الإختلاف مسموح .. لكن الشتم ممنوع

بقلم: رمزي صادق شاهين


مرت القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بحركة فتح بالتحديد بالكثير من المواقف الصعبة ، فمنذ انطلاقتها في الأول من يناير 1965م ، كانت محط أنظار ، وظلت هدفا لكل الأعداء سواءا إسرائيل ومن حالفها ، أو العداء الداخلي حيث ظل هاجس وجود بديل لها يراود بعض الجماعات والفصائل ، فكانت عرضه للاستهداف العلني والخفي ، وكان من أهم المحطات التي مرت بها الحركة هي الانشقاق الأسود في لبنان ، فلم تنتهي هذه الحرب والمؤامرة إلى يومنا هذا .

لم يكن ياسر عرفات مجرد شخص طبيعي ، فقد ظل محافظاً على قوة وتماسك منظمة التحرير ، التي صمدت برغم كل القيود والإجراءات ضدها ، فتم ملاحقة وقتل قادتها الأوائل ، وتم حصارها في بيروت ، وتم منع المال العربي عنها ، كل ذلك من اجل إضعافها وجعلها ورقة بيد القوى الإقليمية والعربية التي كانت ولازالت تحاول استخدام القضية الفلسطينية كورقة لمصالحها السياسية .

كان لدى ياسر عرفات خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها ، وهي قضية التخوين والشتم ، فقد اختلف مع الكثيرين ، وحاربه آخرين ، وطعنه في الظهر جبناء ، لكنه ظل يقول بأنهم فلسطينيين ومن أبناء جلدتنا ، ولم يكن يقبل أن يتم استخدام لغة التخوين أو الشتم والقذف كنوع من الإنتقام أو تصفية الحسابات ، لم يعامل أبو عمار أبناء المناضلين بأخطاء آباءهم ، فلو اختلف مع أحدهم يظل يتواصل مع عائلاتهم وأبنائهم ويتصل بهم بالأعياد ويتفقد أحوالهم حتى من خلال المقربين له .

منذ رحيل الزعيم أبو عمار ، انقلبت الموازين الثورية والنضالية ، فأصبحنا نتعامل مع بعضنا على قاعدة تصفية الحسابات ، فنقف لبعضنا على الكلمة ، ينتظر منا خطأ الآخر حتى ينفرد به ويذبحه ، تشهير وطعن .. تخوين واتهامات ... قضايا حقيقية ومُلفقة ، نزلنا من أعلى الجبل إلى قعر الأرض حتى نتقاتل على الغنائم الفانية ، وكأننا نُكرر أخطاء غيرنا ممن تركوا البوصلة والتفتوا إلى مصالحهم وأطماعهم ، وكان مصيرهم أن شطبهم التاريخ ونهايتهم كانت سيئة وقاسية .

تتصفح اليوم مواقع الإعلام ، فهذا يشتم الرئيس ، وآخر يتلقى مساعدة ليشتم دحلان ، وأجهزة أمنية تقف وراء مواقع لتتلقى التقارير الكاذبة وتنشر وثائق الهدف منها ذبح فلسطين ... ذبح فتح ، المهم أن نقول أننا انتصرنا .. ليس المهم على من الإنتصار .. المهم أننا فششنا غليلنا وأحقادنا الشخصية ، وليذهب شعبنا إلى الجحيم .. ولتذهب فتح إلى الجحيم ، وليأخذ تضحياتها وتاريخها الآخرين .

أليس من العيب أن نقول عن أنفسنا أننا مناضلين وننتمي لحركة فتح ، وفي نفس الوقت نشتم قائد حركة فتح ، فكيف سيثق بنا الجيل الجديد ، وكيف تريدون أن يشكركم الكادر الفتحاوي ، فمن يشتم قائده اليوم ، لن يمدح عناصره غداً ، ومن تخلى عن غطاءه التنظيمي لن تحميه كُل الشرعيات المؤقتة ، فمهما اختلفنا هناك خطوط حمراء لا يجوز أن نتجاوزها ، ولا يجوز لمواقع فتحاوية أن تصف الرئيس بصفة ( الرئيس المنتهية ولايته ) فكيف تشتمون الرئيس وتريدون من حماس أو إسرائيل احترامه ، وأنا على قناعة بأن عنصرين الخلاف يرفضون التحدث عن بعضهم بهذه اللغة ، فالرئيس أبو مازن لا يريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الانحطاط الإعلامي ، والأخ محمد دحلان يرفض هذه الطريقة في التعامل مع الأمور .

لا يجوز معاقبه الناس على ما في ضمائرهم وقناعاتهم ، فلا نريد أن نُكرر ما فعله النظام البعثي السوري عندما قتل المقاتلين وكوادر فتح لأنهم أحبوا ياسر عرفات ، فهل تريدون اليوم أن تذبحوا مناضلي الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الذين عاشوا سنوات السجون والإبعاد .. عاشوا سنوات البناء والانطلاقة .. عاشوا الأمل والألم مع قادة شبان آمنوا بإنتماءهم لفلسطين ولفتح ، قد تكون هناك أخطاء ، لكن بالنهاية لا يجوز أن نذبح بعضنا لأننا اختلفنا ولأن دحلان اليوم أصبح في نظر البعض ليس مهماً ، فالتاريخ سيكتب بأحرف من نور عن كل التضحيات والنضالات ، وسيكتب بأحرف من خزي وعار عن كُل التفاهات والمؤامرات .

آن الأوان أن تصحوا من نومكم ، وأن تتنبهوا للسفينة التي بدأت تغرق ، فعند غرق السفينة لن ينجو أحد ، وحينها سيكون قد فات الوقت ، ولن ينفع الندم عندما نرى الآخر قد سحب منكم الشرعية والاعتراف ، وأصبح في موقع متقدم نتيجة تأخركم وانشغالكم بخلافاتكم الشخصية ، وها نحن نعيش حالة من الانقلاب السياسي في الوطن العربي والمحيط الإقليمي ، حيث يحتاج منا ذلك إلى إعادة ترتيب أوراقنا حسب ما تتطلبه المرحلة السياسية القادمة وسيطرة الإخوان المسلمون على أهم نظام حكم في العالم العربي .

&&&&&&&&
* إعلامي وكـاتب صحفـي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت