غزة – وكالة قدس نت للأنباء
تكررت في الأراضي الفلسطينية مؤخرا محاولات الانتحار بحرق النفس احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة في ظل حالة الغلاء التي يعيشها السكان سواء في الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح ، أو في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس منذ وقوع الانقسام الفلسطيني في حزيران 2007.
فبعد حادثة الشاب ايهاب أبو ندى الذي توفي في غزة في الثاني من سبتمبر/ايلول الجاري جراء إضرام النار في نفسه رفضا للظروف وللواقع المادي الصعب الذي تعيشه عائلته، شهدت كذلك محافظات الضفة الغربية محاولة رجل إحراق نفسه وابنته المريضة في رام الله , إضافة إلى محاولة شاب إحراق نفسه داخل مبنى بلدية دورا بمحافظة الخليل، إلا أن رجال الأمن الفلسطيني تمكنوا من منعهم من تنفيذ هذه الفعلة.
ورغم أن ظاهرة إحراق النفس عمل انتحاري، والانتحار حرام شرعا ولا يجوز مهما كانت المبررات، إلا أن البعض يرى في الظروف الاقتصادية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية مبررا للإقدام على هذه الفعلة , فيما يرى البعض الآخر أن الإقدام على حرق النفس ناجم عن جهل وبعد عن الدين الإسلامي الذي يحرم قتل النفس.
وفي ردا على سؤال طرحته وكالة قدس نت للأنباء عبر صفحة موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" هل يعنى سوء الأوضاع الاقتصادية بأن تقتل نفسك..؟، يقول الشاب احمد " إنه ضد فكرة الانتحار لأنو حرام، ولو كل واحد وضعه الاقتصادي صعب بدو يموت ما بيضل حد عايش، لأنو المشكلة مشكلة عامة بيعاني منها مجتمع كامل مش أفراد معينين والسبب الرئيسي هو الجهل والبعد عن دين الله"، معتبرا وسيلة الانتحار احتجاج تقليدي.
ويرد الشاب رامي على نفس السؤال قائلا :"إن الانتحار آخر ما يمكن أن يفكر فيه شاب في بداية العمر" ولكنه يضيف" عندما يقدم شاب على حرق نفسه فهذا يعني أن الأمور فاقت كل التخيلات والاحتمالات، والحكومتين في (غزة - رام الله) تتحمل كامل المسؤولية"، بينما يرى شاب آخر في هذا الاحتجاج "طريقة لصناعة الحياة"...!!!
وتقول أمل الحياة (اسم مستعار) " كل هذا حرام وظلم لأننا نظلم انفسنا, وربنا كرم النفس, والرزق من عند ربنا، وكل هذا عدم ثقة بالنفس، مش معنى أنو العيشة صعبة نروح نولع بنفسنا" وقالت " هناك الكثير من الأساليب للتعبير عن السخط ، حتى يصل إلى المسئولين".
وفي هذا الشأن اصدر مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين فتوى ردا على سؤال حول حكم إقدام بعض المواطنين على حرق أنفسهم احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة؟ تؤكد على "حرمة حرق الإنسان لنفسه".
وجاء في الفتوى"الأصل أن قتل الإنسان لنفسه حرام شرعا..فلا يجوز لأي إنسان أن يقدم على حرق نفسه تحت أي ظرف من الظروف، ومهما ساءت أوضاعه الاقتصادية أو الاجتماعية، أو التعليمية، فالنفس ليست ملكا لصاحبها، بل هي ملك لله تعالى".
وتشير الفتوى إلى أنه "ينبغي على المسلم ألا يتمنى الموت لضرر أصابه، أو يقدم على الانتحار.. فالبلاء سنة كونية أصابت سادات البشر من الأنبياء والصالحين، لا يكاد يسلم منها أحد، فإذا أحسن المؤمن التعامل معها، فصبر، وجعل ذلك سببا لرجوعه إلى الله واجتهاده في العبادات والأعمال الصالحة، كان البلاء خيرا له، وكان مكفرا لذنوبه .. ولا يصح عند أحد من العقلاء، أن يستجير الإنسان من الرمضاء بالنار، فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة، إلى عذاب دائم لا نهاية له، لبلاء وشدة أو ضر أصابه".
ويؤكد مفتي القدس والديار الفلسطينية بأن على المسلم "أن لا يتسرع في فعل شيء يؤدي إلى هلاكه، ويبحث عن الوسائل الأخرى المشروعة التي توصل رسالة الاحتجاج بشكل محدد ومؤثر، وعلى ولاة الأمر إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات المواطنين، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته".
ويرى د. محمد الباز مدير مركز برامج غزة للصحة النفسية أن أسباب عديدة منها "البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية" قد تدفع شبان في سن المراهقة للدخول في حالات من الاكتئاب، وهذا بالتالي ينعكس على الشبان في ظل وضع صعب نتيجة عدم وجود فرص عمل، ويهوى بهم إلى المخدرات أو إلى اليأس من الحياة ويقدم بعضهم على الانتحار.
ويوضح بأن الشخص عندما يقدم على الانتحار بقرار مسبق يكون في مكان بعيد عن الآخرين حتى لا يتم إنقاذه ولكن من ينتحر في مكان عام هو يجري محاولة لا يرغب بها بالموت، مبينا أنه حتى اللحظة لا توجد لديهم إحصائيات حول حالات الانتحار، مؤكدا بأن الأراضي الفلسطينية فيها أقل نسبة انتحار بالعالم.
وفي رسالته للمجتمع الفلسطيني في ظل تكرار محاولات الانتحار يقول الباز في حديث لوكالة قدس نت للأنباء"إن رسالته إلى المجتمع نابعة من الدين الإسلامي الذي حرم قتل النفس"، مضيفا بأنه من الضروري أن تهتم الجهات المسئولة بتخفيف الضغوطات الناجمة عن سوء الأوضاع الاقتصادية.
وطالب مدير مركز برامج غزة للصحة النفسية المجتمع بالانتباه إلى هذه الظاهرة، حتى لا تصبح فيها عدوى، قائلا" ينظر الشباب لبعضهم البعض من أجل لفت الأنظار إليهم"،مؤكدا أن نسبة كبيرة منهم تعاني من الاكتئاب.
وشهدت الدول العربية العشرات من حالات الانتحار بإحراق النفس، منذ أن أضرم الشاب التونسى محمد بوعزيزى النار في نفسه في ديسمبر/ كانون الأول 2010، مما أشعل الثورة التونسية، وتبعتها ما تسمى بثورات الربيع العربي.