على اثر الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في بعض العواصم العربية ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم، ومقتل السفير الامريكي في ليبيا من قبل بعض الجماعات المسلحة المنتمية الى جماعات سلفية جهادية، وما شكل ذلك من صدمة عنيفة في الولايات المتحدة الامريكية الى الخطر النائم، الذي غضت الولايات المتحدة النظر عنهم في بلدان “الربيع العربي”، خاصة ليبيا ومصر وتونس، وتساهل السلطات الجديدة في تلك البلدان معهم.
صدمة الولايات المتحدة سبقتها فجيعة السلطات المصرية الجديدة بعد حادثة مقتل ستة عشر جنديا مصريا في سيناء، من قبل افراد جماعات سلفية جهادية، ما دفع السلطة المصرية لشن حملة عسكرية ضدها لا زالت قائمة، وتوجيه الاتهام لبعض من افراد تلك الجماعات في قطاع غزة.
الجماعات السلفية الجهادية في سيناء وبعض منها في قطاع غزة تربطها قواسم وخصائص مشتركة مع نظرائهم في بلدان الربيع العربي، وهي قواسم مشتركة في طريقة آلية عمل تلك الجماعات في الدول العربية ورؤيتها للمجتمع العربي ودعواتها الى تطبيق للشريعة الاسلامية في بلدانهم، وقيامها بمهاجمة بعض المؤسسات الثقافية والمقاهي وغيرها من الظواهر التي تعتبرها مخالفة للشريعة.
القواسم المشتركة فيما بينها، باستثناء شيئ واحد، وهو الجهاد ضد دولة الاحتلال، وهذا ما ساعدها بوجود حالة تعاطف وقبول اكثر لها في فلسطين خاصة في قطاع غزة، مع ان بعض من افراد تلك الجماعات السلفية الجهادية كانوا سباقين للقيام بمهاجمة بعض المؤسسات وتنفيذ عدد من حالات القتل والتفجيرات والدعوة لتطبيق الشريعة.
وهذا واحد من الاسباب التي دفعت بعض من افراد حماس الى الخروج من حركة “حماس” وتشكيل جماعات مسلحة اقرب الى فكر “القاعدة” منها الى فكر حركة “حماس” الوسطي، بعد قبولها التهدئة غير المباشرة مع دولة الاحتلال، وتوقف عملياتها العسكرية بالإضافة الى مشاركتها في الانتخابات التشريعية في العام 2006، وهذا من وجهة نظر هؤلاء حرام ومناف للشريعة الاسلامية.
وهذا ساعد في بروز تلك الجماعات في قطاع غزة، ومحاولتها مقاومة الاحتلال عن طريق تنفيذ عمليات عسكرية وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه البلدات الاسرائيلية، أو محاولة افراد منها الى التسلل عبر الحدود مع دولة الاحتلال مع قطاع غزة او التسلل عبر سيناء، وكانت حركة حماس وحكومتها تغض الطرف أحياناً عن هؤلاء طالما صوبوا بنادقهم نحو الاحتلال، ولم يعبثوا بحال الامن والاستقرار في القطاع ومهاجمة اهداف محلية.
إلا ان صبر حماس في معظم الاحيان كان ينفذ وقامت وما زالت بمنعهم من القيام بذلك عن طريق اعتقالهم والتحقيق معهم، لما يشكله ذلك من خطر على الحركة واستقرار حكومتها والوضع الامني في القطاع وخشية من انتقام دولة الاحتلال من حركة حماس الذي يحملها المسؤولية عن حكم القطاع والحفاظ على التهدئة المستمرة منذ عدوان 2009،2008، ولم يسلم افراد تلك الجماعات في اكثر من مرة من استهداف طائرات الاحتلال عدد منهم وتصفيتهم.
وخاضت حركة حماس وحكومتها مواجهات دامية ضد بعض الجماعات السلفية التي حاولت تشكيل حالة علنية والخروج عن طوع حركة حماس، الاولى كانت في 14/ سبتمبر/ ايلول 2008، ضج تنظيم جيش الاسلام بزعامة ممتاز دغمش، وقتل عدد من افراد الجيش واعتقال عدد أخر، ومصادرة كميات كبيرة من الاسلحة ورفع الغطاء عنه.
ووقعت المواجهة الدامية الثانية في الرابع عشر من شهر اب/ أغسطس 2009، بعد اعلان الشيخ الطبيب عبد اللطيف موسى امارة غزة في بلاد بيت المقدس، وقتل عدد من جماعته واعتقلت الحكومة العشرات، وتم عرض بعض منهم على القضاء ومحاكمتهم، وحيدت عدد منهم وانكفئ عدد اخر منهم خشية من بطش حركة حماس.
وشنت حماس وحكومتها حملة قاسية تجاه تلك الجماعات وأفرادها وقيادتها، وفر عدد من افرادها الى سيناء، وساد قطاع فترة استقرار مشوب بالحذر الدائم من تجدد نشاط تلك الجماعات، التي تحاول بين الفترة والأخرى اطلاق الصواريخ تجاه البلدات الاسرائيلية والتسلل عبر الحدود مع دولة الاحتلال.
وظلت حركة حماس وحكومتها متأهبة من الخطر النائم من تلك الجماعات وبعض الافراد الخطرين فيها حسب وجهة نظر حماس، ووضعتهم تحت الرقابة الدائمة وملاحقة بعض من افرادها المطلوبين للعدالة او التحقيق معهم على ارتكابهم عمليات “تخريبية” لزعزعة الامن وحال الاستقرار في القطاع.
وكان لمقتل ستة عشر جندياً مصرياً في رفح المصرية في الخامس من شهر اب/ اغسطس الماضي اثر كبير في اعادة النظر في تلك العلاقة لما كان له من اختبار حقيقي وجدي للحكم الجديد بزعامة جماعة الاخوان المسلمين في مصر الحركة الام لحركة حماس في قطاع غزة، والتي تعتبر تولي الجماعة حكم مصر انتصار كبير لها.
فمقتل الجنود المصريين مس مشاعر غالبية الفلسطينيين الذين اعتبروها جريمة، وما لحق بالفلسطينيين من اضرار وأساء لعلاقتهم بالمصريين والحكم الناشئ الجديد، واتهام افراد منهم بالمشاركة في تنفيذ ذلك الاعتداء الدموي، وعليه قامت حكومة حماس باستدعاء عدد كبير منهم واعتقالهم والتحقيق معهم حسب ما ذكرته مصادر قريبة منهم.
بعض المسؤولين في حكومة حماس نفت التعامل مع افراد تلك الجماعات بقسوة، والمؤشرات أيضاً تشير الى ان هناك مبالغة في الحديث عن الملاحقة والمطاردات بحق افراد تلك الجماعات وانها تجري من شارع الى شارع، هذا كلام فيه نوع من الدعاية والضغط على حركة حماس وفرملتها من القيام بأي عمليات انتقامية في المستقبل، وربما تكون هناك أيضاً مبالغة في اعداد المستدعين او المعتقلين، والتي لا تتوفر معلومات حقيقية حول ذلك.
فحركة حماس هي التي تحكم قطاع غزة، وبالتالي تعاني من نشاط تلك الجماعات التي تحرج حماس بمحاولاتها اطلاق الصواريخ ومحاولات التسلل لتنفيذ هجمات ضد اهداف اسرائيلية، فحماس تحاول ان تضع حد لنشاطاتهم، وهي حتى اللحظة تنجح في ذلك.
وحماس تعاني ايضا من ان إسرائيل تبالغ أيضاً في الحديث عن الجماعات السلفية التي تتبنى الفكر الجهادي، وذلك لتبرير الحصار وعدوانها المستمر على القطاع باعتباره المكان الآمن للإرهاب والقاعدة المتقدمة للإرهاب العالمي الذي يهدد امن إسرائيل، وهذا تعزز بعد اندلاع الثورات العربية، وهي بذلك تضغط على حركة حماس لكي تقوم هي بمحاربة الجماعات السلفية، وفرض قيود صارمة عليهم للحفاظ على حكمها في قطاع غزة.
فحادثة سيناء وغزوة السفارات دفع جميع الجهات للتفكير بشكل جدي وان اختلفت المصالح والتناقضات الى وضع حد الى الخطر النائم لما يشكله من تهديد جدي لحكومات الربيع العربي والولايات المتحدة وإسرائيل، إلا ان الوضع في قطاع غزة يختلف من ان السلفيين في قطاع غزة هم ليسوا جماعة واحدة، وهناك مبالغة في أعدادهم والخوف منهم.
وان طريقة التعامل معهم واستغلالهم من بعض الجهات في مناكفات، ويجب ان لاتتكون من خلال الحل الأمني وفرض القيود عليهم، ومطلوب من الأطراف الفلسطينية التعامل مع تلك الجماعات من خلال احترامها للنظام السياسي الفلسطيني، ومدى التزامهم بالقانون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت