المخيمات ليست عبئا على احد والحكومة لا تقدم لها أية خدمات

بقلم: رشيد شاهين


يمكن لمن يشاء أن يعتبر هذا المقال استكمالا لموضوع ديون شركة كهرباء محافظة القدس المستحقة لشركة الكهرباء القُطْرية، التابعة لدولة الاحتلال، وتهديدات الأخيرة بقطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة فترة عيد الفطر أو ما بعد العيد، وما تبع ذلك من تهديدات على لسان العديد من قادة العصابة الحاكمة في دولة الكيان وفي المقدمة المهاجر القادم من بقايا الاتحاد السوفييتي "المافيوزي" الروسي البغيض الذي يشغل منصب وزير الخارجية المدعو ليبرمان.

ما إن تمت إثارة الموضوع، حتى شنت على أهالي المخيمات حرب شعواء، شارك فيها كل من هب ودب، وتنطح من تنطح لمنح أبناء المخيمات دروسا في الوطنية والانتماء، علما أن أبناء المخيمات هؤلاء، كانوا تاريخيا وعبر رحلة اللجوء القسرية ضحايا للقمع والاضطهاد، منذ اللحظة الأولى لمغادرتهم أراضيهم على أيدي العصابات الصهيونية، ودفعوا أثمانا باهظة خلال الحقب الزمنية المختلفة.

خلال أعوام "السواد" التي مرت عليهم، لم تقتصر معاناة أبناء المخيمات على ما تعرضوا له من قمع مستمر على أيدي أجهزة الأمن في الحقب المختلفة، حيث كان جزء كبير من تلك المعاناة يتم على أيدي ذوي القربى، وكان يتم التعامل معهم على أنهم غرباء، ويتم وصفهم بأوصاف وضيعة مختلفة على أيدي أبناء المناطق المحيطة بتلك المخيمات من قرى ومدن وبلدات اضطر هؤلاء لاتخاذ مخيماتهم بجوارها.

لا نعتقد ان هنالك مبالغة في ما قلناه في مقال سابق، من ان هناك من يعتقد ان مخيمات اللجوء ليس في الضفة الغربية فقط،لا بل وفي كل مكان من الأرض الفلسطينية والعربية، هي سبب استمرار – مأساته الشخصية-، وانه لولا هذه المخيمات لعاش بكل هدوء، ولما كان بينه وبين دولة العدوان العنصرية أي نوع من أنواع الصراع، ولأقام أفضل أنواع العلاقات مع هذا الكيان.

ان من تصل به الجرأة على أن يصف أبناء المخيمات ب"البلطجة"، ومن تصل به الجسارة على ان يصف المخيمات بالمستوطنات، لا شك يتمنى مثل ما تمنى قادة دولة العدوان على ان يروا ليس فقط قطاع غزة وهي غارقة بالبحر، لا بل ليرى كل مخيمات اللجوء وأينما كانت وقد أخذها الطوفان.

من يعتقد ان المخيمات كانت في يوم من الأيام تشكل عبئا على السلطة أو على خزينة الحكومة الفلسطينية، فإنما هو قد فقد بصيرته قبل ان يفقد بصره، حيث ان هذا الحديث يفتقر إلى الدقة ولا علاقة له بالواقع.

وحتى نبين الصورة بشكل أكثر وضوحا لمن تطاولوا على أهالي المخيمات، فلنبدأ بقضية التعليم، فالمخيم الفلسطيني هو في واقع الحال، منطقة مكتظة بالسكان تشرف على تعليمهم وإقامة مدارسهم ورواتب معلميهم ومدراء مدارسهم، وكل ما يتعلق بالسلك التعليمي، وكالة الغوث الدولية، وقد كانت الوكالة ولا تقدم مشكورة ليس فقط الرواتب للمعلمين وقبل ذلك تقيم المدارس، لا بل وكانت توفر وجبات الطعام والقرطاسية هذا في الجانب التعليمي.

أما في الجانب الصحي، فلقد كانت تلك الوكالة ومنذ نشأت قضية اللجوء، هي المسؤولة عن هذه القضية، فهنالك عيادات ومراكز صحية وأطباء وأطقم تمريض وما إلى ذلك، وتحويلات إلى المشافي، كل ذلك تتعهد به تلك الوكالة، دون تدخل من قبل السلطة او قبل ذلك دولة الاحتلال وقبل ذلك الملكة الاردنية.

وفي المجالات الأخرى، فان -وبحسب ما نعلم ويعلم الجميع- أية حكومة فلسطينية او غير فلسطينية، لم تقدم أية خدمات تتعلق بالبنى التحتية في المخيمات، حيث كانت تلك الوكالة وما زالت هي التي تقوم على تزويد المخيمات بمياه الشرب، كما انها هي من يقوم بشق الشوارع وتعبيدها في المخيمات، هذا عدا عن الجهد الذي قام به أبناء المخيمات في بناء وإقامة الشوارع وتعبيدها وخاصة خلال حقبة السبعينات والثمانينات.

ان مجمل المشاريع التي نشأت ولا زالت تنشأ في المخيمات هي في حقيقة الأمر ليست سوى أموال مقدمة من دول مانحة، سواء كانت عربية او غير عربية، هذه الأموال وفي أحوال كثيرة كانت نتيجة مباشرة لعلاقات في أحيان عديدة –شخصية- أقامها أبناء المخيمات مع جهات أجنبية تطوعت لإقامة العديد من المشاريع في مخيمات الضفة الغربية.

عندما تقوم الحكومة الفلسطينية – حاليا او ماضيا وربما مستقبلا-، بوضع خطط التنمية القصيرة او المتوسطة او الطويلة الأمد، فان أي ذكر للمخيمات او أية مبالغ لا يتم تخصيصها لتحسين أوضاع المخيمات، هذه هي الحقيقة وهذا هو واقع الحال، ومن لديه غير هذا الكلام فليقدم لنا بالأرقام والوقائع غير ما نقول.

ان أية قرية مهما كان حجمها ومهما كان موقعها او أهميتها او عدد سكانها، تستهلك من الميزانيات أكثر من المخيمات الفلسطينية مجتمعة، حيث يتم رصد الميزانيات والخطط لتطوير تلك القرى، فيما تغيب أسماء المخيمات عن أية خطط او برامج تطوير او تنمية.

واقع الحال يقول، ان "لصوص" المخيمات، هم السبب الرئيس في تطوير الكثير من المناطق، حيث انهم وعلى مدى سنوات اللجوء، استطاعوا تحسين أوضاعهم الاقتصادية، كما ان هجرة العديد منهم إلى الخارج وخاصة دول الخليج، والزيادة الطبيعية في إعدادهم، وضيق المخيمات برغم ضيقها أصلا عليهم، أدى بهم – مضطرين- إلى شراء الأراضي في المناطق المحيطة بالمخيمات او السكن في المدن والبلدات والقرى، وقد دفع أبناء المخيمات في هذه الحالة أيضا جشع أصحاب الأراضي، وصار هؤلاء يرفعون أسعار الأرض بحيث وصلت إلى أرقام "فلكية" في بعض المناطق، هذا فيما –بشكل عام- لا يضطر أبناء المدن والقرى والأرياف إلى شراء الأراضي، لأنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك، وهم عمليا من يقوم بالبيع وليس الشراء.

أبناء المخيمات الذين يتم "التجاوز" عليهم، هم الطرف المعتدى عليه وليس المعتدي، فالعاملون او الموظفون منهم يقومون بدفع الضرائب المترتبة عليهم بشكل كامل بدون نقصان، برغم ان دافع الضريبة يتوقع ان يتلقى بالمقابل خدمة ما، وفي حالة المخيمات نريد ان يدلنا احدهم على ما هي الخدمات التي يتم تقديمها لمخيمات "اللصوص" تلك.

بحسب دراسة لإحدى مراكز البحث في رام الله نشرت مؤخرا، تبين ان اللاجئين هم الفئة الأكثر عرضة للفقر حيث بلغت بين أبناء المخيمات في عام 2010 نحو 32% كما قالت الدراسة.

أَبَعْدَ هذا يمكن ان يوجد من يدعي ان المخيمات تشكل عبئا على "ميزانيات" الحكومة او السلطة الفلسطينية، أَوَ تشكل المخيمات أية أرقام يمكن الحديث عنها، أم هل يمكن اتهام المخيمات بأنها سبب "مصائب وكوارث" السلطة، وهل هم من باع وتنازل عن شركة الكهرباء "الوطنية"، أم ترى لا بد من البحث عمن كان حقيقة وراء ليس ضياع شركة الكهرباء المساهمة المحدودة وامتيازاتها،لا بل عن ضياع القضية والوصول بها إلى ما وصلت إليه.

ما نكتبه هنا يأتي على خلفية ما يجري من حركات شعبية ومظاهرات ضد الغلاء الذي يعاني منه الكل الفلسطيني، وعلى خلفية ما تردد عن حوارات تجري بين اللجان الشعبية في المخيمات وبعض الجهات الرسمية.

إنه وفي ظل أوضاع اقتصادية تزداد بؤسا، وفي ظل ما يمكن ان تؤول إليه الأوضاع في ظل أزمة مالية خانقة يمر بها العالم، وليس الأراضي الفلسطينية فقط، فإننا نود تذكير من يقومون بالحوارات من طرفي المعادلة، ان أبناء المخيمات، وفي ظل هذه الحالة البائسة، ليسوا في وضع يسمح لهم بالموافقة على أية محاولات لفرض مزيد من الالتزامات المالية، وإننا هنا ومن دافع الحرص على عدم تفاقم الحالة، ننصح الجهات التي تمثل المخيمات في هذا الحوار بعدم الإقدام على توقيع أية اتفاقات دون الرجوع إلى أبناء المخيمات ووضعهم في صورة ما يحدث، خاصة بعد الهجمة الظالمة التي تعرضوا لها على مدار أسابيع، برغم انه ثبت ومن خلال ما تم طرحه من أرقام ان المخيمات لم تكن السبب في كارثة شركة الكهرباء المقدسية.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
5-9-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت