اليهودي يصرخ أنا لاجىء

بقلم: صلاح صبحية


من عصابات إرهابية ، واحتلال أرض الغير بالقوة ، إلى لاجئين ينظرون إلى تعاطف العالم معهم ، ولا يتركون مكاناً يستطيعون الوصول إليه إلا ويطأونه بأقدامهم ، وبعد مرور أربعة وستين عاماً على النكبة الفلسطينية ما زالوا يمارسون إرهابهم على الشعب العربي الفلسطيني ، ولكنهم اليوم يمارسون هذا الإرهاب بأـسلوب المسلوب حقه والمغتصبة أرضه ، هؤلاء هم الصهاينة الذين أبوا إلا أن يكونوا دائماً في خدمة المشروع الاستعماري على أرض فلسطين التاريخية ، وها هم اليوم يخاطبون العالم برفع الظلم والقهر العربي الذي وقع عليهم منذ اغتصابهم أرض فلسطين ، وذلك من خلال إطلاق اليهود صرخة " أنا لاجـىء " عبر كل وسائل إعلامهم وأينما وجدت ، فهم اليوم قد اكتشفوا حقيقة كونهم لاجئين على أرض فلسطين ، لاجئون يهود على أرض فلسطين قدموا إليها من البلدان العربية ، مفهوم أطلقوه منذ عقود دون أن يعملوا على تكريسه في سياستهم اليومية ، ولكنهم اليوم أخرجوه من أدراجهم ليلقوه في وجه الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ها هم اليهود اليوم يجعلون من أنفسهم الضحية ، ضحية حرب 1948 ، حيث أراد العرب حسب زعمهم أبادتهم والتخلص منهم وألا تقوم لهم دولة ، فإذا بالعرب وحسب زعمهم أيضاً يطردونهم من ديارهم إلى فلسطين المحتلة عام 1948 ، أو إلى ما أسموه دولتهم وكيانهم الصهيوني ، فالعرب وحسب الرواية الصهيونية اليوم حاربوهم لكي لا يكون لهم دولة على أرض فلسطين ، وفي نفس الوقت مارسوا الإرهاب ضد مواطنيهم اليهود العرب لكي يلتحقوا بدولة اليهود الموعودة على أرض فلسطين ، فأي تلفيق هذا الذي يمارسه الصهاينة اليوم ضد العرب ، حرب عربية ألا تقوم دولة اليهود من جهة ، ومن جهة أخرى إرهاب عربي على اليهود العرب لمد هذه الدولة الحديثة بالبنية البشرية .
واليوم وعلى أبواب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة نجد الصهاينة قد جندوا أنفسهم من أجل أن يقر العالم بقضية اللاجئين اليهود الذين وحسب زعمهم تم طردهم من الدول العربية غداة قيام دولتهم على أرض فلسطين ، حملة صهيونية يتزعمها اليوم داني أيالون نائب وزير الخارجية الصهيوني تحت عنوان " أنا لاجـىء " والتي تستهدف كما يدعي بيان الخارجية الصهيوني " . تستهدف هذه الحملة زيادة الوعي الدولي لمجموعة من اللاجئين محدودة الصيت : اللاجئون اليهود من الدول العربية " حيث يقرّ داني أيالون في بيانه بأنّ هؤلاء اليهود هجّروا من بلدانهم الأصلية عندما يقول " العديد من اليهود الذين عاشوا على مدى أجيال رٌحلوا من منازلهم بسبب أعمال العنف المناوئة لليهودية وتيار اللاسامية التي نشبت في الدول العربية غداة الإعلان عن الدولة اليهودية. وفي الفترة ما بين 1948-1952 أضحى 865000 يهودي من الدول العربية لاجئاً " ، إذاً فأيالون يعترف هنا بترحيل اليهود العرب من بلادهم الأصلية إلى الدولة اليهودية المعلن عنها حديثاً ، وكأنّ لسان حاله يقول اليوم بأنّ سكان ما يزعمه بأنها دولته ليسوا سكاناً أصليين على أرض الدولة وإنما هم لاجئون إليها من دولهم الأصلية .

ولكن أيالون كان قد ترأس مؤتمراً في 3/4/2012 افتتحه " بالتحدث عن ضرورة الاعتراف بما طال اليهود من إجحاف تاريخي وتشويه للعدالة من قبل البلدان العربية بدءاً بعام 1948، ثم خاطب أيالون جامعة الدول العربية بشكل مباشر بمناسبة الذكرى العاشرة للمبادرة السعودية، مطالبا بأن تقر بذنبها التاريخي وتتحمل مسؤولية طرد اليهود من البلدان العربية، مما أدى إلى تحويلهم إلى لاجئين، وبأن تقر في الوقت ذاته بمسؤولية إيجاد اللاجئين الفلسطينيين من خلال شن الحرب على إسرائيل. وأكّد أيالون، "في هذا المفصل الزمني تحديداً أناشد جامعة الدول العربية تحمل المسؤولية والاعتراف بأنها هي التي كانت السبب وراء جعل يهود البلاد العربية لاجئين " وهنا نجد أنّ مسؤولية وجود اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين اليهود تتحملها الدول العربية بسبب الحرب التي شنتها عام 1948 ، وكأنّ المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين عام 1948 لم تكن سبباً مباشراً في اقتلاع الفلسطينيين من ديارهم والقذف بهم خارج وطنهم .

كما أنّ أيالون يعترف بأنّ هؤلاء اللاجئين اليهود الذين لجأوا إلى دولته قد ازداد عددهم : " "ما يقارب 50% من السكان الإسرائيليين اليوم هم نفس أولئك اللاجئين من البلدان العربية وأولادهم الذين تم دمجهم بشكل كامل والذين ساهموا في إنشاء وتطوير دولة إسرائيل " فأيالون يعتبر أولاد اليهود الذين غادورا الدول العربية إلى فلسطين المحتلة عام 1948 هم في عداد اللاجئين اليهود الذين يجب أن تحل مشكلتهم اليوم ، على حين أنّ الصهاينة وفي كل المفاوضات الفلسطينية – الصهيونية وعلى كافة مستوياتها رفضوا أن يكون الأبناء الفلسطينيين الذين ولدوا خارج فلسطين هم في عداد اللاجئين الفلسطينيين ، فهل مواصفات اللاجىء اليهودي لا تنطبق على مواصفات اللاجىء الفلسطيني .

ولكن أيالون يجد نفسه مضطراً لأن يفصح عن حقيقة ما يريد من وراء طرحه قضية اللاجئين اليهود ، هو يريد تحديداً إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عندما يطرح الحل التالي : " . وتماما كما استوعبت دولة إسرائيل اللاجئين اليهود، يجب على اللاجئين العرب الذين غادروا فلسطين الانتداب أن ينالوا نفس المعاملة، خصوصاً في ضوء تأسيس السلطة الفلسطينية والتي يجعل قيامها استمرار وجود مخيمات اللاجئين العرب أمرا غير مبرر له". ، فالحل الذي يريده أيالون لقضية اللاجئين الفلسطينيين والذين يسميهم باللاجئين العرب هو حل مقايضة ما بين اللاجىء الفلسطيني من جهة وبين اللا جىء اليهودي من جهة أخرى ، وبالتالي فإنّ حل قضية اللاجئين من طرفي الصراع هو أن يستوعب كل طرف اللاجئين الذين يعيشون على أرضه .
ويزعم الصهاينة اليوم أنهم جاؤوا متأخرين أربعة وستين عاماً في طرح قضية اللاجئين اليهود ، فهل يتنبه الفلسطينيون إلى ما يسعى إليه الصهاينة اليوم ، وأن يهتموا بذلك ، فالأمر جدٌّ خطير على القضية الفلسطينية وجوهرها قضية اللاجئين ، وأن تسارع اللجنة التنفيذية وخاصة دائرة اللاجئين إلى خوض المواجهة مع الصهاينة من أجل المحافظة على قضية اللاجئين ، والمحافظة على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948 " وخاصة وأنّ مجلس النواب الأمريكي حاليا يتدارس مشروع قانون مشتركا للجمهوريين والديمقراطيين تم تقديمه مؤخرا يساوي فعلا بين محنة اللاجئين الفلسطينيين ومحنة اللاجئين اليهود المنحدرين من بلدان الشرق الأوسط. "
ماذا يعني كل ذلك ، يعني أننا أمام احتمالات متعددة يجب التعامل معها بجدية ، ووضع الاستراتيجيات الملائمة لخوض معركة المواجهة على أساسها ، وإلا سنجد أنفسنا وقد خسرنا جوهر قضيتنا ، وهذه الاحتمالات هي التالية :
1= مطالبة الصهاينة بتعويضات مالية كبرى عن ممتلكات اليهود في الدول العربية ، وهذا الاحتمال ليس الهدف الرئيس للصهاينة .
2= مطالبة الصهاينة الدول العربية بإعادة اللاجئين اليهود إليها ، وهذا الاحتمال أيضاً ليس الهدف الرئيس للصهاينة
3= مطالبة الدول العربية بإجراء مقايضة ومقاصة بين اللاجئين الفلسطينيين من جهة وبين اللاجئين اليهود من جهة ثانية ، بحيث لا تعويضات للاجئي الطرفين ، ولا عودة للاجئي الطرفين إلى بلدانهم الأصلية ، ويبقى كل اللاجئين في أماكن أقامتهم الحالية ويعتبروا مواطنين حيث هم ، وهنا يقع الغبن التاريخي على اللاجئين الفلسطينيين لأنّ تسوية أوضاعهم على هذا الأساس تحتاج إلى زمن طويل يتم إجبارهم خلاله للهجرة إلى خارج الوطن العربي ، وهذا ما يسعى إليه الصهاينة لتنفيذه على الأرض .
4= أن يطالب الفلسطينيون ومعهم الدول العربية بإجراء تسوية حقيقية بين اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين اليهود بحيث يعود كل منهم إلى بلده الأصلي ، وهذا مالا يريده الصهاينة .
5= تمسك الفلسطينيون بحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 تنفيذاً للقرار الأممي رقم 194 الذي ينص صراحة على ذلك ، وهذا ما يرفضه الصهاينة أيضاً .
لذلك فمشروع " أنا لاجـىء " الذي ترعاه وزارة خارجية الصهاينة هو مشروع خطير جداً ، وسترمي به في وجه الفلسطينيين الذين يصرّون على إجراء التسوية السياسية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ، حيث سيقول الصهاينة للفلسطينيين والعرب بأنّ حل محنة اللاجئين الفلسطينيين يكمن في أن يكونوا مواطنين في دولتهم الفلسطينية ، وهذا بكل أسف ما يتردد في خطابنا الفلسطيني السياسي والإعلامي ، بأنّ عودة اللاجئين الفلسطينيين ستكون إلى وطنهم ، والوطن هنا كلمة عائمة ، وهي تعني في إطار حل الدولتين أرض الدولة الفلسطينية في حدود الخامس من حزيران 1967 وليس الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، فهل ندرك جمعينا ما يريده عدونا الأمريكي الصهيوني لنا ، أنه يريد حل قضيتنا الفلسطينية بما يحقق له أهدافه الاستراتيجية في المنطقة .

10/9/2012 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت