أقف عند قول عبد الله حسن نصر الله بعيداً عن الألقاب التى مهمتها أن تجعل بين صاحبها والناس حواجز أسمنتيّة ، عندما تطرأ في مقابلته الأخيرة مخاطباً الفئة التى تحبه والحريصة أن تسمع اسباب وقوفه مع النظام الأسدي ، نحسب أننا من هؤلاء دون أن نظهر ذلك بشكل مادي لكن الأمر متروك لصاحب الأمر المطلع على القلوب وعّلام ما تخفي دخلها وتحمل في ثناياها ما تحمل من أشياء يصعب على الآخرين المشاركة في معرفتها ، إلا أننا نرفض اطلاقاً أن نكون صدى يتردد بديلاً لأي تفكير ليس نابع من الرأس أو رأي ليس صادر من الذات ، لعلاقة في حقيقتها تأسست مع الرجل عبر مراحل متعاقبة لأحداث تتالت واحدة تلو الأخرى وكان اساسها مبني على الصدق أولاً وأخيراً ، في وقت لم تجمعنا به من قبل أي نوع من العلاقة الاجتماعية أو العملية أو حتى الصدفة برغم أن هناك الكثير من حلم في السابق أن يشتغل تحت لوائه بفضل النموذج الاستثنائي الذي استطاع حزب الله أن يترجمه على الأرض ويعكس مدى انضباطية عناصره العسكرية وتعاملها بخفة الظل داخل المجتمع حيث تحلوا بها بالفعل عبر السنوات الماضية .
القضية تكمن في الجهة الأخرى ولم تكن ابداً ناتجة عن عواطف مؤقتة بل كان يؤمل لها أن تتطور في المستقبل كي تتوسع على طول وعرض الجغرافية العربية وتنتقل من التأثير المرئي والمسموع إلى أن تعكس حالات واقعية حيث تصبح حقيقة لمن يرغب أن ينتج لمثل هذا النوع من الجدية والالتزام ، فالمسألة ليست حباً بقدر ما هي أقوال تُرجمة إلى افعال ضمن منظومة اخلاقية لا تتجزأ تحت أي ظرف والتى جعلت بشكل سلس أن يتربع السيد حسن نصر الله عليها ويحتل المرتبة الأولى دون منازع لدى المواطن العربي والإسلامي ، وذلك يعود فضل قيادته بروح الجماعة وتغليب الشورى وإعطاء حقوق الأفراد في العمل والإنتاج والمهارة التى أوصلت الجماعة إلى ما وصلت إليه من ملامسة للحلم العربي ، رغم كل هذا لم يقف العربي أبداً عند التاريخ القريب ولم يشفع عنده ما يحمل من رصيد إيجابي وعميق لكنه أتضح أنه يملك من الوعي والقدرة على القفز بمهارة من السفينة التى حادت عن الحق ، لتتعلق الأيدي بالحبال ، منتظرةً سفينة أخرى لا تقبل السقوط بمتاهات القتل وزهق ارواح الابرياء .
لقد شخص الأزمة القائمة انطلاقا من تحالفاته إلا أنها من الناحية النظرية مقبولة وكنا نتمنى لو كان ما قاله واقعاً وقابل للتحقق ، لكن المزعج في الأمر هذا الاستخفاف لأرواح البشر وبالتالي جعل من الحالة اللبنانية قياساً يحتذى به وأسقطه مثلاً على ما يدور في سورية من مجازر التى تحولت إلى واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية التى عرفها العالم ، مما دفعه لضيقة المنطق أن يبرر ويشابه لما يجري الآن على الساحة السورية لما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية التى ذهب تحت نارها ما يقارب مائتا ألف ضحية دون أن يعرفوا السبب ، رغم الحجم الهائل من الضحايا والتكلفة الباهظة استطاعوا اللبنانين الجلوس حول طاولة الحوار حيت أنتهى القتال والقتل كأن مصير سوريا لا بد أن تمرّ في ذات التجربة اللبنانية وقدرها بين أمرين لا سواهما الموت لأهلها أو بقاء نظام الغلبة الطائفية حيث باتت تتوعد وتهدد أما الاستمرار بحكمها أو اللجوء إلى التقسيم والعودة إلى ما طرح في عهد الانتداب عام 1934 م مشروع الدويلات الخمس كأن قد خُلقت الطائفة العلوية لتحكم الأكثرية أو تتقوقع على نفسها وتحكم ذاتها بذاتها وذلك يبرره حلقات طويلة من التغذية للأرواح المتوارثة عبر العقود بل القرون حيث تحولت إلى نهج تخويفي لمن فيها بهدف اخضاعهم بالكامل لرواية باتت من العيب أن تصدق ، ربما قد يكون الأكثرية منهمكة في الوضع السوري لأنه مازال حياً والجميع خواصره تنزف دماءً لكننا نعود إلى ذاكرتنا الفولاذية باعتبارها ليست رملية لما شاهدنا بأم أعيننا ما حصل في العراق بعد سقوط نظام البعث التى سرعان ما تحولت البلاد من استبداد النظام السابق واحتكاره للحياة السياسية إلى احتكار من نوع أخر لكنه تحت اسم الطائفية التى استباحة الوطن بما فيه من مكونات متعددة تعايشت لقرون فوق جغرافية واحدة ، كما أننا رأيناه مرة أخرى عام 2008 م عندما بادر حزب الله في حسم الخلافات في لبنان مع خصومه بعد ما اصدرت الأكثرية قرارها بخصوص شبكة الاتصالات السرية للحزب مما دفع الحزب على الفور بضرب طوق مسلح على العاصمة البيروتية التى يسكنها الأغلبية السنية وتبعها إقصاء للأغلبية السياسية التى نجحت في الانتخابات الأخيرة .
لقد وقف حزب الله والنظام السوري مع الثورات العربية التى انطلقت من تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين كونها تطالب بإسقاط الأنظمة التى ترى أنها ديكتاتورية وفاسدة سياسياً لكن سرعان ما تبدلت الأمور عندما تحركت المياه الراكدة في درعا لتشمل لاحقاً جميع المناطق السورية حيت تغيير الحال وتقدمت المبررات وأصبح للثوار سوريا أذيال تحركهم قوى خارجية بهدف تحقيق المؤامرة التى تريد بقطع رأس المقاومة ، وتحولت القضية إلى منطق اخر بين من يحتكر لنفسه خط المقاومة ومن يريد أن يتحرر من الاستبداد ، هي دعوة مبطنة يريد بها السيد نصر الله أن يلتف عن مطالب الشعب السوري بل يضعها ضمن المقبولة لكنها ليست ضرورية حيث يمتلك الشعب شرف احتكار الممانعة والمقاومة في المنطقة دون الآخرين ولم يتوقف عن هذا التبسيط بل يمعن في الذهاب إلى أبعد من ذلك كون الرئيس بشار تفهم من اللحظة الأولى للحراك ومطالبه وأبدى استعداد أن يعالج القضايا المستعجلة وغيرها ، كأننا لم نكن من المتابعين خلال الأربع أشهر الأولى التى حاولت الآلة العسكرية والأمنية أن تأخذ الأزمة ومعالجتها على عاتقها باستدعاء الأنماط المعهودة فأصبح يسقط في اليوم الواحد ما يقارب الخمسين من المتظاهرين السلميين وبشكل انتقائي .
أن نبرر أفعال الأسد قتله للشعب معنوياً وجسدياً كون اننا مجرد حلفائه أو لأنه يصطف مع المقاومة ، يعني في المقابل علينا أن نبرر للشعب تمسكه وإصراره في نيل حريته كونه ايضاً اصطف مع المقاومة في جميع حروبها وتصدي لجميع محاولات تفكيكها حيث فتح غرف نومه الخاصة كي يستوعب النازحين من آلة الحروب الإسرائيلية ، ليس مقبولاً ولا مفهوماً أن يدعو لتطبيق الحل اللبناني القاصر كنموذج صحي للأزمة السورية لأن مقدماته واضحة وضوح الشمس لا تحتاج إلى أثنين أن يختلفا بأن لبنان يجلس على بركان قد يتفجر في أي لحظة وذلك يعود إلى تغييب الديمقراطية الحقيقية والاحتكام لمعالجات ترضي أشخاص ارتبطت مصالحها مع فئات اتفقتا على الشعب ، لهذا لا بد من الفصل ما بين المقاومة التى يمثلها عموم الشعب وبين من يريد أن يختزلها في شخصه كي يستمر في نهب الشعب وإقصائه ، فلا بد أن ترفض الثورة بشكل قاطع جميع القنابل الدخان المصطنعة هدفها تضليل وتهيئة الأجواء كي يعاد من جديد صياغة الحاكم القديم بطريقة تبقي النار تحت الرماد .
هناك قيامة شعبية تستعصي على محاولات تذويبها في مقترحات تتقدم من دول ضامنة لحلول لا تقبل الصرف لأن الشعب يقدم على مدار الساعة ومازال يسقُط في طريقه مئات الضحايا كي يكون هو الضامن الوحيد لمستقبله ، فمن الأولى أن يقف الأحرار من العالم وخصوصاً أبناء الجلدته معه لتكتمل دورة التاريخ .
والسلام
كاتب عربي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت