لقد انتهت زوبعة الحديث حول الوفود واختيارها للسفر ومن باب العظة والعبرة سأقف أمام عدة دروس وذلك من باب الحكمة والعقل، وأرجو المناقشة الموضوعية الهادئة وينسي كل واحد نصيبه أو فقدان هذا النصيب من السفر؟ والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
بين التجرد والهوى: إن التجرد هو الفصل بين الأشخاص والحقوق، والهوى هو الخلط بينهما. عمر رضي الله عنه حينما قابل قاتل شقيقه زيد رضي الله عنه، قال له: والله إنك أبغض أهل الأرض إلى قلبي. قال الرجل: أويمنعني ذلك حقي؟ قال الفاروق: لا. ما حدث من تلاسن بخصوص الوفود الشبابية أنبأني عن الهوى المتبع بعيداً عن التجرد وهذا كان من عدد من المنتقدين القلة دون تحرج في الخوض بالأعراض وكيل التهم حتى من أصحاب هوى رسميين وذلك ما بين حسد دفين وبحث عن مغنم خاص كتحديد من يشارك في الوفود أو المشاركة فيها وهناك من قال كلمة لله. فليتحسس كل واحد قلبه؟ والله خير الشاهدين.
الإعلام الجديد والدور المطلوب: من أكثر ما أسعدني هذا التفاعل الإعلامي والشبابي وربما ساهم في ذلك مداخلاتي الشخصية وتفاعلي المباشر. وأعتبر ذلك علامة صحة ودليل نضج وعافية مع الحرص على الدقة والموضوعية والحيادية وتحري المصلحة العامة " وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " [المائدة: 8]. وأعتقد جازماً أن الإعلام الجديد سيساهم مساهمة فاعلة وحيوية ونابضة في تكريس سلطة الشعب وتحقيق الشفافية بأعلى مستوياتها. وبغض النظر عن من هاجم أو دافع فإنني أدعو جميع الزملاء في مواقع المسئولية في أي مستوي أن يكونوا بجوار نبض الشارع عبر هذه الملتقيات وذلك دون إفراط ولا تفريط. وكما أنني أفتح باب مكتبي كل خميس لكل منتقد أو صاحب حق أو مقترح فإنني أفتح صفحتي على الفيس والتويتر لذات الغرض. وأذكركم " وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " [البقرة : 281].
مهنية وسائل الإعلام: للأسف كان دور قلة في وسائل الإعلام المبجلة أن تمنح هذا الموضوع البسيط مساحة كي يظهر خبرا استراتيجيا؟! خاصة وأن هذه الوسائل ذاتها تتجاهل نشر عظيم أخبار وزارتي الشباب والرياضة والثقافة أو تقزمها بشكل لافت. أقول لهم شكرًا للمهنية الإعلامية؟! فالإعلام مرآة الواقع وليس موقع عبث وأهواء وأحقاد يتلاعب فيها المحرر والكاتب والناقل كما يحلو له. وكان من الجدير بوسائل الإعلام تلك أن تجعل بيانات الوزارة الخاصة بالموضوع في ذات الموقع الذي نشرت فيه التشويه وذلك ليس محاباة أو مجاملة ولكن من باب تكافؤ الفرص والمهنية. ومن هنا فإن رسالتي إلى وسائل الإعلام جميعا أن المهنية والتجرد أساس الانتشار والثقة واضبطوا ما يصدر عنكم من أخبار ومقالات وتحليلات فأنتم لستم صفحة فيس بوك أو تويتر. وفقكم الله ورعاكم وسدد على طريق الصدق والمهنية خطاكم.
دولة المؤسسات: أسعى إلى بناء دولة المؤسسات من خلال القطاع الذي أرعاه، وأعلم جاداً أننا في تحدي كبير وأسعى مخلصاً إلى المساهمة في بناء دولة المؤسسات من أي موقع أكون فيه خادماً لشعبي وأمتي. وليس جميلاً أن أتحدث عن نفسي. وقد عملت رئيساً لديوان الموظفين العام والمغنم فيه أخطر من سفرية ولكن بفضل الله تعالي كرسنا فيه بالتعاون مع إخواني مبادئ كانت غائبة في الشفافية والتجرد والمهنية. وكذلك في الوزارة اليوم. كما لم نتوسط طرف أحد والله يشهد وهو خير الشاهدين. والمعيارية أساس فيوم أن احتج أحد الناس على عمر رضي الله عنه لطول ثوبه كان ذلك ليس منعا لعمر من حق أسوة بالناس وإنما زيادة على الناس. ومن هنا فإن سفر أو توظيف أو تملك أحد من أبناء أو إخوان أو جيران أو أقارب الوزراء أو النواب أو القادة في أي موقع لا يعتبر نقيصة أو تهمة فليس المطلوب معاقبة المسئولين بأبنائهم من أجل بناء دولة المؤسسات، ولكن المطلوب التحقق أنهم ضمن معايير الاختيار وخضعوا لذات آليات الاختيار أم لا؟ وكم من مسئول سافر ولده أو وظف شقيقه فهم أبناء المجتمع لهم ما له وعليهم ما عليه.. والله الموفق و الهادي إلى سواء السبيل.
المؤسسات الشبابية والدور المطلوب: الدور الذي تقوم به عدد من المؤسسات الشبابية وغيرها في الترتيب لبعض الوفود استقبالاً وإرسالاً مقدر ولكن هذه المؤسسات وغيرها سواء ثقافية أو رياضية أو شبابية بحاجة إلى توفيق أوضاعها في الوزارة. وأن يجري التنسيق الكامل مع الوزارة في اختيار الوفود والسفر والمتابعة وهذا وفق قانون الشباب. ومن هنا فإن مسئوليتنا ضبط الوفود الشبابية وغيرها بما يحقق نسيج وطني وإنجاز شبابي تراكمي والله ولي التوفيق.
مسئولية أصحاب القرار: ولا ينبغي لأصحاب القرار العمل على أساس شبهة لا أساس لها. وحين يسمعوا الحق لا ينبغي أن يلووا أعناق الكلمات وإذا أوقعوا أذى فإن من واجبهم العمل على رفعه تلك هي المسئولية . جعلنا الله و إياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
وأخيراً شكراً: علمت من خلال هذه السحابة كم حجم الأصدقاء والأحباب والذين أمطروني بعشرات الرسائل بشتى طرق الاتصال، ومن أكثر ما أعجبني مما وصلني آيتين "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60]، و"وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" [فاطر: 43]. غفر الله لنا جميعا، جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر واستعملنا في خدمة دينه وتحرير فلسطين.
بقلم د. محمد المدهون
وزير الشباب والرياضة والثقافة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت