امام التطورات الراهنة على المستوى العربي والدولي ، يشكل انعقاد قمة عدم الانحياز رغم الضغوط الامريكية على العديد من الدول والمنظمات والشخصيات نقطة تحول مهمة في هذه المرحلة الدقيقة .
ان انعقاد قمة عدم الانحياز في طهران في مرحلة تشهد تغييرات هامة في نظام العلاقات الدولية، حيث دول كبرى تتراجع، وأخرى تتقدم، وفيما تهتز أركان النظام العالمي الجديد التي بشرت به الادارة الامريكية أثر الحرب الكونية على العراق، وما رافقها من حروب وضغوط شملت عدداً من دول المنطقة، لعل انعقاد هذه القمة في طهران، تمثل صفعة كبيرة للولايات المتحدة في تجديد النظام الدولي، رغم ذلك، فإن للقمة دلالات، خصوصاً في ظل التحولات الجارية في المنطقة ، ومن هنا ننظر الى مدى تغير نمط علاقات التبعية، ومدى استقلالية الدول، وتعبيرها عن مصالح شعوبها، وهي بكل تأكيد موضع اهتمام من قبل شعوب المنطقة والعالم ، ومن هنا فإن فرص تشكل تكتلات دولية جديدة ليست مستبعدة تماماً.
وامام كل هذا فان قمة عدم الانحياز تأتي في ظل تصاعد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحقوقه ، حيث يشهد حاليا تصعيدا غير مسبوق، فلم تقتصر حالة الاستيطان التي تنتاب قطعان المستوطنين على سرقة الأرض الفلسطينية، وإنما يترافق معها بشراسة الاعتداءات التي تشنها تلك القطعان على أبناء الشعب الفلسطيني تحت حراسة جنود الاحتلال الذين يتقاسمون بدورهم مع تلك القطعان المناوبة على الاعتداءات.
هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تستهدف الأرض والشجر والبشر بمن في ذلك التهديدات ضد القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها شخص الرئيس محمود عباس، وهي هجمة لا تبرز حجم الحقد والكراهية الذي تتميز به قلوب قطعان المحتلين وعلى رأسهم ليبرمان تجاه العرب عامة والفلسطينيين خاصة فحسب، بل إن هذه المشاعر أخذت تتعزز يومًا بعد يوم، وليس هناك أكثر ما يقوي هذه الهجمة من الوضع العربي الحالي الذي يطغى على مشهده طائفية كريهة وتنافس غير شريف، وتحالفات مشبوهة، وتأليب وتحريض مُمزقان، وأموال تضخ دون حسيب أو رقيب من أجل شراء الذمم والتشجيع على العنف وسفك الدماء، وارتماء باحضان القوى الاستعمارية التي تتسوق مع مشاريع الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان واستيطان في ظل عجز دولي وانحياز سافر من قبل الادارة الامريكية التى ترى بام العين هدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة والعدوان على الشعب الفلسطيني، وتمارس الضغوط على القيادة الفلسطينية بهدف ثنيها عن عدم التوجه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة من اجل تقديم طلب للاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب ، يؤكد ان المسار الذي اختطته الولايات المتحدة ومن في ركابها بعد أن نصبت نفسها راعية لعملية السلام، لا يقوم على حل الصراع وتحقيق السلام، وإنما يقوم على إدارة الصراع بما يعطيها ذريعة البقاء في المنطقة لخدمة مصالحها ومصالح حليفها الاحتلال الإسرائيلي، لذلك فإن هذه الادارة ومعها ما يسمى الرباعية الذين نصبوا انفسهم رعاة لعملية السلام والمطالبين قولا بوقف الاستيطان على الأراضي الفلسطينية هم في الحقيقة مشاركون في استمرار محنة الشعب الفلسطيني؛ لأنهم يحفزون المحتلين الإسرائيليين على مزيد من الاستيطان والعدوان، والممارسات غير الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني دون الوصول الى حل عادل وشامل لمحنة هذا الشعب الذي يتطلع الى الحرية والاستقلال والعودة واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس مثل بقية شعوب العالم.
ان من يراهن على الانتخابات الامريكية من عرب وغير عرب يعلم تماما ان هذه الانتخابات لم تعير اي شيئ في موضوع السلام ، وخاصة اصبحت وجهة الأحداث في الانتخابات الامريكية واضحة لكلا المرشحين فهم يريدون استرضاء اللوبي اليهودي في أميركا، لكسب ألاصوات ، وان كلا المرشحين قدم فروض الولاء والطاعة، سواء أوباما بقانون يدعم أمن إسرائيل بمنح إضافية لتمويل مشروع منظومة "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ، واستقبال العديد من الشخصيات الصهيونية ، في حين يتفنن المنافس رومني في إعلان الولاء باعترافه بمدينة القدس كـ"عاصمة لإسرائيل"، إلى جانب وصفه المشكلات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية بأنّها ليست نتاج "قيود احتلال"، فضلاً عن اعتباره أنّ "أمن إسرائيل" مصلحة قومية مهمة للولايات المتحدة.
ومن هنا يتبارى الخصمان ويختلفان حول كل شيء، ما عدا "إعلان الولاء لدولة إسرائيل"، إذ إنها القاسم المشترك الأكبر بين كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة، لتبقى القضية الفلسطينية الخاسر الأكبر في هذه المزادات الانتخابية التي تتكرر كل أربعة أعوام، دون أن يقدم أي رئيس من الرؤساء المتعاقبين أي شكل من أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحياة على أرضه في دولة ذات سيادة، بل على العكس من ذلك فهم يصمون آذانهم عن كل ما يقترفه الاحتلال في حق المقدسات والأراضي والأرواح الفلسطينية.
لم تعد الانتخابات الأميركية شاغلاً للعرب والمسلمين في مختلف قضاياهم، إذ عودتهم التجربة أن لا فرق بين رئيس وآخر، خصوصاً في ما يتعلق بقضاياهم والتي تقف على رأسها القضية الفلسطينية، إلى أن يأتي يوم تختلف فيه المعايير ويستيقظ الضمير، لإعطاء الفلسطينيين الحق في الحياة، ولجم عنجهية الاحتلال وإخضاعه قسراً لتنفيذ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
امام كل ذلك نرى الاحتلال الإسرائيلي يقوم بتوسيع المستوطنات وضم أراضٍ مغتصبة جديدة إلى الكيان يجري اقتطاعها من الجسد الفلسطيني والهجمة الشرسة التي تمارس ضد شخص الرئيس محمود عباس، تزامناً مع خطوات أخرى من قبل الجانب الأميركي بدفع من اللوبي الصهيوني في نيويورك وواشنطن؛ من يتابع كل ذلك يدرك أن إسرائيل بـ "صقورها" و"حمائمها" إن وجدت تستغل استغلالا واضحا الانتخابات الأميركية وتسارع المتنافسين فيها على إغداق وعود الولاء والهبات للكيان المحتل من جهة، ومن جهة أخرى أوضاع المنطقة المتردية وطبول الحرب التي تقرعها جهات عدة دون أدنى مسؤولية أمام شعوبها والتاريخ.
لقد بات معلوماً لدى العرب أن كفة المتنافسين في سباق الرئاسة الأميركية ترجح بحسب ما يقدمه المتنافس من وعود لصالح إسرائيل، وهذا ما ستبينه الأيام المقبلة، وأن الانقسام والتفرقة والتشرذم الذي يعيشه العالمان العربي والإسلامي يدفعان الاحتلال إلى الاستقواء على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ولئن خرج الأمر الأول الانتخابات الأميركية عن تأثير العرب، فإن الأمر الثاني الأوضاع الخطيرة في المنطقة وإرسال شعوبها إلى المجهول دون اي تأثير نتيجة السطو الامريكي الاستعماري علىالثورات العربية بهدف منعها من توجيه البوصله باتجاه فلسطين ، ومن هنا يبقى الرهان على الجماهير العربية وقواها الحية باهمية الرد على ما يجري وستكون الأيام القادمة هي الرد الحقيقي على ما يجري .
امام هذه المعطيات شكلت قضية المناضلة ريشيل كوري قضية هامة امام الراي العالمي فالمحكمة الصهيونية تعتبرها راحت ضحية حرب، وهي رشت على الجرح بعض السكر، فعبرت عن اسفها على مقتل كوري، وكأنها ذهبت ضحية رصاصة طائشة في حرب لا تعنيها ووجدت في ميدانها بالصدفة، وهو حكم مجرد تبرير صوري شكلي وان هدف قرار هذه المحكمة الاحتلالية معروفا سلفا وهو قطع الطريق على حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني ، وهي تعترف بغطرستها وتتفاخر بجرائمها، مما يستدعي من المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بمتابعة دورها في ملاحقة دولة الاحتلال على جرائمها باعتبارها دولة مارقة وخارجة عن القانون، ومحاكمة قادتها وجنرالاتها وجيشها على قتلة كوري والالاف من ابناء الشعب الفلسطيني.
وغني عن القول وامام الاستحقاقات نتطلع اليوم الى اهمية تنفيذ اتفاق المصالحة ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال السياسي والدبلوماسي والكفاحي وتطوير دور المقاومة الشعبية وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها السلاح الامضى في مواجهة الاحتلال ومخططاته ووضع خطط اليات التحرك السياسي الفلسطيني نحو الجمعية العامة للامم المتحدة .
ختاما : تبقى القضية الفلسطينية، ، هي قضية العصر لأن احتلال فلسطين والأراضي العربية المحتلة يكاد يكون من آواخر الاحتلالات في العالم، ولأن النظام العنصري الصهيوني هو آخر الأنظمة العنصرية في العالم، ولأن التعامل الصهيوني الرافض لكل المواثيق والقرارات الدولية يكاد يكون التعامل الوحيد من نوعه حتى اليوم، والذي يحظى برعاية امريكية غاشمة، فاننا نتطلع الى كافة دول العالم وخاصة دول عدم الانحياز بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني بتوفير مقومات صموده ودعم حقوقه الوطنية العادلة في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين بالعودة الى ديارهم وممتلكاتهم وفق القرار الاممي 194.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت