الحفاظ على النفس البشرية في الإسلام..

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل


الإسلام يأمر بحفظ النفس البشرية ، ويتجلى الحفاظ على النفس البشرية في الإسلام أمرين اثنين : الأول الحفاظ على ذاته الإنسانية ومقوماتها ، وتشريع الأحكام التي تكفل تحقيق الذات الإنسانية من ناحية وتحصيل المقومات الضرورية لذلك سواءً كانت هذه الأحكام خاصةً بالفرد أم كانت هذه الأحكام عامةً في المجتمع كله .
والأمر الثاني : منع الاعتداء على الذات الإنسانية ، مهما كان هذا الاعتداء ، وعلى أيٍّ كان ، فالإنسان في ذاته وبغض النظر عن أي تصنيفٍ له على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو أية اعتبارات أخرى هو أغلى ما في الوجود ، لأنه بنيان الله عز وجل ، ولا تستقيم الحياة ولا يعمر الكون إلا بالحفاظ عليه ، والارتقاء به ، ويكون ذلك في ضروراته وحاجياته وما إلى ذلك فيما يتعلق بوجوده كإنسان حيٍ مقتدر وفاعلٍ متأثر ومؤثر فيما حوله وفيمن حوله، وهذه الضرورات تعرف في الإسلام بالضرورات الخمس وهي الحفاظ على نفسه ، و الحفاظ على عقله ، و الحفاظ على نسله ، و الحفاظ على ماله ، و الحفاظ على دينه ، وعلى الإنسان وعلى المجتمع كله أن يعنى بتوفير احتياجاته الإنسانية المختلفة من حيث أمنُه وصحتُه وغذاؤه وإيواؤه ، وهذا ما جاءت به الشرائع الإلهية، وأقرته ونادت به قوانين العدالة البشرية ، وكفله الإسلام لكل الرعايا الذين يعيشون في المجتمع من غير المسلمين .
إننا نجد نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة تعلن مصرحةً بإرساء القيمة الإنسانية للإنسان ، فيشتمل خطابها على الألفاظ الدالة على مسمى الإنسان فرداً أو نوعاً ( يا أيها الإنسان ) ، ( يا أيها الناس ) ، ( يا بني آدم ) ، إما في ابتداء الخطاب أو في أثنائه ، حسب ما تقتضيه الحاجة ، ووفق مقتضيات البلاغة والحكمة ، حيث إن الناس جميعاً يتساوون في أصل خلقتهم ، وقد خلقهم الله سبحانه أسوياء من أصلٍ واحد ، قال الله تعالى في سورة النساء :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) }.‏
وفي قوله :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ }تذكير بالعبودية الخالصة لله تعالى ، وفي قوله : { الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } تذكير بالأصل الجامع للناس فكلهم أبناء آدم وحواء فهم إخوة بعضهم لبعض ، وهذا يقتضي الشعور بالمساواة والعدل بينهم ، ثم ختم الله تعالى بقوله :{ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ليقرر هذا المعنى ولتتأكد هذه الحقيقة في الواقع الاجتماعي ، ولتتحول إلى سلوك وعمل وخلق يومي بين الناس ، يؤدي إلى استقرار المجتمع ورسوخه .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَمَنْ شَهد خُطْبَةَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أوَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , قال : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى ألا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , ثُمَّ قَالَ : أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ، قَالَ : أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ : فَلاَ أَدْرِي قَالَ : وَأَعْرَاضَكُمْ ، أَمْ لاَ - كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " .
عباد الله ، أيها المسلمون :
* ولما كان الإنسان بهذه المثابة العظيمة ؛ كانت عصمةُ الدم ، وكان تحريم قتل النفس بغير حق أو الإضرار بها ، وقد ورد ذلك في عدة مواضع في القرآن الكريم :
* ففي سورة المائدة قوله تعالى عن بني إسرائيل : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) }.
* وعنا نحن المسلمين في الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} .
وفي الفرقان : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)} .
وقد روى الإمام البخاري - واللفظ له- ومسلم ، وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد
قال :حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ؟! قَالَ :
" أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } الْآيَةَ " اهـ.
* لذلك لا يجوز لك أيها المسلم أن تقتل نفسك ، ولا ولدك ، ولا غيره ، مهما كان الأمر ، لا لضيق عيش ، ولا لضيق رزق ، ولا لضيق نفس ، ولا لغير ذلك ، ومن فعل فقد ارتكب موبقاً من الموبقات السبع ، لاسيما وقد قال الله في سورة النساء :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) }.
و يقول النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم - واللفظ له - والترمذي والدارمي والإمام أحمد في مسنده حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا "
أيها المسلمون :إن قاتل نفسه بأي نوعٍ وبأي أداة من أنواع وأدوات القتل متسخطٌ على القدر ، وهذا منافٍ للركن السادس من أركان الإيمان ، وفي زوائد المسند من طريق أيوب بن زياد حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة حدثني أبي قال : ( دخلت على عبادة رضي الله عنه وهو مريض أتخايل فيه الموت ، فقلت : يا أبتاه أوصني واجتهد لي ، فقال: أجلسوني ، قال :يا بني إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره ، قال قلت : يا أبتاه فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟! قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إن أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم ، ثم قال : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ، يا بني : إن مت ولست على ذلك دخلت النار " .
قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد حسن .
ووقوع المصائب والبلايا بعدل الله تعالى وهو من تقصيرنا في حق ربنا وفي حق نفوسنا ، قال سبحانه :{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً }النساء79 .وقال : {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30.
فنحن نرضى بالقدر ونسلم لله المُقَدِّر، وأما المقدور فإن كان خيراً فمن فضل الله ، وإن كان شراً فبما كسبت أيدينا ونسأل الله العافية ،ونقول كما قال أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السلام : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين (24)} الأعراف .
فمن رضي فله الرضا ،ومن سخط فله السخط ، وفي المعجم الكبير للطبراني من طريق زياد بن أبي هند عن أبي هند الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " قال الله تبارك وتعالى من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليلتمس ربا سواي " .
وفي شعب الإيمان للبيهقي من طريق علي بن يزداد الجرجاني وكان قد أتى عليه مائةٌ و خمسٌ وعشرون سنة قال: سمعت عصام بن الليث الليثي السدوسي من بني مرارة في البادية يقول: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله تعالى : " من لم يرض بقضائي و قدري فليلتمس ربا غيري " .
وروى الترمذي وحسنه والبيهقي وابن جرير عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، والصبر عند الصدمة الأولى وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " .
عباد الله ، أيها المؤمنون:علينا نحن المسلمين أن نصبر على البلاء ونتقي الله ونرجو منه الفرج ، وفي صحيح ابن حبان من طريق كهمس بن الحسن القيسي عن أبي السليل ضريب بن نقير القيسي قال : قال أبو ذر رضي الله عنه : جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتلو هذه الآية { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } الطلاق : 3 - 4 قال : فجعل يرددها علي حتى نعست فقال : ( يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم ) ثم قال : ( يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة ) ؟ قلت : الى السعة والدعة أكون حماما من حمام مكة قال : ( كيف تصنع إذا أخرجت من مكة ) ؟ قلت : إلى السعة والدعة إلى أرض الشام والأرض المقدسة قال : ( فكيف تصنع إذا أخرجت منها ) ؟ قلت : إذا والذي بعثك بالحق آخذ سيفي فأضعه على عاتقي فقال صلى الله عليه و سلم : ( أو خير من ذلك تسمع وتطيع لعبد حبشي مجدع ) .
عباد الله فلنتق الله تعالى ، ولنؤد الحق الذي علينا ، قبل أن نطلب الذي لنا ، والفرج قريب ، والعسر مع اليسر ، قال تعالى : {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110.
قال الإمام ابن رجب : ( ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين وتعلق قلبه بالله وحده وهذا هو حقيقة التوكل على الله وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج فإن الله يكفي من توكل عليه كما قال تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} ) .
ألا يا عباد الله ، يا أهل فلسطين : على الله وحده فتوكلوا ، وبه سبحانه فثقوا ، وإياه فادعوا ، واعلموا أن النصر مع الصبر ، فاثبتوا على حقكم مستمسكين ، والزموا الجماعة موقنين ، فالجماعة رحمة والفرقة عذاب ، واعملوا في سنة ، وأخلصوا لله أعمالكم ، وأطيعوا من ولاه الله أمركم ، واصبروا على ما تكرهون مادام حقاً ، وإياكم وما تحبون مادام باطلا ، وانصحوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ، فالمؤمنون نَصَحَةٌ ، والمنافقون غَشَشَةٌ ، ولا يستخفنكم من لا يرقب فيكم إلَّاً ولا ذمة ، ولتتراحموا والناس أجمعين ، وأنتم يا إخواننا أيها المختلفون أوصيكم ونفسي بما رواه مسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِى وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ : " لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ "، وأذكركم ونفسي بحديث أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".
هداني وإياكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم..ألا وصلوا على البشير النذير والهادي البدر المنير ، سيد الأولين والآخرين ، نبيكم محمدٍ عليه الصلاة والسلام ،اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين.

بقلم/الشــيخ ياســين الأســطل

الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت