اليوم تفتح المدارس أبوابها ، ويُقْدِمُ أبناؤ نا على طلب العلم..

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل


العلم حياة الأمم ، بالعلم تحيا الأمم، وبالعمل تستقيم حياتها ، وتسود الكون ، فالعلم والعمل هما الطريقان الموصلان إلى السيادة في الدنيا ، وإذا قُرِنَ العلمُ والعملُ بالإخلاص لله عز وجل ، وأن يكون ذلك على منهج الله سبحانه وتعالى الذي أوحاه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام ، وعلى ما تقتضيه سننُ الكون المودعةُ في جبال الأرض وسهولها ، وفي أجوائها وبحارها ، وفي باطنها وظاهرها ، وفي كل الخلائق من حولنا ، إذا كان العلم والعمل يقوم على طلب الخير وعمارة الكون وإصلاح شأن الناس في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة ، إذا كان ذلك كذلك فنِعْمَ والله ما يعملُ بنو آدم ، وإذا اختل شيءٌ من ذلك كان النقص ظاهراً وباطناً ، وكان المجتمع بقدر النقص نادماً خاسرا ، لأن عملية التعليم مرتبطة بالعلم ، والعلمَ والتعليمَ مرتبط بالعمل ، وكلَّ ذلك مرتبط بالخلق القويم والعمل الصالح الذي يشهد بصلاحه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما وتشهد بصلاحه البشرية التي بقيت على أصل فطرتها ، فهذا رب العالمين خلق أدم وعلمه أسماء كل شيء{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُـوا أَتَـجْعَلُ فِيهَا مَـنْ يُـفْسِدُ فِيهَا وَيَـسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْـنُ
نـُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُـقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } وهذه مقتضيات ذلك الخليفة كيف صار في الأرض خليفة ؟! ، الله سبحانه وتعالى قال :{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كلها } مقتضيات الخلافة أن الله سبحانه وتعالى علمه الأسماء كلها ، قال ابن عباس علمه أسماء كل شيء ، قال حتى الفسوة والفسية ، ما ترك الله علماً إلا وعلمه لآدم من الأشياء ، وفي حديث الشفاعة لما أن الخلائق تجري تطلب الشفاعة تهرول إلى آدم ، فتقول له : يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، اشفع لنا إلى ربك ، حتى يقضى بينهم ، فيقول: لست لها ، لست لها ، ويذكر أكله من الشجرة ، وقد نهاه الله عز وجل عن الأكل من هذه الشجرة ، آدم أبو البشر علمه الله أسماء كل شيء ، كذلك غيره من الأنبياء ، مثلاً نبي الله داود قال الله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ..} من الذي علمه ؟!.. الله ، {صنعة لبوس لكم} ، هذه اللبوس الدروع التي تقي الفارس في الميدان من ضرب السهام أو ضرب الرماح أو ضرب السيوف فلا يخلص عدوه إلى جلده ، الدروع التي يلبسها الفارس وهي منسوجة من الحديد منسوجة نسجاً من الحديد ، ولهذا عباد الله : اللهُ سبحانه وتعالى علم آدم ، وعلم أبناء آدم ، علم نبي الله داوود ، وعلم من شاء سبحانه وتعالى ، علم من شاء من خلقه ، وهذا العلمُ يتوارثه الأبناء عن الآباء ، والآباء عن الأجداد ، والأحفاد عن الآباء ، وهكذا حتى تقوم الساعة ، ولذلك عباد الله نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام قال : " إنما بُعِثْتُ معلما " ، انظر بعث النبي صلى الله عليه وسلم معلماً ، وهذا ما قاله الله تعالى في سورة الجمعة ، يقول الله عز وجل : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، سبحان الله {ويعلمهم الكتاب والحكمة }، الكتابُ القرآن ، والحكمةُ السنة ، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :" ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، آلا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرمه الله " ، الكتابُ القرآنُ الكريم ، والحكمةُ السنةُ النبوية ، ولذلك عباد الله أول العلم الواجبُ أن نتعلمه توحيدُ الله سبحانه وتعالى ، والإيمانُ به ، وأن نتعلم ما يجب تعلمه من أبواب التوحيد وأبواب الرسالات ، وأبواب الجزاء المعاد اليوم الآخر ، وما يتعلق بذلك ، والقضاء والقدر ،فالإيمان بني على ستة أركان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره} هكذا أن نؤمن بهذه الأشياء التي أمر الله عز وجل بالإيمان بها : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
عباد الله :هذا ما وصى به أنبياءُ الله أبناءهم عند الموت ، قال الله تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } قبل ذلك وصى بها إبراهيم بنيه قبل وصية يعقوب وصى إبراهيم ، قال الله تعالى : { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } فيا عباد الله ،،،
العلمُ روحُ الأمة ، العلمُ حياةُ الأمة ، ولكنْ العلمُ القائمُ على ما أنزله الله ، وعلى ما خلقه الله سبحانه وتعالى ، ما أنزله الله من وحيٍ على أنبيائه ورسله ، وما خلقه الله في أرجاء الكون من جبالٍ ، ومن بحارٍ ، ومن سماءٍ ، ومن أبراجٍ ، ومن هذه الأشياء ، من معادن في جوف الأرض ،كل ذلك لا بد من تَعَلُّمِه، فالعلوم منها ما هو فرض كفاية ، ومنها ما هو فرضُ عين ، وفرضُ الكفاية علمُ الدين فيما يخص العابدين ، ويخص العالمين ، فأهل العلم المختصون في العلم لا بد أن يتعلموا ما يخصهم من علوم ، وأهلُ العمل الذين وجبت عليهم الأعمال ، كالصلاة يجب أن نتعلمها ، الصلاة يجب أن نتعلمها ، وكذلك الصيام ، يجب على المصلي إذا بلغ أن يتعلم ، بل ويتعلم ما قبل الصلاة من أحكام الطهارة ، أحكام قضاء الحاجة ، وأحكام الوضوء مثلاً ، وأحكام الغسل ، وما شابه ذلك ، ثم أن يتعلم كيف يصلي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صلوا كما رأيتموني أصلي ) ،كذلك الصوم ، إذا جاء شهر رمضان ، يجب أن نتعلم كيف نصوم ، لا يجوز أن نصوم اعتباطاً ، الصوم له آداب ، وله أحكام ، وله واجبات ، وله سنن ، وله مكروهات ، يجب أن نتعلمها حتى لا نقع فيما حرم الله ، وحتى لا تكون العبادة بالجهل ، فمن عبد الله على جهل فكأنما عصاه ، وكذلك الزكاة ، إذا وجبت الزكاة في مالك فقد وجب عليك أن تتعلم كيف تزكي هذا المال ، إن كان زرعاً ، أو كان ضرعاً ، أو كان نقداً ، أو كان تجارة ، أو كان غير ذلك ، مما يجب فيه الزكاة ، وكذلك الحج ، يجب على من ملك الزاد والراحلة ومن وجب عليه الحج أن يتعلم كيف يحج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث : " لتأخذوا عني مناسككم " يجب أن نتعلم العبادات وأن نتعلم هذه العقيدة ، عقيدة التوحيد ، لنكون فعلاً من الموحدين المؤمنين العابدين المخلصين ، الذين يقيمون أنفسهم ويقيمون وجوههم عند كل مسجد ، ويقيمون الدين ولا يتفرقون فيه ، قال الله تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، فلا بد من إقامة الدين ، وتكون إقامة الدين بما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما نقله أهل العلم ، لا بالهوى ، ولا بالابتداع ، ولا بشيء من ذلك ، وإنما على الصراط السوي ، لكن لو ابتدعنا في الدين لو غيرنا وبدلنا وزدنا ونقصنا واتبعنا الهوى وتركنا الهدى كانت الفرقةُ ، فالفرقةُ بنتُ الابتداع ، من ابتدع فقد فَرَّقَ وتَفَرَّق ، ومن لم يبتدع فقد مَسَّكَ ، وتَمَسَّكَ بالجماعة وما أنزله الله سبحانه وتعالى ، وهذا هو الواجبُ أن نحمل أنفسَنا على ما كان عليه السلفُ الصالح رضوانُ الله عليهم ، لا نزيد ولا ننقص ، ولا نبتدع أبدا .
عباد الله :إن العلمَ فرضٌ لازمٌ على كل مسلم ، و من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، فانظروا عباد الله النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً .. " ،لم يبين أي علمٍ من العلوم ، ليشمل كل علوم الدين والدنيا ، علم الدنيا والآخرة ، فعلوم الآخرة لا بد منها ، وعلوم الدنيا لا بد منها ، فلا صلاح للآخرة إلا بصلاح الدنيا ، ولا صلاح للدنيا إلا بصلاح الآخرة ، لا غنىً أبداً عن أحد العلمين عن الآخر ، لا بد أن نأخذ العلمين ، أما العلم الأول فهو علم الآخرة ، فهذا له أهله الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى ، وهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وخلفاؤهم من بعدهم من أهل العلم ، وختامُهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا يقبل الله عز وجل من إنسان ، إلا من أخد بما جاءت به الرسل وختامُهم النبي عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال الله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ }، فالإسلامُ هو الدينُ الخاتم الذي ختم الله به النبوات والرسالات ، فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده ، كما أخبر هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم ، وكما قال : " فُضِّلْتُ على الأنبياء بست .." ، وذكر منها {وختمت بي النبوة } ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم الذي ختم الله به النبوات من قبله ، وبذلك لا رسول إذا كان لا نبي بعد محمد ، فبالضرورة والحتم لا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله عز وجل حينما ينزلُ عيسى ابن مريم عليه السلامُ ينزل على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيتبعها ، وكل نصراني أو كل كتابي من اليهود والنصارى يكونُ حياً في ذلك الوقت لا يقبل منه أبداً ، أو هو يترك ما عليه من الضلال ، ويتبع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويصير من المسلمين ، عند نزول عيسى عليه السلام ، لأن عيسى أول ما ينزل يكسر الصليب ويقتل الخنزير لأنهما خلاف الشريعة التي جاء بها .
فيا عباد الله : هذا علم الآخرة يكون من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، ومن ورثتهم من بعدهم ، وهم أهل العلم وهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر" .
عباد الله أيها المسلمون،،، إن توجه المجتمع إلى طلب العلم وإن هذه المؤسسات القائمة في هذا المجتمع من جامعات ، ومن كليات ، ومن معاهد ، ومن مدارس ، ومن أماكن العلم منتشرة هنا وهناك إن بينها وبين غيرها من وسائل العلم بينها صلات لا بد وأن يكون وصل بين هذه المعاهد العلمية المدارس الجامعات الكليات المؤسسات العلمية وبين المؤسسات الإعلامية فالعلم والإعلام بينهما اتصال وثيق بين العلم وبين الإعلام بوسائله المختلفة من إعلام الكتروني أو إعلام صحفي صحف ومجلات ورقية أو من إذاعات و فضائيات كل ذلك مع العلم مع العملية التربوية والتعليمية له اتصال وثيق كذلك المسجد مكانٌ عظيمٌ من أماكن العلم يبث الخلق ، ويبث الدين ، ويبث الاستقامة ، ويبث الصواب في العمل ، إن دور المسجد دور عظيم في العملية التعليمية التربوية التي تجري في المجتمع ، ومن هنا لا بد أن يكون تواصلٌ بين هذه المؤسسات كلها ، فلا يكون هناك تنازعٌ ولا اختلاف ، لأن العلم كالزرعة الشجرة العظيمة تحتاج إلى رعاية ، وتحتاج إلى سقاء ، وتحتاج إلى من يحوطها من الأعشاب الضارة ، والنباتات التي تضر هذه الشجرة العظيمة ، فلا بد من حياطتها كلها ، ومن رعايتها كلها ، ومن الحفاظ عليها بجميع أنواع الحفاظ ، حتى لا يكون هناك ما يهدم هذا البناء العظيم في المجتمع .
إخوة الإسلام،وأتباع النبي عليه الصلاة والسلام :
إن العلم والتعليم لا بد له من ارتباطه بالتربية ، فالتربيةُ والعلمُ والتعليمُ لا يصلح دون تربية ويرحم الله حافظ إبراهيم حينما قال : والعلم ليس ينفع وحده ***ما لم يتوج ربه بخلاقِ
أي بأخلاق كريمة ، التربية والعلم التعليم والنبي صلى الله عليه وسلم كان ربانياً ، من هو الرباني ؟ ! والربي الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، ولكن هذا المربي يكون هو قد تربى قبل ذلك على صغار العلم قبل كباره ، فدرجت نفسه ، واطمأن قلبه ، واستقامت جوارحه على مقتضى هذا العلم الذي تعلمه من أهله فالعلم يطلب عند أهله ، ولا يطلب عند أهل جهله ، بل يطلب عند أهله .
عباد الله : هذا أمر عظيم ، ما نحن بشأنه أمر عظيم ، ولا بد أن نوليه الاهتمام اللائق ، وأن نعد له الإعداد اللائق ، الذي يقوم على عقيدتنا ، وعلى تاريخنا ، وعلى أدبنا ، وعلى حاجتنا ، وعلى مجتمعنا ، واستعداداتنا الفطرية ، التي أودعها الله سبحانه وتعالى ، فينا لتصح هذه العملية التعليمية ، ونصل فيها إلى ما نحب وما نتمنى من إرضاء الله سبحانه وتعالى ، ثم إرضاء المسئولين في المجتمع ، من آباء ومن أبناء ، وممن تأهب ليكون معلماً ، ليكون من أهل التعليم ، فهناك من يتعلم ، وهناك من يعلم ، وهناك من يراقب سير هذا التعليم ، وهناك من يعود عليه التعليم بالخير العميم ، كل ذلك لا بد أن يندرج على العقيدة التي نحملها ، وهي الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، والإيمان برسله وكتبه واليوم الأخر والقدر خيره وشره ، وأن يقوم أيضاً على العمل ، فلا إيمان بلا عمل ، الإيمان قول وعمل ، كما السلف رضوان الله عليهم فلا علم إلا بعمل ، وإلا يكون علمنا كعلم إبليس ، إبليس عليه لعنه الله تعلم ويقال إنه وصل بالعلم إلى ما وصل ، ولكن لما أمره الله بالسجود لآدم أبى أن يسجد ، وتكبر واستكبر ، وقال: { أأسجد لما خلقت طينا } فكان علمه وبالاً عليه ، كان علم إبليس وبالاً عليه ، وكذا من يتعلم ولا يعمل ، فهذا علمه وبالٌ عليه ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ثلاثة تسجر بهم النار " ذكر قارئ القرآن ، وقارئ القرآن أي الذي تعلم القرأن ، وذكر المجاهد، وذكر المتصدق ، لأنهم لم يعملوا بما تعلموا ، ولم يخلصوا بما عملوا ، لم يعملوا بمقتضى العلم ، ولم يخلصوا في هذا العمل ابتغاء مرضاة الله عز وجل .
فيا عباد الله :صدق من قال: وعالمٌ بعلمه لم يعملن *** معذبٌ من قبل عباد الوثن
أخذاً من هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا دائما ً مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يسلك الطريق الموصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى ، إلى الجنة ألا وهو العلم فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة .
عباد الله : يومٌ أو يومان وتعود الطرقات ملأى ، ملأى بهؤلاء الفتيان، وهؤلاء الفتيات، المتوجهين إلى تلك المدارس ، وإلى تلك المعاهد ، وإلى تلك الجامعات ، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً في هذه العملية الكبرى ، إنها والله لتحتاج إلى جهدٍ عظيمٍ وإخلاص ، إخلاصٍ لله سبحانه وتعالى ، ثم إخلاصٍ لهذه الأمة بعد الله سبحانه وتعالى ، إخلاصٍ للأمة أن يراد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى ، وأن نحمل أنفسنا بعد كل ذلك على مرضاة الله عز وجل ، وعلى منهج الله ، ولا بأس بأن نأخذ بما حولنا و بمن حولنا ، بالأساليب الحديثة في التربية أو في التعليم ، ما دامت موافقة لما عندنا من قيم ، موافقة لديننا ، وموافقة لأباءنا وأخلاقنا ، وموافقة لاستعداداتنا الفطرية ، أو العقلية والذهنية ، وما شابه ذلك ، فمجتمعاتنا الإسلامية والعربية ليست نسخة طبق الأصل من المجتمعات الأخرى في كل مجتمع من المجتمعات البشرية له عقائده ، وعباداته ، وأعماله ، وأهواؤه ، ونزعاته ، ونزغاته ، فلا يمكن أن يكون كل هؤلاء على نسقٍ متطابقٍ مائةً بالمائة ، لكن نأخذ منهم ما راق لنا ، وما فيه خير لنا ، وندع ما يخالف ذلك ، هذا أحد الضوابط التي لا بد منها في العملية التعليمية ، في التعلم والتعليم ، كذلك لا بد من الارتباط الوثيق بين وسائل التعليم وبين أماكن العمل ، وبين أدوات العلم ، وبين العلوم والمعلمين والمتعلمين ، بين البيت والمدرسة ، بين المسجد وبين الشارع ، بين المنتديات ، بين أماكن الترفيه والتسلية ،كالأندية الرياضية وبين الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها ، فلا تكون الأواصر ممزقة وليست متصلة بين هذه الوسائل كلها ، لا بد من أن تكون كلها تسير جنباً إلى جنب ، بما يقتضي النجاة عند الله سبحانه وتعالى ،ثم الاستقامة والصلاح في الدنيا ، والخلوص للنتائج المرجوة ، وإلا ما الفائدة ؟! ، علمٌ بلا عمل ينتج بطالة ، ينتج خسراناً في الأخلاق ، ينتج خسراناً في الأموال والاقتصاد ، ينتج خسراناً حتى في العلم نفسه ، فيخرج هؤلاء أنصاف متعلمين ، ما الفائدة من نصف متعلم أو ربع متعلم ؟! ما الفائدة من متعلم لا يعمل ؟! . بل هو قد يستخدم علمه هذا في الهدم وفي التدمير ، وليس في البناء ، ونحن في حاجة إلى عمل صالح صادق ، يبني ولا يهدم ، نحن في حاجة إلى أن نبني ولا نهدم وكل ذلك يقتضي مراقبة دقيقة من هؤلاء القائمين على التعليم ، وأيضا من هؤلاء القائمين على وسائل التعليم ، وعلى أدوات التعليم ، وعلى مناهج التعليم ، أن نكون جميعا متضافرين ، وهنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فالرَّجُلُ رَاعٍ في بَيْتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رعيته " ، وهنا المجتمعُ ككل بيت كبير والمسئولُ ولي الأمر فيه ، المسئول الكبير فيه ولي الأمر ، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالراعي الأعظم وولي الأمر الأعظم هو المسئول عن الرعية كلها ، ثم تمتد وتتدرج المسئولية إلى الأسفل ، بحسب موقع كل إنسان ، والرجل في بيته الصغير لأن البيت الأسرة نواةٌ للمجتمع الكبير ، هو أيضاً مسئول ، والله سبحانه وتعالى سائله عن بقية خلقه ، والمرأة مسئولة ، وهي راعية في بيت زوجها ،كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ، بل أنت يا طالب العلم أنت مسئول عن رعيتك ، لأنك يخسر عليك مجتمعك ، وينفق عليك والدك ، وأسرتك توفر لك وسائل التعليم ، من كتابٍ أو من قلمٍ أو من وسيلةٍ أخرى وينفق عليك من ماله ، وقد ينفق عليك مما لا يجد ، يضطر للاستدانة ، أو ما شابه ذلك ، فأنت مسئول عن رعيتك ، أن تبذل جهدك في تحصيل العلم ، والتخلق بالأخلاق الحميدة ، والارتقاء بنفسك في درجات الكمال ، فهذه المسئولية مسئولية كاملة ،لا بد من مراعاتها ، ونحن نقوم بهذا العمل العظيم ، ألا وهو طلب العلم ، فيا عباد الله لا بد أن نراعي هذه الأمور ، وأن لا يصرفنا لا الأهواء ، ولا البدع ، ولا التحزبات ، ولا اختلافات السياسة ، ولا القيل والقال ، ولا خدمة النفس ، فبعض الناس يستغل هذه المواقع لخدمة النفس ، إن كانت خدمة شخصية ، أو خدمة حزبية ، أو كانت خدمة فصائلية ، وغير ذلك وهذا نوع من الخيانة ، الخيانة لله عز وجل ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمجتمع الذي أعطاك ثمرة قلبه ، وأعطاك فلذة كبده حينما جعلك رقيباً عليه ، ومعلماً له ، فهؤلاء الأبناء ، وهؤلاء البنات ، الذين يتعلمون في مدارس العلم وجامعاته ، ينبغي أن يتعلموا العلم ، لا أن يتعلموا الأهواء والبدع والسياسة والسياسات ، وهم يذهبون للعلم ، فلتكن هذه المدارس وهذه الجامعات خالصةً لطلب العلم ، وليس لها انشغال بشيء آخر ، للأمور الأخرى ميادينها خارج هذه المدارس وخارج هذه الجامعات ، لا تشغلوا هؤلاء الأبناء وهؤلاء الطلاب فيما يعود عليهم بالضرر ، فيما يزرع في نفوسهم الأغلال والحقد على بعضهم بعضاً ، بالتشرذم الحزبي أو الطائفي أو الفرقي ، وترك ما فتحت المدارس لأجله ، وما أنفق عليه المال من أجله ، والجامعات وما إلى ذلك ، وهو التعلم والتعليم ، وبث العلم ، وروح الأخوة والمحبة بين أفراد المجتمع ، العلماء يقولون : ( العلم رحم بين أهله ) ، وكذلك العلم والتعليم لا بد أن يكون رحماً بين أهله ، الذين هم أهله سواء كانوا من الطلاب ، أو كانوا من المعلمين ، وكذلك صدق ذلك القائل:
قم للمعلم وفه التبجيلا * * كاد المعلم أن يكون رسولاً
فالرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا معلمين يعلمون الناس الخير ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع " ، وفي رواية إن الملائكة "..لتصلي على معلمي الناس الخير " ، فالملائكة يصلون على معلمي الناس الخير ، نسأل الله سبحانه تعالى أن نكون من هؤلاء الذين يعلمون الناس الخير علماً وعملاً وسلوكاً واعتقاداً ، إخلاصاً لله سبحانه تعالى وابتغاء مرضاته ، اللهم آمين .

بقلم/الشــيخ ياســين الأســطل

الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت