منذ وقوع حادثة قتل الجنود المصريين في سيناء تمر الايام ثقال على الفلسطينيين في قطاع غزة، فهم يشعرون بالقهر والظلم الواقع عليهم من أقرب الناس على قلوبهم، والمختلفون على كل شيئ، ولم يحددوا مواقفهم من قضايا كثيرة، ويلقون بالتهم على الغزيين المحاصرين من بني جلدتهم.
على إثر الحادثة شعر المصريين بالعار، ولكن ذلك ليس معناه ان الفلسطينيين هم من نفذوا الجريمة، وان محترفي الفضائيات والصحف اليومية المصرية الذين وجهوا اصابع الاتهام للفلسطينيين، وطالبوا بالرد، لم يشعروا بالعار، إنما وجدوا في الفلسطينيين كبش الفداء، حتى الرئيس محمد مرسي الذي توعد الفاعلين بالويل والثبور والانتقام لم يبعد الشبهة عن الفلسطينيين.
ومع ذلك لم يتوقف أي من المسؤولين المصريين، ومن وجهوا الاتهامات للفلسطينيين عند ملابسات الجريمة، حتى بالتلميح الى تقصير الجنود القتلى ومسؤولية قيادة الجيش واستخلاصها العبر من حوادث سابقة وقعت في سيناء.
عدد قليل من النخب المصرية حذرت من خطورة الاوضاع في سيناء التي تعج بجماعات مسلحة، وكانت ولا تزال تسرح وتمرح بجميع انواع الاسلحة من دون رقابة او ملاحقة حقيقية، إلى ان نفذوا جريمة خطيرة بقتل ستة عشرة من الجنود.
عدد قليل جدا من الكتاب المصريين الوطنيين تسائلوا عن مسؤولية الجيش، وان الإهمال الواقع على القوات القليلة العدد والعتاد المتواجدة في سيناء يتحمل المسؤولية عنها قيادة الجيش، وكذلك عن الاهمال في مراقبة المكان من الجنود القتلى، وقتلهم جميعاً بهذه السهولة.
هذا حال المصريين، اما الفلسطينيين المنكوبين بالاحتلال، وبقيادتهم المنقسمة على نفسها وتنتصر لمصالحها الفئوية، ولم تنطق بكلمة حق في الدفاع عن شعبها المتهم ظلماً بجريمة لم تتضح حتى الان جنسيات منفذيها وأهدافهم الحقيقية، ويعاقبون جماعياً من مصر الثورة التي يقودها رئيس ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين.
قبل اقل من عامين كانت حركة حماس تجيش المتظاهرين من النساء والرجال والمرضى وكبار السن للتظاهر امام معبر رفح، وتحضر الخطباء بالخطب الطنانة والرنانة، وتشن حملات إعلامية ضخمة عبر وسائل الاعلام التابعة لها والمتعاطفة معها للضغط على النظام المصري السابق لفتحه والتنديد بسياسته ومشاركته في حصار غزة وتشديده.
ولم تحرك أي تظاهرة او مسيرة احتجاج الى أي من المعابر الاخرى مع دولة الاحتلال التي أغلقتها منذ عدة سنوات وتفرض حصاراً خانقاً على القطاع، والمفترض فلسطينيناً أن يتم تعظيم الاشتباك مع دولة الاحتلال ومشاغلتها، وفضح الانتهاكات الجسيمة والخطيرة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين والعقاب الجماعي المفروض على القطاع.
وعلى الرغم من ان جميع الصلاحيات انتقلت إلى الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين، والوعد الذي اطلقه بتنفيذ جملة من التسهيلات على المعبر وغيرها من القضايا الاخرى، إلا اننا لا نزال نشاهد السياسة القديمة التي كان ينتهجها النظام وهي السائدة في التعامل مع قطاع غزة على أساس امني.
وفي ظل سياسة العقاب الجماعي الذي تفرضه الدولة المصرية الجديدة، نرى صمت مطبق من حركة حماس وحكومتها خشية من إحراج قيادة مصر الاخوانية، حتى بعض التصريحات التي صدرت من بعض المسؤولين في حماس وحكومتها واستنكرت إغلاق معبر رفح رداً على حادثة قتل الجنود المصريين، سحبت وتم الاعتذار عنها وتم تبريرها.
وفي مقابلة مع اذاعة “بي بي سي” يوم الجمعة الموافق 24/8/2012، مع القيادي في حركة حماس الدكتور محمود الزهار، قال: “انهم يقدرون لمصر ما تقوم به، وان اغلاق المعبر جاء باتفاق الطرفين على إثر الجريمة ضد الجنود المصريين، وان حماس قامت بإغلاق المعبر والأنفاق، ونفى ما تناقلته بعض وسائل الاعلام على لسانه حول مطالبته المصريين فتح المعبر اسوة بفتح معبر طابا امام الاسرائيليين خلال فترة العيد تم تأويلها”.
إغلاق معبر رفح يدفع ثمنه الناس وليس حركة حماس وقيادتها، فهؤلاء لديهم القدرة على السفر بحجج وأسباب عديدة، وصمت حماس حول استمرار اغلاق معبر يمكن ان يبرره البعض بعدم احراج جماعة الاخوان المسلمين والرئيس مرسي.
لكن صمت الرئيس محمود عباس والفصائل الفلسطينية باستثناء بعض البيانات والتصريحات الصحافية للعلاقات العامة، والتي لا تعبر عن موقف سياسي حقيقي من بعض المسؤولين في فصائل محددة غير مقبول، وهناك شبه تواطؤ من الجميع وعدم خروج أي تصريح إدانة، ولم نلمس أي تحرك على الارض ومطالبة الدولة المصرية فتح معبر رفح، وعدم اتباع سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها الدولة المصرية ضد الغزيين، وإهانة كراماتهم.
الفصائل صمتت ولا تزال على الحملة الاعلامية الشرسة والمستمرة ضد الفلسطينيين على اثر الحادثة، فماذا ينتظرون؟ ام الحج الى القاهرة والإقامة فيها اهم من الدفاع عن ابناء الشعب الفلسطيني وحمايتهم وإعادة الاعتبار لهم، والدفع عنهم وعدم اخذهم بالشبهة وتوجيه الاتهامات لهم من دون أي دليل، او بجريرة عناصر فلسطينية ربما تكون مشاركة في الحادثة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت