يموج العالم العربي والعالم الإسلامي بالاحتجاجات الغاضبة على الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام وللرسول الكريم محمد ( ص ) ، وليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يسيء فيها الغرب عموماً إلى ديننا الإسلامي الحنيف ، وإلى القرآن الكريم ، وإلى رسولنا الحبيب ، فالعداء للإسلام والمسلمين منهج لدى بعض الغرب أن لم يكن كله ، والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً وهي قائدة الغرب وموجهة سياساته الخارجية أكثر عداءً للعرب والمسلمين معاً ، ولا تدع أمريكا فرصة دون أن تستغلها وتقف وراءها ما دامت تهدف للإساءة إلى العرب والمسلمين ، ونحن العرب والمسلمون لم ندرك بعد قمة العداء الأمريكي لنا ، أسبوع وينتهي الغضب العربي الإسلامي على الإساءة الغربية لديننا الإسلامي الحنيف ، وماذا بعد ؟
هل يذهب كل واحد منا في طريقه تاركاً وراءه العدو الأمريكي يخطط لمكيدة جديدة يوقعنا فيها ويرى منا سوء ضعفنا في الدفاع عن ديننا ، وهو يدرك أنّ دفاعنا عن ديننا لا يصل إلى حدود الدفاع الاستراتيجي ، بل هو مجرد غضب شعبي يذهب سريعاً كما زبد البحر يذهب جفاء ، ألم يكن إنتاج هذا الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام إلا قنبلة ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية في ساحة العالمين العربي والإسلامي لتكشف همجية العرب والمسلمين في الدفاع عن دينهم ورسولهم ، وتقول هؤلاء هم المسلمون لا يعقلون ، ولا يملكون الحجة العلمية في الدفاع عن دينهم ، يخرجون إلى الشوارع ، يخربون ، يدمرون ، يسيئون إلى أنفسهم من دون أن يعوا ما يفعلون ، أليس هذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من كل إساءة للإسلام والمسلمين والرسول الكريم .
لم يكن منهج رسول الله (ص ) بالرد على الكفار والمشركين بالغضب عليهم بقدر ما كان باستدراجهم لاعتناق الإسلام ، فلقد تمت الإساءة لرسول الله وهو قائم يدعو إلى دين الله ، والذين أساؤوا إلى رسول الله هم أهل قريش ، أهل قريش الذين كانوا يطلقون على رسول الله قبل البعثة بأنه الصادق الأمين ، فاستودعوه مالهم وأماناتهم ، وأبقوها عنده بعد البعثة يقيناً منهم بمدى صدقه وأمانته ، فلم يسيئوا الظن بأمانته رغم محاربتهم لدعوته ، ولكنهم حاربوه في دعوته إلى الإسلام ، رموه بجزول الغنم وهو يصلي في المسجد الحرام ، فما قال لهم أف ، ولكنه قال اللهم اهدي قومي فأنهم لا يعلمون ، ويوم اجتمع المشركون لقتله ، لم يصادر أماناتهم وودائعهم لديه ، وعندما هاجر إلى يثرب أبقى سيدنا علي بن طالب في فراشه ليعيد الأمانات إلى أصحابها ، ليس ذلك ضعفاً من رسول الله ( ص ) ، ولكنه العهد والأمانة والوفاء .
وفي الطائف درس آخر من دروس رسول الله ( ص ) ، ذهب يدعوهم إلى دين الله فصدوه وطردوه ، وأرسلوا صبيتهم يقذفونه بالحجارة حتى سال الدم منه ، فجاءه ملك الجبال طالباً منه أن يأمره بطبق الأخشبين على أهل الطائف ، لكن رسول الرحمة والهداية أبى ذلك قائلاً لعلّ الله يُخرج من أصلابهم من يوّحد الله .
إنها القوة الحقيقية لحقيقة الدعوة الإسلامية ، وهي الرسالة والدرس للمشركين وللناس أجمعين بأنّ الإسلام دين يدعو للتعاون على البر والتقوى وينبذ التعاون على الإثم والعدوان ، دين يعرف قيمة الإنسان فيخاطب عقله ولا يستثير غضبه .
وأمريكا التي درست وعرفت نفوس المسلمين اليوم ، استطاعت أن تستثير غضبهم ، وما أسرع المسلمون في إظهار غضبهم على عدوهم دون إدراك منهم لحقيقة ما يريده عدوهم منهم ، تريد أمريكا أن تظهر المسلمين الغيارى على دينهم بأسوأ حالتهم غضباً ، فيشتمون ويخربون ويدمرون ويقتلون ، إنها ردة فعل اللاوعي لدى المسلمين التي تريدها أمريكا منهم ، فكان لأمريكا ما أرادت ، لتقول للعالم أن العرب والمسلمين لا يعرفون سوى الغوغاء ولا يمكن التعامل معهم على أساس العقل والمنطق والحكمة فدعوهم يحرقوا أنفسهم بأيديهم ، ، فالجماعات الإسلامية التي لا تعدّ ولا تحصى والتي تغضب عادة على كل شيء كانت أداة بيد أمريكا ، فهي التي استثيرت من قبل أمريكا ففعلت ما فعلته في العديد من الأماكن إرضاءً لأمريكا ، وليس دفاعاً عن الإسلام والمسلمين وعن رسول الله ( ص ) .
ونظرة إلى الغاضبين من العرب والمسلمين على الإساءة للإسلام والذين هاجموا السفارات الأمريكية والمنشآت الأمريكية وكل ما له صلة بأمريكا ، نراهم لا يحسنون صنعاً لأنهم لم يحسنوا تقدير الموقف ، وهذا ليس بغباء أو ضعف منهم ، ولكن وبكل أسف بغباء وضعف القادة والعلماء من المسلمين ، فبدل أن يكون علماء المسلمين دعاة دين إسلامي حنيف ، كانوا دعاة لحكامهم فأضعفوا الإسلام بذلك ، كما أنهم كانوا حريصين على تماثيل بوذا في أفغانستان أكثر من حرصهم على رأب الصدع والخلاف بين المسلمين ، وبدل أن يصلحوا بين فئتين تتقاتلان من المسلمين في أكثر من مكان ، كنا نراهم يصطفون وراء هذه الفئة أو تلك ، وبدل أن يؤكدوا على أنّ الإسلام دين عبادات ومعاملات ، كانوا ينسون المعاملات دون التأكيد التام على العبادات ، وبدل أن يهتموا بجوهر الإسلام والإسلام كله جوهر ، كانوا يزرعون الضعف والوهن والخنوع في نفوس المسلمين ، فلا يرى المسلمون من إسلامهم إلا قوة سيوفهم يشهرونها في أنحاء بلاد المسلمين إلا في القدس وأرضها المباركة ، حتى أصبح المسلم يتصف في بلاد الغرب بالإرهابي ، وأصبح حجاب الفتاة في الجامعات الغربية دليل تخلف لا دليل عقيدة ، فضاعت العقيدة بكل تفاصيلها من أيدي المسلمين ، فلم يعد المسلم أخ المسلم ، ولم يعد المسلمون والمؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ، فحلت الكراهية والبغضاء والشحناء والحقد بين المسلمين ، وانتشر انقطاع الرحم بينهم ، فأنى يستجيب الله لقاطع رحم أو مشاحن .
فمسؤولية بناء المسلم الحقيقي هي بيد علماء المسلمين ومن بيدهم زمام الأمر من المسلمين ، وذلك بتوعية المسلمين بأنّ الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله ( ص ) لا يكون بالفعل الأحمق ، وإنما يكون بمنطق الإسلام الذي يدعو إلى الموعظة والحكمة الحسنة ، وأن تكون مجادلة أعداء المسلمين الذين يريدون لنا الشر بالتي هي أحسن ، لأنّ كل مسلم مسئول أن يعطي الصورة الحسنة عن الإسلام والمسلمين والرسول ، ولنا في رسول الله قدوة حسنة ، وهذا يستدعي من علماء المسلمين أن يحسنوا صنعاً في الرد على الإساءة للإسلام ولرسوله ، وأن يتوافقوا ويتفقوا على إعادة بناء المسلمين على القواعد الاستراتيجية للإسلام ، الإسلام الذي ما شاده أحـدُ إلا غلبه وجعله مسلماً حقاً ، فهل نحسن صنعاً في دفاعنا عن إسلامنا بعيداً عن الغوغائية ، فالرد على الإساءة والمسيئين تكون بالحجة والبرهان لا بالقتل والتدمير والتخريب .
15/9/2012 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت