تمالكت نفسي، وكظمت غيظي، واستمعت لخطاب محمود عباس الاستفزازي، لقد شاهدت حركات الرجل، وكأنه أراجوز، يمارس حركات بهلوانية، وكأن لا علاقة له بمأساة فلسطين، ولا دراية له بوجع انحباس الراتب، ولا يعرف شيئاً عن ألاف الأسرى، ولم يشعر بحرارة دم الشهداء، وبراءة دمعة أمهاتهم، رجل يستخف بالشعب الفلسطيني إلى أبعد مدى، ويسخر ممن حوله، لينطبق عليه قوله تعالي: فاستخف قومه فأطاعوه.
تتناثر الكلمات من فم عباس هنا وهناك، فإذا جاء على ذكر أمريكا، صلى عليها وسلم، وعدل من جلسته، وإذا جاء على ذكر إسرائيل، تلفت يميناً وشمالاً، وابتسم وهو يقول: السيد نتانياهو والسيد ليبرمان، بينما إذا جاء على ذكر الفلسطينيين من حركة حماس، قطب من جبينه، وراح يهدد ويتوعد وهو يقول: إسماعيل هنية ليس رئيس وزراء منتخب، ولا هو رئيس وزارة مقالة، إسماعيل هنية لا يمثل شيئاً، ولا أسمح له بأن يمثل شيئاً!.
لو استمع أيكم إلى خطاب السيد خالد مشعل في تونس، أو لخطاب السيد إسماعيل هنية، في أي مناسبة وطنية، لو استمع لتأكد لديه الفارق الكبير بين رجل يتحدث عن شعب له وطن مغتصب، ورجل يتحدث عن شعب ليس له وطن، بعد أن اعترف بحق اليهود في أرض فلسطين. لو قارن أحدكم بين خطيب له مبادئ، وخطيب له مصالح، لأدرك الفرق بين قيادي يتحدث من قلبه وروحه وعقله، ولا تغيب عن خاطره معاناة شعبه، وبين رجل يتحدث بهدف تجاوز مرحلة، وتمرير فكرة يرتبها في الخفاء، يتحايل فيها على القضية الفلسطينية.
في خطابه، يشكو محمود عباس من أطماع الإسرائيليين، ويتحدث عن تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على حياة الناس، وعن توسع الاستيطان، وعن أطماع الصهاينة في كل أرض فلسطين. لقد شجع هذا الكلام الشفوي عن العدوان الإسرائيلي أحد الصحفيين ليطرح سؤالاً عن التنسيق الأمني، وإلى متى سيظل قائماً، طالما كان هذا هو حال الوطن!.
لقد جانب عباس الحقيقية، وخدع الناس حين أجاب قائلاً: إن التنسيق الأمني يخدم الفلسطينيين كما يخدم الإسرائيليين، ونحاول أن نبقي على هذا الوضع، فالتنسيق الأمني ليس مصلحة منفردة لإسرائيل، إنه العلاقات اليومية بيننا وبينهم".
ولم يقل محمود عباس: إن التنسيق الأمني هو تبادل المعلومات الأمنية، والتجسس على المقاومة، واعتقال المقاومين، وإطلاق النار عليهم، وأن التنسيق الأمني هو الترتيب السري لاقتحام الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية.
كانت قمة المأساة في خطاب عباس، حين اشترط عودة لجنة الانتخابات للعمل في قطاع غزة، قبل البدء بأي حوار مع حركة حماس، ليوجه عباس مع هذا الشرط ضربة قاصمة للمصالحة، ولاسيما حين استخف برئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية، لقد شطبه عباس عن الخارطة السياسية، وهو يرى في نفسه منزهاً عن الخطايا، ويحسب أن الشك لا يرقى إلى سياسته وتفكيره وسلوكه، ويظن نفسه فوق كل اعتبار فلسطيني وعربي.
استمعت على مضض، وبكيت فلسطين التي تستحق رئيساً بمستوى الشهداء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت