يعطونك الراتب باليمين ويأخذونه بالشمال

بقلم: رمزي صادق شاهين


يعيش الموظف الحكومي الغلبان أصعب الظروف المعيشية ، ففي حين سعي الدول المحترمة لجعل الموظف الحكومي من الطبقات الاجتماعية المتوسطة على أقل تقدير ، تسعى حكوماتنا في الوطن العربي لجعله أكثر الناس عوزاً وفقراً ، ولو خصصنا الحديث عن حالتنا الفلسطينية ، لوجدنا أن الموظف الحكومي في الأراضي الفلسطينية تحل عليه الصدقة ، وهو من الشرائح المُصنفة إنسانياً أنه تحت خط الفقر ، بالمقارنة مع حالة الغلاء الكبيرة وراتبه الذي لا يكاد يكفيه للعشر الأوائل من الشهر .

البعض من العاطلين عن العمل يحسد الموظف الحكومي ، وبعض فرسان الإعلام وأصحاب الآراء السمجة الذين يحاولون تحميله الجمايل بأنه يتقاضى راتبه آخر الشهر ، وآخرين حاولوا تحريم وتحليل الراتب نظراً لأطماعهم في السلطة ، وحسدهم لمعيشة الناس ، لأنهم لا يحبون الخير لغير أنفسهم ، إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً عن المتوقع ، فكيف نستطيع أن نُشخص حالة الموظف بشكل دقيق وواقعي ، بعيداً عن تجميل الكلمات واختيار الألفاظ الحسنة .

تأخير صرف الراتـب :
تأخير الراتب يُضيف عبئ على الموظف ، فراتبه يُنفقه في الصف الأول من الشهر ، على تسديد الديون وشراء التزاماته البيتيه ودفع مستحقات الحكومات والمؤسسات والبلديات ، وفي النصف الآخر من الشهر يبدأ رحلة الاستدانة ، تارة من السوبر ماركت ، إلى صاحب محل الخضروات والفاكهة ، إلى سيارة نقل الأولاد للمدارس ، إلى الصيدليات ، حيث لا دواء في مستشفيات الحكومة بدون رسوم ، وشراء الدواء من الصيدلية شيئ مطلوب لشفاء الأسرة ، فالمسكين ينتظر الراتب على أول الشهر ، فتقوم الحكومة بصرفه يوم 10 أو 15 فيكون قد استدان لا يقل عن 500 شيكل كمصروف لبيته ، وهذا ما يجعله ( ملحوق ) على الدوام.

فواتير بالجملة :
ما أن يبدأ الشهر بيومه الأول أو الثاني ، وتبدأ الفواتير الواحدة تلو الأخرى ، تارة الهاتف ، وتارة الإنترنت ، وأخرى للكهرباء ، والجوال ، والماء الذي تدفع فاتورته وهو أملح من ماء البحر .. إلخ من الفواتير ، هذه الفواتير التي تأتي بدون أي رحمه أو تقدير ، فالشركات الربحية لا تساهم حتى في أي جهد لتخفيف العبء عن الناس ، فمع الأزمة المالية للسلطة الوطنية ، لم نرى أي من شركات الجوال أو الاتصالات قد راعت الظروف بالإعلان عن تخفيض الرسوم ، أو إعفاء الموظفين من نصف الفواتير ، أو المساهمة مالياً في دعم السلطة على سبيل الدين ، كيف لا وهي شركات ربحية لها أرباح سنوية تُقدر بمئات الملايين من الدولارات التي يدفعها المواطن الغلبان .

مصاريف العلاج :
في كُل دول البشرية هناك تأمين صحي ، هذا التأمين مدفوع الأجر من راتب الموظف ، إلا في بلدنا ، فالتأمين لا لزوم له بتاتاً ، فعلى كُل الأحوال ستدفع المال ، لو عالجت أبناءك في مستشفيات الحكومة ستشترى الأدوية من جيبك الخاص لأن المستشفيات لا دواء فيها ، ولو عالجتهم في مستشفيات خاصة ستشترى نفس الدواء ، فكلها سواد على رأس الموظف والمواطن الغلبان .

طلبة يدفعون للمدارس :
لا يكاد يمر أسبوع حتى يطلب منك أبناءك دفع مصاريف للامتحانات المدرسية ، فالمدرسين يطلبون من الطلبة دفع شواكل لورق الامتحانات ، وهذا الغير مفهوم بتاتاً ، هل القانون أصبح يلزم الطالب توفير احتياجات المدرسة من القرطاسية وأحبار الطابعات وخلافه ، أم أنه جهد ذاتي من مدراء المدارس ، أم أن هناك نظام جديد للتعليم في بلدنا ، وكأنك تُعلم أبناءك في مدارس خاصة .

خصومات حكومية بالجملة :
نحن شعب فقير وشحات ، والصدقة تجوز علينا شرعاً ، فسلطتنا الوطنية وعلى مدار الساعة تتسول المعونات والأموال لدفع الرواتب ولتسيير عمل الحكومة وسد احتياجات المواطنين الاجتماعية والصحية والتعليمية ، إلا أن الحكومة وفي كُل سنة تخترع مصيبة جديدة للموظف ، فتارة الموظف مُلزم بالتبرع للصومال ، وآخر للبنان ، واليوم لسوريا ، وبالنهاية نرى الأخبار على التلفزيونات والفضائيات بأن السلطة تبرعت للشعب السوري بعشر شاحنات مواد طبية وغذائية ، فلماذا لا يتم الإعلان عن أن التبرع هو من موظفي السلطة أو من أبناء الشعب الفلسطيني الفقير والغلبان .

&&&&&&&&
* إعلامي وكاتب صحفي- غـزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت