنطقة ، وامام ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مخاطر في ظل الهجمة العدوانية االصهيونية الاستيطانية ، والتي تستدعي استنهاض طاقات الجماهير الفلسطينية بمواجهة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي المطبق ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة، والمتجسد في حصار غزة وتهويد مدينة القدس واراضي الضفة الفلسطينية بصورة منهجية ، وخاصة إن ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي يصب باتجاه حدود توسعية تفرضها في أي تسوية محتملة للصراع العربي الصهيوني، فإذا نظرنا إلى خارطة ما يجري في الضفة الغربية، من بناء "جدران الضم والفصل"، والنشاطات التوسعية الاستيطانية، وتحويلها الى مناطق معزولة، بهدف عملية العزل الجغرافي والديمغرافي، من خلال الجسم السرطاني الاستيطاني القائم على البناء ونهب الأرض، وكل ذلك يأتي في سياق الدعم الامريكي والانحياز الاعمى للكيان الاسرائيلي ، وتجاهل أي اعتراف بدولة فلسطينية.
ان تهرب الادارة الامريكية من الاعتراف بأي دولة فلسطينية، يأتي في سياق الانتخابات الامريكية القادمة وهذا ليس جديداً، بل هو موقف أمريكي متكرر وراسخ بالعداء للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة.

لقد باتت عملية السلام في الشرق الأوسط أمام تهديد مباشر لمستقبلها، بسبب الانحياز الامريكي الى جانب حكومة الاحتلال وبسبب عدم الاعتراف بإعلان دولة فلسطين، وممارسة حق النقض "الفيتو" ضد أي جهود فلسطينية تهدف إلى إدانة إسرائيل في المحافل الدولية.
يبدو أن هذا الانحياز الأمريكي للكيان الاسرائيلي مثلما هو واضح، في ظل غياب اي صوت عربي شجاع يدعم الموقف الفلسطيني، وغيره من المواقف والقرارات الأخرى، التي تدين حكومة الاحتلال باعتبارها دولة مارقة لا تكف عن مخالفة القانون الدولي، وانتهاك المبادئ الأساسية لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
إن ما انتهت إليه المفاوضات من نتائج كارثية يدلل على استعصاءات من الصعب حلحلتها في الأمد المرئي، بعد الانحياز الأمريكي الى جانب حكومة الاحتلال وهذا الانحياز يدخل الوضع في دوامة من التعقيد الإقليمي والدولي، لن تفلح معه الرغبات، بقدر ما تحكم هذا التعقيد خريطة التحولات المتسارعة على التحول الجيواستراتيجي للمنطقة برمتها.

ان تهديد ليبرمان العنصري ضد الرئيس محمود عباس ينبغي أن يؤجج النخوة العربية والوقوف الى جانب القيادة الفلسطينية ، كما على العنصري ليبرمان ان يعلم أن الأرض الفلسطينية اعتادت أن تنبت الثوار، وأن دماء الشهداء تنبت سنابل وأزهار الحرية، والرئيس محمود عباس يمثل الشرعية الفلسطينية ولم يكن لقمة سائغة في عدوانهم ، وسيكون الشعب الفلسطيني أكثر صلابة أمام أي عدوان جديد من اجل كسر الأنياب الصهيونية.

واضح أن الدعوة إلى تغيير القيادة الفلسطينية تأتي في إطار التوجه والمزاج العام الساسي للزعامات الأميركية الصهيونية الاستعمارية خاصةً باستبدال الأنظمة والحكومات والإتيان ببديلة يسهل عليهم التعامل معها، صحيح أن هذه الدعوة تعبر عن لغة المافيا ، هذه المافيا التي تقود ما يسمى عملية التغيير في المنطقة الآن وتسطو على ارادة الشعوب التي نهضت من اجل حريتها وديمقراطيتها وعدالتها الاجتماعية لتأتي بنظم تعمل وفق ما تريده ، هذه هي لغة المافيا خاصة إذا كان يقف وراءها كيان احتلالي غاصب يرفض الاعتراف بحقوق الشعوب في العيش بكرامة واستقرار وامان فوق ارضه.

صحيح أن الانقسام الفلسطيني سيطيل أمد معاناة الشعب الفلسطيني، لأن المصالح الضيقة لاحد طرفي الانقسام الفلسطيني التي تراهن على المتغيرات العربية وخاصة ما يسمى دور الاسلام السياسي في المرحلة المقبلة باعتبارها جزء رئيسي منها تتعارض وتطغى على المصلحة الوطنية الفلسطينية، وهي التي تجعل المصالحة بعيدة المنال، وهي التي تجعل الشعب الفلسطيني يعيش حالة من الترقب والانتظار .

ان أي حديث حول تأثير الثورات العربية على القضية الفلسطينية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مقاربة نتائج المتغيرات على الوضع الفلسطيني وخاصة في دول الجوار ،وان سياسة القيادة الفلسطينية بنأي الشعب الفلسطيني عن التدخل شكل خطوة مهمة .
وامام ذلك يجب على القوى والفصائل الفلسطينية وهي ما زالت تعيش مرحلة تحرر وطني اعلاء راية الوحدة والمقاومة والتمسك بالهوية الوطنية،ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية ما دام العرب والعالم منشغلين بما يجري داخل بلدانهم.

إن التأثير العربي على القضية الفلسطينية سيختلف من دولة بخصوص القضية الفلسطينية وهذا ما حصل فعلا عندما قام السلفيون في تونس بمنع اقامة مهرجان يوم القدس العالمي،وفي جميع الحالات فالأمر يرتبط بالقوى الوطنية والتقدمية والقومية ودورها في تعبئة الجماهير.
ان الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية تشكل منعطفا استراتيجيا وخطيرا ستترتب عنه متغيرات داخلية في البلدان العربية سواء التي تمر بحالة ثورة أو غيرها وذلك نتيجة التدخل الامريكي والخارجي الذي يستهدف تفتيت المنطقة من خلال رسم الشرق الأوسط الجديد المراد قيامه على أنقاض البنيان العربي الموحد، الذي يفقد مناعته وحصانته نتيجة الظروف والعوامل التي نراها اليوم .

واذا لم نعي هذه المتغيرات بكل تأكيد ستقلب معادلة الصراع في المنطقة وخاصة في دول الثورات الراهنة المشغوله بهمومها الداخلية والتي تراهن على مهادنة الغرب وخصوصا واشنطن ، والتي تنأى بنفسها عن اي مواجهة مع الاحتلال الصهيوني ، وهذا يتطلب من جميع القوى الحية الحفاظ على دورها حاضرها ومستقبلها، لوقف هذه الانهيارات، من خلال إصلاح وتنمية ومعالجة الجروح التي يعاني منها الجسد العربي وصد كل ما يحاك من خطط ومشاريع ومؤامرات امريكية صهيونية تستهدف المنطقة والقضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع العربي الصهيوني .
وامام هذه الاوضاع نرى ان على القوى والفصائل الفلسطينية وضع الخطط لمواجهة هذه المتغيرات وما قد تتعرض له القضية الفلسطينية ،وخاصة مرحلة إدارة الصراع حيث ان الظروف الوطنية والإقليمية والدولية غير ناضجة في ظل الواقع العربي الراهن عليه ، مما يستدعي رسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال بمواجهة الاحتلال.

يمكن القول ان على القيادة الفلسطينية العمل الجدي لإحداث اختراق في جدار المأزق الراهن من خلال الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة عضو مراقب ، وعدم انتظار ما ستؤول إليه التطورات التي تشهدها البلدان العربية ، والإقدام على خطوات سياسية تنطوي على مجابهة دبلوماسية مع حكومة الاحتلال في المحافل الدولية، اضافة الى خطوات كفاحية في مواجهة الصلف الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي، وتطوير نموذج المقاومة الشعبية ، كي يصبح أهم مكونات الاستراتيجية الوطنية في المرحلة المقبلة، وهي استراتيجية تتطلب موقفاً سياسياً فلسطينياً موحداً يشكل حجر الأساس لبناء موقف عربي موحد، وإغلاق الباب أمام التدخلات الإقليمية التي توظف الانقسام الفلسطيني بحسب منظور كل طرف إلى مصالحه الضيقة.

ختاما: لا بد من التأكيد ان الحرية و الديمقراطية و الكرامة الإنسانية و العدالة الإجتماعية تتطلب صد الهجمة الإمبريالية الصهيونية التي تستهدف المنطقة العربية وعدم التدخل الخارجي في شؤون الدول ودعم صمود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، و استعادة الأراضي العربية المحتلة ، و نيل شعبنا الفلسطيني كامل حقوقه الوطنية في انتزاع الحرية و حق العودة و تقرير المصير و قيام الدولة الوطنية المستقلة و عاصمتها القدس .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت