.....مع بداية العام الدراسي الجديد تتضح حجم مأساة طلبة مدارس القدس المحتلة،فالأهالي يقاتلون على أكثر من جبهة،فهناك من يبحث لإبنه عن مكان في مدرسة،وهناك من هو غير قادر دفع الأقساط المدرسية المرتفعة،وهناك من هو حائر بعد فقدان الأمل بإيجاد مكان لابنه في أي مدرسة،هل يجعله يتسرب من المدرسة؟،أم ينقل مركز حياته إلى الضفة الغربية حتى لا يخسر ابنه تعليمه؟.
العام الدراسي بدء وفيه الكثير من النواقص والثغرات والأزمة عاماً عن عام تزداد تعمقاً،والاحتلال يزداد تغولاً وتوحشاً من أجل السيطرة على العملية التعليمية في القدس بشكل كامل،والتقارير الصادرة عن منظمات إسرائيلية حقوقية تتحدث تقاريرها عن أوضاع كارثية وصلتها العملية التعليمية في القدس،فهناك نقص جاوز الألف ومائة غرفة صفية،وطلبة مدارس العيسوية الحكومية (3500) اضربوا احتجاجاً على عدم توفر الغرف الصفية،وحملوا بلدية الاحتلال ودائرة معارفها مسؤولية ذلك،ومن المتوقع أن يستمر الإضراب ويتصاعد ويتوسع ليشمل مدارس اخرى،حيث ان بلدية الاحتلال ودائرة معارفها تصادر أراضي المقدسيين لكي تقيم عليها المستوطنات والحدائق التوراتية بدلاً من المدارس،ونصف الغرف الصفية التي تستأجرها بلدية الاحتلال ودائرة المعارف لا تنطبق عليها شروط الصحة والسلامة،ناهيك عن كونها تفتقر الى خدمات البنية التحتية،وكذلك الملاعب والساحات،أضف الى ذلك ان الصفوف تعاني من اكتظاظ غير مسبوق حيث يتم حشر ما يزيد عن 40 طالب في الصف الواحد،بحيث تبدو الغرف الصفية كعلب السردين،وتصل نسبة الكثافة الصفية أي المساحة المخصصة للطالب الواحد ما بين نصف متر الى تسعين سم فقط،بحيث ان الطالب الذي يريد ان يخرج من الغرفة الصفية لأي سب كان عليه أن يتعلم القفز،ولهذه الأسباب نجد أن نسبة التسرب من المدارس الحكومية في القدس،هي من أعلى النسب على صعيد الوطن،فهي تصل في المرحلتين الابتدائية والإعدادية الى ما يتجاوز 17%،في حين ترتفع تلك النسبة لتصل الى 40- 50 % في المرحلة الثانوية،ويتجلى ذلك رقميا وحسب تقارير منظمات حقوقية إسرائيلية بوجود (24000) طالب مقدسي خارج العملية التعليمية،والوضع على جبهة المدارس الخاصة والأهلية ليس بالأقل سوءا،رغم أن جودة التعليم ترتفع عنها في المداس الحكومية،ولكن هذا التعليم كلفته المالية مرتفعة جداً،وأصبح لا يقدر عليه سوى أبناء الطبقات المتوسطة فما فوق،وخصوصاً اذا مع علمنا ان 78% من سكان القدس دون خط الفقر،ومسألة الأقساط المرتفعة بحاجة إلى نقاش جدي من قبل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية والجهات المسؤولة وإدارات تلك المدارس،فهي تسهم في تنفيذ سياسة الاحتلال لدفع الطلبة الى التسرب من المدارس،واضطرار جزء من أهاليهم إلى نقل مركز حياتهم خارج حدود ما يسمى بلدية القدس،ونحن لا نعرف على وجه الدقة مدى صدقية المدارس الخاصة والأهلية حول تكلفة الطالب،عندما تصر على موقفها بشأن قضية الإقساط المرتفعة!!؟؟،وخصوصا ان 40 من أصل 69 مدرسة خاصة وأهلية تتقاضى أموالاً من بلدية الاحتلال ودائرة معارفها تصل الى (102) مليون شيكل،وبدلاً من ان تدفع تلك السياسة لهذه المدارس العديد من أهالي الطلبة إلى رفع قضايا على تلك المدارس أمام محاكم الاحتلال،وهذا ما لا نريده او نقبل به،وبالتالي يزداد تغلل وسيطرة الاحتلال على العملية التعليمية في تلك المدارس،حيث أن بلدية الاحتلال ودائرة معارفها وجدت في قضية الأموال المشروطة التي تقدمها لتلك المدارس ،وما تعانيه تلك المدارس من ضائقة مالية،فرصة سانحة لكي تقوم بفرض منهاج تعليمي فلسطيني مشوه ومحرف عليها،وخاطبتها عبر رسائل رسمية تحذرها من توزيع او طباعة أو كتب مدرسية على الطلبة من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف العاشر غير الكتب التي تطبعها وتوزعها بلدية الاحتلال ودائرة معارفها.
مع بداية العام الدراسي معركة المنهاج تشتد وتيرتها،فالاحتلال يصعد من هجمته على العملية التعليمية في القدس،والمعلومات المتوفرة بأن الاحتلال،سينتقل الى مرحلة اعلى في الهجوم،من خلال العبث بكتب الصفوف الحادية عشر والثاني عشر،فهو يريد ان يفرغ المنهاج الفلسطيني من محتواه ومضمونه،وبهذا هناك خطر جدي على وحدة المنهاج بين الضفة الغربية والقدس،وخصوصاً ان هناك مواضيع سيتم شطبها من كتب الصفوف الحادية عشر والثاني عشر. الاتحادات والمؤسسات الأهلية والفعاليات الشعبية تنشط في إطار توزيع الكتب الفلسطينية التي أقرت السلطة الفلسطينية توزيعها مجاناً على طلبة القدس،في خطوة متأخرة جداً،ولسان حال المقدسيين يقول بأن هذه الخطوة غير كافية،حيث إن عملية إدخال الكتب من مخازن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في بلدة الرام خلف الجدار،هي مكلفة وصعبة ومعقدة،ومحفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النجاح،والحل الأمثل لذلك هو أن تتخذ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قرارا بطباعة كتب المنهاج الفلسطيني داخل حدود ما يسمى بلدية القدس وبالتحديد داخل جدار الفصل العنصري،وهذه الخطوة يجب ان يستتبعها خطوات جريئة،لبحث الطرق والآليات الكفيلة باستغناء المدارس الخاصة والأهلية عن الأموال المشروطة التي تتلقاها من بلدية الاحتلال ودائرة معارفها،وهي واحدة من الأسباب التي دفعت بالاحتلال إلى التدخل في المناهج التعليمي الفلسطيني،والمسألة ليست بالمعقدة ولا بالحاجة الى حلول خارقة،ولا الندب والبكاء والقول بعدم وجود ميزانيات،تلك الاسطوانة المشروخة التي لا نمل سماعها،فالسلطة إذا كانت معنية حقاً،هي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنقاذ العملية التعليمية في القدس،فهناك حل في متناول اليد ولا يحتاج لا لعرب ولا مسلمين،وهو ان يتم التشاور مع الشركات او المؤسسات الكبرى مثل جوال والوطنية للاتصالات وشركة كهرباء القدس وغيرها،لفرض مبالغ رمزية على فاتورة كل مواطن فلسطيني كضريبة لدعم التعليم في القدس،أو تكون مساهمة جادة من تلك الشركات بتخصيص مبلغ سنوي لدعم قطاع التعليم في القدس.
إن معركة السيطرة على العملية التعليمية في القدس ستستمر وتتصاعد،وخصوصاً ان الاحتلال يعتبر القدس "عاصمة أبدية" لدولته ،وبالتالي ما يجري تطبيقه وفرضه على قطاع التعليم العربي في الداخل الفلسطيني،سيجري سحبه على قطاع التعليم في القدس،وخصوصا ان وزير التعليم الصهيوني جدعون ساغر اتخذ قراراً في 25 أيار الماضي بتدريس موضوع ثقافي عن شخصيات إسرائيلية في المنهاج التعليمي العربي في الداخل الفلسطيني،والمدارس التي تدرس المنهاج التعليمي الإسرائيلي "البجروت" في القدس والشخصيتان اللتان تم ترشيحهما لذلك هما بن غوريون ومناحيم بيغن،وهما من الشخصيات التي لها دورا مركزيا في نكبة شعبنا الفلسطيني وطرده وتشريده عن أرضه وارتكاب الكثير من الجرائم والمظالم بحقه،ولذلك لم يعد مجدي الندب والبكاء وسياسة التشكي،فلا سيادة وطنية بدون منهاج تعليمي وطني،والهزيمة على جبهة الوعي من اخطر انواع الهزائم فهل تعي الجهات المسؤولة حجم الكارثة،أم تستمر في بيع الشعارات والكليشهات الممجوجة عن عروبة القدس وفلسطينية التعليم؟.
القدس- فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت