المذهبية والطائفية تهدد المجتمعات العربية

بقلم: راسم عبيدات


في مرحلة المد القومي والثوري العربي،مرحلة استخدام العقل والفكر قبل أن يتم الحجر وإقامة الحد عليهما من قبل الجماعات المتأسلمة والتي أصبحت تنتشر انتشار النار في الهشيم على طول ساحات الوطن العربي وجغرافيته،بفعل ما تغدقه عليها مشايخ الغاز والنفط من أموال مشروطة الهدف،كان ما يوحد العرب ويجمعهم هو الوطن والقومية،وكان حقيقة يتجسد النشيد القومي العربي على الأرض،نشيد بلاد العرب أوطاني // من الشام لبغداد// ومن نجد الى يمن .....الى مصر فتطوان // فلا أحد يباعدنا ..... ولا دين يفرقنا.

ولم نسمع عن تقسيمات مذهبية وطائفية لا على مستوى القطر أو على مستوى الوطن لا سني ولا شيعي ولا مسيحي ولا درزي ولا علوي ولا صفوي،بل كان الانتماء للوطن والقومية فوق كان تلك التقسيمات المذهبية والطائفية،ولم تكن هناك أحزاب تريد أن تعلي انتماءاتها الدينية فوق انتماءاتها الوطنية والقومية سوى بعض القوى الإسلامية الطامحة لإقامة الدول الدينية ودول الخلافة،ولكن مع تراجع المد القومي وشدة الهجمة التي تعرض لها المشروع القومي من قبل القوى الاستعمارية والتي رأت في هذا المشروع خطراً على مصالحها ووجودها في المنطقة،فهي ترى في توحد العرب قوة هائلة اقتصاديا وعسكريا وبشرياً يجب ان لا تسمح بحصولها وتحققها بأي ثمن،ومن هنا كانت الهجمة على عبد الناصر وما مثله من زعيم وقائد لهذا الفكر،والذي برحيله شهدنا تغيرات كبيرة في بنية ووظيفة ودور النظام الرسمي العربي،لجهة التحلل من الالتزامات القومية والإغراق في القطرية،وهنا نشدد على أن أموال البترودولار الخليجي لعبت دوراً كبيراً في عمليات تخريب النظام الرسمي العربي وإحداث تغيرات كبيرة في بنيته وتركيبته لصالح الشرائح العليا من الكمبرادورية والبرجوازية التجارية والمالية في ذلك النظام،والتي كانت تعمل على إحكام السيطرة على اقتصاد الدولة وكل مفاصل العمل فيها من خلال تدمير القطاع العام وطحن الطبقات الوسطى وتحويل أقطارها الى مزارع وممالك خاصة،مع توظيف للمؤسسة الدينية من أجل تشريع خطوات واجراءات الأنظمة والتنظير لها والدفاع عنها.

ونحن هنا لا نريد ان نسرد المراحل التي مر بها النظام الرسمي العربي وصولاً الى ما يسمى بالربيع العربي والثورات العربية،ولكن ما نريد قوله هنا أن القوى الاستعمارية الغربية وفي المقدمة منها أمريكا،عندما شعرت بأن تورطها في أفغانستان والعراق وما يسمى بالسياسة الاستعمارية العدوانية التي تبنها بوش الاب ومن ثم بوش الابن وحتى أوباما مكلفة لأمريكا عسكرياً ومادياً وبشرياً،رأت أن أفضل وسيلة تؤمن لها مصالحها وتحقق لها أهدافها،بدون أن تعرض حياة جنودها للخطر أو للموت،هي العمل على إرساء قواعد سياسة جديدة للتعامل مع أزمات وقضايا المنطقة،سياسة تقوم على تمويل تكاليف عمليات قتل العرب والمسلمين لبعضهم البعض منهم أنفسهم،وهذا الجانب تكفلت به مشيخات النفط والغاز مقابل بقاءها وتربعها على العروش،وكذلك العمل على إغراق أوطانهم وأقطارهم في حروب ومعارك طائفية ومذهبية،تفضي إلى تقسيم وتجزئة وتفتيت وتذرير جغرافية اوطانهم الى كيانات اجتماعية هشة وضعيفة وإعادة تركيبها بما يخدم المشاريع الاستعمارية في احتجاز تطور البلدان العربية واستمرار نهب خيراتها وثرواتها وتبديد كل ممكنات نهوضها وتطورها عبر اغتيال علماءها ومفكريها،وقد اصطلح على تسمية تلك السياسة بسياسة الفوضى الخلاقة،وهي نتاج للتورط الأمريكي في أفغانستان والعراق،حيث وجدت أمريكا أنه من الأجدى لها إخراج قواتها من العراق،والإبقاء على قواعد عسكرية ونظام مرتبط باتفاقيات ومعاهدات امنية معها،وعدم اقامة حكومة قوية موحدة ومركزية،مع تسعير لحدة الخلافات المذهبية والطائفية،تمهد إلى تقسيمات جغرافية على أساس طائفي،وواضح ان خرائط التقسيم جاهزة لثلاثة دول كردية وسنية وشيعية في العراق.

ومن بعد ذلك ومع ولوج ما يسمى بالربيع العربي أو الثورات العربية،وجدنا أن هناك إرساء لقواعد هذا المشروع المتبلور،حيث جرت حالة من تزاوج للمصالح غير المسبوق بين دعاة الفوضى الخلاقة وفقه البداوة والبترودولار والمتأسلمين الجدد والأخوان،تزاوج يقوم على إطلاق يد الحركات الإسلامية وبالذات الإخوان في الحكم مقابل توظيف تلك الموافقة لتنفيذ هذا المشروع،بالمقابل تقوم مشيخات النفط بفتح خزائنها ومزاريبها المالية لمن يقومون بالتنفيذ،على إن تشارك المؤسسة الدينية وفي مقدمتها دار الإفتاء في إصدار الفتاوى المتوافقة والخادمة لتلك السياسية من طراز التحريض المذهبي والتكفير والتخوين وتبرير الاستعانة بالقوى الأجنبية لاحتلال البلدان العربية،وهذا ما حصل بالفعل،حيث استحضرت القوات الغربية الى ليبيا وانتصرت ما يسمى بالثورة الليبية وليوضع النفط الليبي تحت سيطرة القوى الاستعمارية،وتكون ليبيا مرشحة لتقسيمها جغرافيا مع مواصلة الحروب القبلية والمذهبية الداخلية،وهذا المشروع جرى سحبه لتدمير والعبث بالقوى المركزية العربية سوريا ومصر كما حصل في العراق،فسوريا حالياً جاري العمل على تدميرها ودفعها نحو الاحتراب الداخلي والاقتتال المذهبي من أجل تقسيمها جغرافيا،ومصر يجري العبث بأمنها واستقرارها من خلال تسعير حدة الخلاف الطائفي مسلمين وأقباط،عبر النفخ في الورقة القبطية،وايضا تقوم الجماعات السلفية وبدفع من بعض مشيخات النفط بالعبث باستقرار مصر،وعملية قتل الجنود المصريين في شهر رمضان الفضيل تندرج في هذا الاطار والسياق حيث كشفت التحقيقات المصرية عن تورط مجموعات سلفية صدر بحقها عفو من الرئيس المصري مرسي في تلك العملية.

ان ما يجري في الوطن العربي ليس مسألة لها علاقة بالحرية والديمقراطية ،أو حماية الشعوب من قمع الأنظمة وديكتاتوريتها،بل هناك مشروع سياسي يجري ترتيبه لكامل المنطقة،مشروع يقوم على احتجاز تطور الأمة العربية ومنع تبلور مشروع قومي عربي لمئة عام قادمة يشكل خطر على وجود دولة إسرائيل والمصالح الأمريكية والأوروبية الغربية في المنطقة،فالغرب والأمريكان "يعهرون" كل المعايير والقيم والمبادئ في سبيل خدمة مصالحهم وأهدافهم،والذين يتباكون على الأطفال والنساء والمواطنين العزل الذين يقتلون في سوريا،لم نسمع منهم مجرد إدانة أو حتى تغطية إخبارية لعمليات الحرق والذبح الجماعي للمسلمين في بورما،فبورما تقتل، تشنق، تبيد المسلمين فهم في نظر الغرب الاستعماري كم زائد.

إن سايكس- بيكو الجديد يقوم على أساس تعريب وتسعير الصراعات الداخلية وإعطاءها صفة المذهبية والطائفية،بحيث يقوم العرب والمسلمين بقتل بعضهم البعض وأيضا تمويل عمليات قتلهم ودفع إثمان الأسلحة التي تستخدم في عمليات القتل لمشغليهم،وأن تقسم وتجزأ بلدانهم إلى كيانات اجتماعية ضعيفة على أساس طائفي ومذهبي،وكذلك على أساس الثروات والعوائد.

القدس- فلسطين

29/8/2012


جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت