راشيل كوري ناشطة سلام أمريكية يهودية عضو بحركة التضامن الدولية (ISM) جاءت إلى فلسطين في الانتفاضة الثانية لتسجل تضامنا غير مسبوقا مع قضية فلسطين وشعب فلسطين حين وقفت بشموخ وكبرياء وإباء فقط بجسدها الضعيف أمام الجرافات الإسرائيلية لمنعها من هدم منازل الفلسطينيين في مدينة رفح على الحدود المصرية لتدوسها الجرافة الإسرائيلية على مرأى ومسمع العالم ولتدفنها تحت التراب وذلك بتاريخ 16 مارس من العام 2003.
لقد قتلت "راشيل كوري" في مدينة رفح بدم بارد لتقتل مرة ثانية من قبل المحكمة المركزية في حيفا شمال إسرائيل التي نظرت في الدعوى المدنية المقدمة من قبل عائلة كوري ضد دولة إسرائيل والتي أكدت فيها أن ابنتها راشيل كانت قد قتلت نتيجة الإهمال. فالقضاء الاسرائيلى الذي أنصف موظفة إسرائيلية على رئيس دولة إسرائيل "موشى كتساف" حين وضعته في السجن، والذي قدم رئيس حكومة إسرائيل "ايهود اولمرت" للمحاكمة والذي اجبره على الاستقالة من عمله، يسجل تخليا عن نزاهته وعدالته وإنصافه، ويسجل تنكرا صريحا لكل المرجعيات القانونية والأخلاقية في تعاطيه مع قضية "راشيل كوري". فالقاضي "أوديد غيرشون" الذي قرأ منطوق حكم المحكمة بتاريخ 28 أغسطس 2012 أكد على خمسة عناوين هامة: "عدم وجود إهمال من قبل سائق الجرافة، وعدم وجود إهمال من جانب الجيش الاسرائيلى، وان التحقيق الذي قام به كل من الجيش والشرطة تم إجراؤه بشكل صحيح، ورفض الادعاءات التي تقول بأنه تم تدمير الدليل الرئيس (شريط الفيديو)، وأن الناشطة وضعت نفسها في موقف خطر وقفت أمام جرافة ضخمة في مكان لم يستطع سائق الجرافة رؤيتها وأنها لم تبعد نفسها مثلما كان سيفعل أي شخص عاقل وان موتها كان نتيجة لحادث سببتها لنفسها".
بكل تأكيد، فان رفض المحكمة الإسرائيلية للدعوى المدنية المقدمة من قبل أسرة "كوري" والتي دفنتها الجرافة الإسرائيلية تحت التراب في مدينة رفح والتي وجهت اللوم "لراشيل كوري" والتي برأت ساحة سائق الجرافة والجيش الاسرائيلى من مسئولية قتلها يشكل"هزيمة للعدالة، وانتصارا لسياسات الإفلات من العقاب للجيش الاسرائيلى تماما كما قال السيد "ريتشارد فولك" مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الاراضى الفلسطينية.
لقد جاء قرار المحكمة الإسرائيلية فيما يخص قضية "راشيل كوري" سياسيا بامتياز في تناغم مدروس بين الحكومة والمؤسسة العسكرية والقضاء، لقد جاء قرار المحكمة والذي يتنكر صراحة لمبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة فيما يخص حماية أرواح وممتلكات السكان المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال ليرسل العديد من الرسائل، فهو يؤمن حصانة سياسية وقانونية للعسكريين الإسرائيليين ممن ارتكبوا جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين ومن يدعمهم ويساندهم ويتضامن معهم وما يعنيه هذا من فتح شهيتهم لارتكاب المزيد من الانتهاكات طالما أنهم فوق القانون وأنهم محصنون من العقاب، وهو يقول للمتضامنين مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأنهم ليسوا محصنين وان مصيرهم لن يكون بأحسن حالا من حال "راشيل كورى"، في جهد اسرائيلى مدروس ومخطط لقطع الطريق أمام استمرار حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني رغم طابعها السلمي، وهو يحث المجتمع الدولي على تقييد مسألة قدوم المتضامنين من دولهم إلى فلسطين حتى لا يجدوا نفس المصير.
ان قرار المحكمة الإسرائيلية في قضية "راشيل كورى" يتطلب جهدا فلسطينينا واحدا موحدا وعلى كافة المستويات لتعرية الموقف الاسرائيلى أمام المجتمع الدولي، وضغطا من قبل المجتمع الدولي على إسرائيل لتحمل مسئولياتها تجاه احترام مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الانسانى واتفاقية جنيف الرابعة ووقف ممارساتها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين والمتضامنين معهم، وجهدا إضافيا من قبل حركة التضامن الدولية لاستنفاذ الإجراءات القضائية من حيث نقل القضية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية وحشد الجهود الدولية للضغط على حكومة إسرائيل بما يضمن تحقيق الانتصار للعدالة.
بقلم: د. يوسف صافى
مدير مركز هدف لحقوق الإنسان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت