منذ ستين عاماً وأكثر

بقلم: آمال أبو خديجة

( 1 )

يصنعون لك الكلام
ثم يلقونه في فمك
ليصنعوا منك إنساناً آخر
كما يشتهون
لتُمحى ذاكرتك
وتعيش أبد النسيان

( 2 )
يصنعون لك المبدأ
لا تنحرف عن مبدئهم
أنت مقيد بسلاسل النيران
لا طريق أمامك
سوى أن تُصنع من جديد
أو تُتهم تعابير وجهك
ودقات قلبك
أنّك مُعادٍ للسلام
وابن صُنع للإرهاب

( 3 )
يصنعون لك الطريق
ويقولون لك تحرك
ثم يحفرونها، فبكل الزوايا
هناك حُفرة للموت
تَسقط وحدك
هم يَخدعوك
ويكرهون وُجودك
بل يكرهون حياتك
لأنك عرفت أن هناك
مبدأٌ آخر للحياة
كرامة حق
وحرية إنسان

( 4 )
يصنعون لك أرضاً
من طين مُبلل
بدم الشهداء
ويزرعونك فيها قصراً
هناك خيمة وبرميل ماء
وفي الجهة الأخرى
أسلاك أحاطت المكان
وأحبال تُلقى لتُشد بها الرحال
وسماءٌ جرداء
لا غيث ينزل ولا نسائم ربيع
تحمل هم الفؤاد
أنت وحدك في أرض الغرباء
إختلطت المشاعر
بين خوف ونجاة
أنت هناك وحدك
امتلكت هوية جديدة
عنوانها
" لاجيء بلا أرض ولا سماء "

( 5 )
وهناك في نفس المكان
أطفال يتراقصون خلف الخيمات
لم تعي قلوبهم حجم ما يدور
فقد سُلبت أرض الأوطان
وضاع كَرم العِنب والزيتون
هم يحلمون أن يناموا سعداء
وما زالت أيدهم تحمل
مفتاح الدار وأبوابها الخضراء
وصور تصارع الذكرى
لهدم المكان
وعتمة الليل
وصراخ يُدوي
لأم تُفزع وتُقتل بخنجر
وبارود نار
وطفل رضيع يُذبح
وأب تلاشت أعضائه
لتكون غذاءً لبهائم الليل

( 6 )
بقيت أنت وحدك
في أرضٍ جرداء
لا حق لك فيها
لا هوية ولا عنوان
فما أنت إلا
إنسان مُهجر
يحمل صفة لاجئ
منذ ستين عاماً وأكثر

(7 )
وما زال الحلم يُراود
ويُداعب روح الفؤاد
لا بد من عودة
وإلا قُطع حبلُك
السُري للغذاء
فتموت
ويُمحى عن جسدك
أثر المكان

(8)
ما زال عدوك يتربصُ المكان
يَسلب منك الأرض والإنسان
أنت وحدك لا تقدر
فلا سلاح بيديك إلا صمت الكلمات
فما بال ساحة الدار قُلصت
وما بال الأرض قد حُوصرت
وما بال الأشجار قد حُرقت
وما بال ملامح الهوية قد شُوهت
وما بال المدن والقرى قد غُلقت
وما بال المساجد قد هُدمت
وما بال أشباح الغُرباء تَجول
كل حي و شارع
تُعيث الفساد
تتراقص على أجساد الشهداء
تتعالى تراتيلهم من أفواه
الكُنس وحائط يبكي
على فِراق جسد
الأقصى

( 9 )
يضحكون ويرقصون بأبواقهم
يُعلنوا إليك
أنهم قد انتصروا عليك
فلا تُصدق
فأنت ما زلت هنا
فوق أرضك
وسَتحرقُ مِيثاقهم
ويرحلون
وستعودُ أنت
حتى لو بقيت وحدك
ستعود
وهم سيرحلون

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت