وضع الأسرى الفلسطينيين في القانون الدولي

بقلم: حنا عيسى


بحجم الوردة في ريعان طفولتها، وبحجم الخفقة في ريعان عشقها، وبحجم القافية على وسادة الشعر في زمن الحب العذري الاول.

هذه هي فلسطين

ترابها مضمخ بأنفاس الأنبياء والنبوات، فضاؤها مزدحم بقوافل الملائكة والشهداء، وفوق ترابها بدأ الإنسان أبجدية الحضارة، من الرعاية إلى الزراعة في اول مدينة عرفها هذا الكوكب وهي أريحا.

فلو لم أكن فلسطينياً لوددت أن أكون، لا أقول ذلك شعراً أو كلام إنشاء، ولكنني أقول ما اقول لادراكي يقيناً بأن هذا الانتماء الراسخ المتجذر في الوجدان والاعماق هو الحقيقة بكل أبعادها، فلولا هذه الهوية الاستثنائية طهراً لاصابني ما يصيب الحمام الجريح في زمن العشق والهديل النازف بالحب حتى الثمالة.

ولكل المحبطين والمتشائمين اقول: فلسطين لا تحتمل العشق الجليدي الفاتر، ولكنها تستقطب الفراش اللاهث حول سراجها يرف بجناحيه وهو يحترق من شدة العشق وهوس العذاب الفلسطيني الممتع.

فطوبى لفلسطين

وطوبى لاحرار فلسطين

لانهم كما يبدو آخر ما تبقى من العبير في حديقة الحرية

في زمن كهذا الزمن الذي نعيش، تقف الحضارة الإنسانية مبهوتة امام هذا القهر المبرمج ضد الحد الادنى من حقوق الانسان وقداسة الانسانية النازفة من الوريد إلى الوريد، وحين ندخل هذا الوطن الزنزانة تحت مسمى "فلسطين" تفقد الحضارة توازنها وقدرتها على الاحتمال، ويحضرني في هذه اللحظة ما قاله الشاعر اللبناني "جبران خليل جبران": ان العصفور يأبى ان يبيض في القفص حتى لا يورث العبودية لأفراخه".

وشعبنا على مر التاريخ كان وما زال وسيبقى رمزاً للتمرد على كل الأقفاص والزنازين، وفي يوم الأسير الفلسطيني تزدحم النكبة بكل فصولها على عتبات الضمير الانساني لا تصرخ بأعلى صوتها فقط، ولكنها تصرخ بأعلى حزنها إلى حد الدمعة، وبأعلى جرحها إلى حد النزيف. فماذا بقي من حقيبة العدالة الابشرية وحقوق انسانها الفلسطيني الذبيح بعد هذا الكم الهائل من التهميش واللامبالاة؟!! وماذا بقي من القوانين السماوية والوضعية بعد هذا الطوفان الاهوج من المتعة والظلم والجاهلية في زمن يدعي اهله باختراق الفضاء وترويض النجوم والكواكب؟!!

في كل بيت فلسطيني تنتعش الذاكرة الانسانية وراءاً وحاضراً ومستقبلاً فإذا بهابيل الفلسطيني ما زال يبتسم في وجه اخيه يبحث في عينيه عن لحظة وفاء ومحبة، وما زال يبحث في قابيل عن خفقة ولو خافتة في محراب الحرية والمحبة والسلام، ولكن لا حياة لمن تنادي.

ما العمل؟!! سؤال بحجم الجريمة ما زال ينتظر الجواب، سؤال بحجم الضحية وحجم القاتل ما زال حائراً في دائرة الطلاسم المسكونة بالأشباح.

فالقضية من الفها الى يائها واحدة من بديهيات الفطرة البشرية، إنسان في وطنه يكدح في ارضه ويغفو مسالماً في كوخه أو بيته أو قصره بالحلال، وفي غفلة من تاريخ اللامنطق واللامعقول، يقتل ويشرد ويذبح بكل أدوات القتل والقهر والعذاب، ورغم هذا لم يسقط الزيتون من يد هابيل، ورغم هذا ظل قابيل يطارده مع سبق الإصرار، فبعد الانتخابات الديمقراطية النزيهة قبل ستة أعوام وبشهادة كل العقول والقلوب والضمائر الحية، فوجئ بالنواب والوزراء وافواج شبابه ونسائه ورجاله واطفاله يحشرون في الزنازين تحت عنوان التمويه المبرمج لمعنى الارهاب والارهابيين. فإذاً ما تبقى من الوطن الذبيح يتحول الى ساحة مستباحة للقتل والقهر والاعتقال في ظل الاحتلال الذي داس على كل القوانين والاتفاقيات والمبادئ والثوابت والقيم، ورغم هذا ما زالت يدنا ممدودة بالزيتون والحمام وكل مفردات السلام، وما زال قابيل يجتث الزيتون من جذوره ويذبح الحمام في الاعشاش وعلى الاغصان وفي كل زوايا الفضاء في هذا الوطن. وفي هذه العجالة سأحاول تسليط الضوء على قانون الحروب والاسرى الذي توافقت عليه الشعوب في الحروب. وعند الوقوف امام الانسان الفلسطيني يقف القانون عاجزاً حتى الحد الادنى من المواساة لهذا الانسان. الذي فقد قدرته على احتمال التعايش مع اخيه الانسان في غابة الذئاب البشرية الموحشة.

مفهوم الاسير من وجهة نظر القانون الدولي الانساني:

تم توسيع تعريف اسير الحرب في البروتوكول الاول بالمقارنة بالتعريف الوارد في اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، وقد كان تعريف اسرى الحرب حتى الان يضم افراداً للقوات المسلحة النظامية والانصار الذين ينتمون الى احد اطراف النزاع الى جانب الاشخاص من الاخرين الذين يتبعون القوات المسلحة ولكنهم لا يشكلون جزءاً منها بشكل مباشر (المراسلون الحربيون والافراد المدنيون في اطقم الطائرات العسكرية على سبيل المثال).

وبموجب البرتوكول الأول، أصبح تعريف أسير الحرب يشمل جميع افراد القوات المسلحة التي تكون تحت قيادة مسؤولة، كما يفيد من هذه الاحكام افراد حرب العصابات الذين ليس لهم زي خاص حتى اذا كانوا يتبعون كيانات لا يعترف بها الطرف الخصم.

وقد نص البروتوكول على ان جميع افراد القوات المسلحة ملتزمون باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، ولكن لا يعد شرطاً لمنح الوضع القانوني لاسير الحرب في حالة وقوعه في قبضة العدو، وبالمقابل يلتزم أفراد القوات المسلحه بأن يميزوا أنفسهم عن السكان المدنيين، على الأقل يحمل السلاح علناً أثناء القتال، ويمكن أن يؤدي عدم الالتزام بهذه القاعدة الى الحرمان من الوضع القانوني لأسير الحرب.

واما الجواسيس والمرتزقة فإنهم لا يتمتعون بأي حال بالوضع القانوني لاسرى الحرب عند اعتقالهم غير انهم يفيدون على اي حال بالمعاملة الإنسانية كحد ادني.

ويشمل هذا الحكم الخاص بالحماية، جميع الأفراد الذين يقعون في قبضة الخصم، ويمثل ذلك تقدماً إنسانيا ضخماً، لان هذه الأحكام تقتضي بعدم حرمان احد من الضمانات الاولية للاحترام او الحماية تحت اي ظرف.

بعيداً عن الشوفينية والاعتداد بالذات الفلسطينية المتميزة نقول: اننا من سكان هذا الكوكب وشعب كبقية الشعوب والأمم، يحكمنا القانون الدولي، لنا حقوق وعلينا واجبات، فلسنا استثناء، سلباً أو ايجابياً، فلنحتكم إلى القانون الدولي في موضوع الأسرى لنعرف موقعنا في ظل هذا القانون الأممي.

كما هو معلوم بقي نظام اسرى الحرب والى زمن قريب نظاماً عرفياً لا يستند الى محددات قانونية تلزم الاطراف المتحاربة بإتباعها والالتزام بها، إلى أن تمت صياغته ضمن مواد قانونية تعاقدية تحددت في اتفاقيات ثلاث وهي:

1. نظام لاهاي الملحق بالاتفاقية الرابعة لعام 1907م الفصل الثاني (المادة 4 – 20).

2. اتفاقية جنيف لعام 1929م المتعلقة بتحسين حالة اسرى الحرب.

3-اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م المتعلقة بمعاملة اسرى الحرب .

والمحور الاساسي الذي تدور حوله هذه الاتفاقيات يستند الى ان اسر المحاربين ليس تدبيراً زجرياً، إنما هو إجراء احتياطي يتخذ حيال خصم اعزل، وبناء عليه يجب المحافظة على حياة اسرى الحرب وصيانة هذه الحياة من المس بقدسيتها التي فطرها الله عليها، ولا يجوز بأي حال من الاحوال ممارسة الحقد الثأري والانتقامي ضد هؤلاء الاسرى. وحتى في حال محاولتهم الفرار فان الاتفاقيات الدولية لا تجيز ايقاع العقوبات الصارمة ضدهم ولكنها تسمح باتخاذ تدابير ذات طابع تأديبي بعيداً عن أساليب الانتقام العقابي الصارم.

وعبر التجربة البشرية في ساحات الصراع تطورت فكرة ومفهوم اسير الحرب في البرتوكول الاول لعام 1977 بحيث اصبح مفهوم اسير الحرب ينسحب على جميع افراد القوات المسلحة والمجموعات والوحدات المقاتلة التي تمارس عملها تحت امرة قيادة مسؤولة.

كما يستفيد من هذه الاحكام افراد حرب العصابات الذين ليس لهم زي خاص بهم، حتى لو كانوا ضمن كيانات لا يعترف بها الطرف الخصم، وقد نص البروتوكول على ان جميع افراد القوات المسلحة ملتزمون باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أن ذلك الالتزام لا يعد شرطاً لمنح الوضع القانوني لاسير الحرب في حالة وقوعهم أسرى في قبضة العدو، وبالمقابل فعلى أفراد القوات المسلحة ان يميزوا انفسهم عن السكان المدنيين وفي الحد الادنى حمل السلاح علناً أثناء القتال وقبل ان تضع الحرب اوزارها. وجدير بالذكر ان عدم الالتزام بذلك يؤدي الى حرمانهم من الوضع القانوني لأسير الحرب.

وفيما يتعلق بالجواسيس والمرتزقة فانهم لا يتمتعون باي حال بالوضع القانوني لاسرى الحرب عند اعتقالهم. ولكنهم في الحد الادنى لا يحرمون من المعاملة الانسانية ولو على نطاق ضيق ومحدود.

وعلى ضوء ما تقدم نطرح السؤال الآتي:-

هل المعتقلون الفلسطينيون اسرى حرب؟!!

لعل من اهم المسائل التي تستحق الدراسة هي مسألة أسرى الحرب، حيث شغلت هذه المسألة بال الكثيرين من مفكري ومجتهدي القانون الدولي الذين سعوا ومازالوا يسعون جاهدين لوضع ارضية قانونية تحمي حقوق الاسرى.

وقبل الدخول في المسأل القانونية لاسرى الحرب لابد من تسليط الضوء على المراحل التاريخية التي عبرتها التجربة البشرية في هذا المجال.

ففي العصور القديمة كان الاسير مجرد متاع ويعتبر جزءاً من الغنائم دون اي التفات لأدميته وحقوقه البشرية، بل تجاوز الأمر الى حد استباحة دمه او استعباده او عرضه كسلعة في سوق النخاسة، أو كسلعة من البضائع التي يمتلكها، وليس هناك ما يمنع من التنازل عنه لسيد أخر، وحتى بعد انتهاء الحرب سيبقى الاسير ملكاً لآسره الا اذا دفع الفدية لأسره مقابل حريته.

مع تقدم وتطور الحضارة الانسانية تطور مفهوم الحروب ومعاملة الاسرى طرداً مع التطور الحتمي في حياة الشعوب والأمم، وقد ارتأت الأطراف المتخاصمة ان حرصها على ابنائها يستدعي الاهتمام بهذا الأمر، لأنه واقع على الفريقين لا محالة، ومن هنا بدأت الدول تقوم بعقد معاهدات ثنائية سعياً وراء تحسين وضع الاسرى ومبادلتهم في بعض الأحيان.

وعلى سبيل المثال: معاهدة تبادل الاسرى التي ابرمت بين انجلترا والولايات المتحدة عام 1813.

اما اول نص دولي تم وضعه بخصوص أسرى الحرب، كان لائحة الحرب البرية عام 1899 وعام 1907 خاص المواد (4 – 20) منها.

وقد تم تطبيق هذه المواد خلال الحرب العالمية الاولى والحروب التي تليها مباشرة قبل ان يتم عقد اتفاقية خاصة بأسرى الحرب وهي: اتفاقية جنيف الثانية بتاريخ 27 تموز / يوليو عام 1929، المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، والتي حلت محل الفصل الثاني من القسم الاول في لائحة الحرب البرية. وهذه الاتفاقية الاخيرة حل محلها اتفاقية جنيف الثالثة بتاريخ 12 آب / اغسطس عام 1949 حول نفس الموضوع.

واذا حصرنا بحثنا بلائحة الحرب البرية فسنجد ان المواد (4 – 20) منها قد اعطت الاسير مفهوما جديدا بحيث لم يعد كما كان سابقا عبداً أو مملوكا أو مجرما، وهذا يحرره من شبهة الاخلال بالشرف والكرامة الانسانية المصانة في كل القوانين السماوية والوضعية اضافة الى العرف والتقاليد الاجتماعية مما يعني او وقوعه في الاسر يعود لسوء حظه الذي وضعه في ظروف قاهرة قادته إلى الأسر.

وتوخياً لاضفاء قدر اكبر من الحماية لأسرى الحرب، فقد تم ربط هذه الحماية بمسؤولية الدولة نفسها حيث نجد في الفقرة الاولى من المادة الرابعة من اللائحة تنص بكل وضوح، على أن أسرى الحرب يكونون تحت سلطة حكومة العدو وليس تحت سلطة الأفراد والوحدات التي أسرتهم، وهذا كما نلاحظ يحرر الاسير من الوقوع في ذمة الشخص او جملة الاشخاص الذين اسروه – كما كان الحال في العصور القديمة – ويضعه في ذمة الحكومة التي تيبع لها الاسرى او الاسرون. وهناك تأكيد على معاملة اسير الحرب معاملة انسانية بحيث ينظر اليه كجندي ويعامل كجندي يحمل وسام الجندية المقدس.

وبناءً عليه لا يجوز سجنه كالسجناء العاديين، بل يتم حجزه في مدينة او قلعة او معسكر او اي مكان اخر مماثل فيترك حراً طليقاً في داخل المكان المذكور سالفاً. ولكن يمكن الزامه بعدم تخطي حدود معينة. اما ما نلاحظه في معتقلات الاحتلال الصهيوني فهو مخالف كلياً لما ورد في هذا الخصوص حيث يوضعون في معسكرات محاطة بالأسلاك والجدر المسلحة، وهذا ينافي ما ورد في اتفاقية لاهاي، ولكن الاتفاقيات المذكورة اشارت الى انه يجوز حبس الاسير اذا دعت التدابير الامنية لاتخاذ مثل هذا الاجراء الاستثنائي مع مراعاة المدة والظروف التي دعت إلى ذلك، وقد نصت الاتفاقيات على انه عند وقوع العسكري في الأسر، عليه أن يذكر لآسريه اسمه الحقيقي ورتبته وحسب نص المادة (9) من اللائحة، وقد أضافت المادة (17) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949الى هذه المعلومات التي تلزم الاسير باعطائها لآسريه تاريخ ميلاده ورقمه العسكري واسم وحدته لكي يسهل التعرف عليه.

وفي حال اطلاق سراحه كأسير حرب بناءً على كلمة شرف منه، فإن ذلك مرتبط بثلاثة شروط هي:-

1. ان تكون قوانين بلاده تسمح بمثل هذا الاجراء.

2. ان يرغب الأسير في ذلك، إذ لا يجوز اجباره على قبول حريته مقابل كلمة شرف منه.

3. ان توافق الدولة الاسرة على إطلاق سراحه بالشكل المذكور، إذ أنها ليست ملزمة بالموافقة على طلب الاسير اعطاؤه حريته مقابل كلمة شرف منه.

وقد نصت الاتفاقية على حق الاسير بالتمتع بكامل حقوقه المدنية والدينية، فمن حقه مثلاً الاحتفاظ بكامل امتعته الشخصية ماعدا الذخائر والخيول والاوراق العسكرية كالخرائط والأوامر الحربية التحريرية، إضافة إلى حقه في تنظيم وصيته بنفس الشروط المطبقة على عسكر الجيش الوطني الذي ينتمي إليه.

وفيما يتعلق بالحق الديني فعلى السلطة الحاجزة ان تترك الاسير يمارس حريته العبادية الكاملة بما في ذلك حضور قداسات الطائفة التي تنتمي اليها وهذا مشروط بشرط واحد فقط وهو: التقيد بتدابير النظام والامن المفروضة من قبل السلطات العسكرية.

ومن الحقوق المعتمدة في نص الاتفاقيات حق الاسير في امكانية المراسلة واستلام الرسائل والطرود والحوالات النقدية في (المواد) (68, 69, 73, 77) الواردة في اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949.

وبخصوص اتصال اسير الحرب بالخارج وتسهيل اموره وتقديم المعلومات العائلية له وعنه، فقد نصت المادة (14) من اللائحة على انشاء (مركز استعلامات) عن اسرى الحرب في كل دولة متحاربة او في اي الدول التي تحجز لديها اسرى حرب. وتكون مهمة هذا المركز جمع وتصنيف جميع المعلومات المتعلقة بالاسرى وتنظيم اتصالتهم بذويهم. ويمكن لمندوبي الجمعيات الخاصة مساعدة اسرى الحرب مثل: جمعيات الصليب الاحمر والاسد والشمس الحمراء – زيارة الاسرى في اماكن حجزهم لتوزيع المساعدات الطبية والغذائية التي يتلقونها عليهم.

وفي المادة (20) من لائحة الحرب البرية نص صريح يدعو الى اعادة اسرى الحرب الى اوطانهم بمجرد عقد معاهدة صلح بين الطرفين المتنازعين، وهذا يذكرنا بالاتفاق الفلسطيني – الاسرائيلي في واشنطن في 13 ايلول / سبتمبر عام 1993 واتفاقية القاهرة الموقعة في 4 ايار / مايو عام 1994 التي تلزم الجانب الاسرائيلي باطلاق سراح جميع الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال واعادتهم الى ديارهم بدون قيد او شرط حتى تأخذ هذه الاتفاقية موقعها في حيز التنفيذ. وفيما بعد يستطيع الجانبان حل جميع المشاكل الأخرى العالقة.

وجدير بالذكر ان الحقوق العامة والاساسية للاسرى الفلسطينيين لدى اسرائيل اوجبتها قوانين واعراف الحرب وضمنت تنفيذها قواعد القانون الدولي القائمة والمرعية، ولا تحتاج هذه القضية الى حوارات واجتماعات ومفاوضات ماراثونية توصلنا وباستمرار الى الحائط المسدود. وان عدم اخلاء جميع الاسرى الفلسطينيين من السجون والمعسكرات الاسرائيلية ليس اخلالاً في روح ونص الاتفاق الموقع بين منظمة التحرير واسرائيل فقط بل هو مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف المقررة والمرعية بين الدول.

ويحضرنا في هذه اللحظة ما كتبه جان جاك روسو في العقد الاجتماعي حين قال: عندما يلقي المقاتلون اسلحتهم يعودون إلى صفتهم كآدميين فقط، حيث لا يبقى لاحد بعد ذلك حق او سلطان على حياتهم.

واذا اضفنا الى ما تقدم ان الاسرى الفلسطينيين قد صدرت بحقهم احكام في ظل قوانين عسكرية ولم يحاكموا في ظل شروط عادلة. وبناءً عليه فإن بقائهم في المعتقلات والسجون الاسرائيلية يعتبر تمرداً على كل القوانين والاعراف. وفي حال النظر الى هذا الموضوع من زاوية الاتفاقيات الدولية فان الاحكام الصادرة بحقهم باطلة ومحض افتراء وهي مرفوضة من اساسها, لانها خارج القانون الدولي وخروج على كل نصوص الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص.

وعلينا حرصاً على حرية ابنائنا الاسرى ان نصرخ بأعلى صوتنا في المحافل القانونية لتحقيق العدالة والافراج عنهم بدون مماطلة لا داعي لها ولا مبرر لها. وما يعيشه اسرانا حالياً هو نوع من اشكال الحرب الاسرائيلية العنصرية ضد الانسان والحرية والوطن.

الضرورة العسكرية لا تبرر اي جريمة بحق النواب والوزراء

إن الاختطاف غير القانوني للاخوة الوزراء والنواب يعد انتهاكاً صارخاً للمواثيق والاعراف الدولية حسب نص المادة 147 بند (7) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 اولاً، واختطافهم كنواب في التشريعي ووزراء يخالف احكام ونصوص الاتفاقية الاسرائيلية الفلسطينية المرحلية – حول الضفة الغربية وقطاع غزة – في 28 / ايلول 1955، انظر الفصل الاول من الاتفاقية: المجلس من المادة الاولى وحتى المادة الثامنة, والتي منحتهم امتيازات وحصانات دبلوماسية وقضائية لا يجوز المساس بها. ثانياً: وبصفتهم نواب ووزراء لا يجوز لحكومة اسرائيل ان تتنصل من مسؤوليتها القانونية تجاه الاتفاقية المرحلية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي كشخصين مؤهلين من اشخاص القانون الدولي (الحكومة الاسرائيلية ومنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني) ....

فالقانون الدولي يعترف بالثوار كمحاربين اذا اقاموا نظاماً قانونياً مرتبطاً بالنظام الدولي، حيث أطلق القانون الدولي صفة اسير حرب حتى على المدنيين العزل، والغاية من ذلك هي ان يتمكن الخصم من تمييز (المحاربيين) من غير المحاربين، والاحتراس بالتالي من رجال المقاومة والثوار، طالما أنهم اختاروا الانسلاخ عن زمرة (غير المتحاربين) لينضموا الى زمرة (المحاربين) من جهة، والتمييز بين زمر الثوار التي تقاتل العدو بدافع من وطنيتها، وبين عصابات الأشقياء التي تقاتله بدافع السلب والنهب من جهة ثانية.

إذن ... فقد جرت الاعراف الدولية منذ القرن التاسع عشر على اعتبار القوات اللمتطوعة و"الشعب القائم في وجه العدو" حركات مقاومة شعبية منظمة، واعتبرت أفرادها بحكم المحاربين، وقضت لهم بكل حقوق المحاربين، عند الوقوع في الاسر أو عند الإصابة بالجراح، فحركات المقاومة الشعبية المنظمة تخضع لنفس القواعد التي تحكم الحرب الرية في القانون الدولي، وهي اتفاقية لاهاي لعام 1907، ولائحة الحرب البرية المرفقة بها، واتفاقية جنيف المعقودة في 27 / تموز / 1929, واتفاقية جنيف الرابعة المعقودة في 12 / اب / 1949, والاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م، فالنضال الوطني الذي خاضه ويخوضه النواب والوزراء ينسجم انسجاماً مطلقاً مع قرار الجمعية العامة 3246 (د. 9) 19/11/1974، وكان هذا القرار خاصاً بحق الشعوب في تقرير المصير والاسراع في منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة، وسمى فقرته السابقة شعوب افريقيا والشعب الفلسطيني بالذات، لذا، يمكن استنتاج التالي:

1. اختطاف النواب والوزراء من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي مخالف للاتفاقيات الموقعة بين م. ت. ف وحكومة اسرائيل.

2. اختطافهم يشكل مخالفة خطيرة للقانون الانساني الذي يضمن حماية النواب والوزراء زمن الحرب.

3. ان اختطاف النواب والوزراء يشكل بحد ذاته جريمة ضد الانسانية.

4. لا يجوز اخضاع النواب والوزراء للتحقيق والتعذيب، لأنهم ينادوا بحقهم المشروع في ازالة الاحتلال استناداً للحق الطبيعي والشرعي للشعب الفلسطيني وكذلك استنتاجاً لقرارات مجلس الامن 242 – 338 – 425 – 1397 – 1402 – 1403 – 1405.

5. يجب على قوات الاحتلال اطلاق سراحهم فوراً لعدم ارتكابهم اية مخالفة تتناقض واعراف وقوانين الحرب.

6. اختطاف النواب والوزراء وأخذهم رهائن، جريمة حرب وفق قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية وعلى وجه الخصوص:

أ‌- المادة الاولى من اتفاقية مناهضة اخذ الرهائن لسنة 1979.

ب‌- المادة الثامنة من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ت‌- قواعد القانون الدولي الانساني وخاصة اتفاقية جنيف لسنة 1949 وملاحقها.

ث‌- الاختطاف خرق للحصانة التي أقرت بها سلطات الاحتلال على ضوء اتفاقية واشنطن ملحق الانتخابات وتجدد الاقرار بالحصانة بالموافقة على الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر مع احترامنا لكل أبنائنا الأسرى، نتوقف عند واحد من رموز حركتنا النضالية المشروعة ضد الاحتلال الغاشم، وهو الأخ مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إضافة إلى كونه عضواً هاماً وبارزاً في منظمة التحرير الفلسطينية، التي وقعت مع حكومة اسرائيل جميع الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي تلزم الطرفين بالالتزام بالأعراف والقوانين الدولية، وحين تقوم قوات الاحتلال باعتقال الاخ مروان تكون قد تنكرت لكل القوانين الشرعية الدولية، والتزاماً بتلك القوانين فعلى الحكومة الاسرائيلية ان تطلق سراحه فوراً لعدم ارتكابه اية مخالفة تتناقض وأعراف وقوانين الحرب، وقد استعرضنا في الفقرات السابقة موقفنا من الاجراءات الغاشمة لقوات الاحتلال.

هذا الموقف الذي يستند الى القوانين والمواثيق والشرعية الدولية التي لا تجيز لحكومة اسرائيل ما قامت به وتقوم به ضد أبناء شعبنا، وخاصة من لهم حصانة دبلوماسية كالنواب والوزراء الفلسطينيين، وكل ما يمكن ان نقوله في هذا المجال: ان الشعب الفلسطيني ومنذ كارثة النكبة عام 48 وحتى الان ما زال يعيش في ظل النفاق الدولي ومصادرة الارادة السياسية العربية من قبل سياسة القطب الواحد، حيث ترك وحده في ساحة الصراع يتحمل سلبيات الشرعية الدولية المنتهكة جهاراً نهاراً وينطبق عليه قول الشاعر العربي:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء


الوضع الحالي للمعتقلين والاسرى الفلسطينيين

تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي ممارسة الاعتقال التعسفي والعشوائي لآلاف الفلسطينيين واخضاعهم للتعذيب والمعاملة القاسية واللاانسانية والحاطة بالكرامة وذلك خلافاً لاحكام المواد 83 – 96 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م.

وفي وقتنا الحالي لا يزال أكثر من أربعة ألاف وخمسمائة اسير فلسطيني يقبعون خلف القضبان في ثمانية وعشرين سجناً ومعتقلاً ومركزاً للتوقيف الإسرائيلي، وعليه تكون قوات الاحتلال الاسرائيلي قد اعتقلت منذ العام 1967 وحتى يومنا هذا ما يزيد عن 750 ألف أسير ومعتقل فلسطيني، وما زال غالبية المعتقلين الفلسطينيين يتعرضون لأساليب التعذيب المحرمة دولياً.

ودائماً ترد معلومات من العديد تؤكد تعرض معظم المعتقلين لاشكال مختلفة من التعذيب من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية، ويشكل ذلك انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة، والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من اشكال المعاملة القاسية واللاانسانية للعام 1984م.

وتمارس اسرائيل التعذيب كوسيلة رسمية تحظى بالدعم السياسي والتغطية القانونية التي وضعتها المحكمة العليا للاجهزة الامنية الاسرائيلية في العام 1996 بعد ان منحت جهاز الشاباك الحق في استخدام التعذيب واساليب الضغط الجسدي والمعنوي ضد المعتقلين.

وتقوم اسرائيل بنقل واحتجاز آلاف المعتقلين الفلسطينيين الى مراكز الاعتقال والسجون داخل اراضي اسرائيل وخارج حدود الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وهذا انتهاك للمادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على انه يحتجز الاشخاص المحميون المتهمون في البلد المحتل، ويقضون فيها عقوبتهم إذا أدينوا.

وتتنافى الاجراءات الاسرائيلية التي تهدف الى ابقاء ملف معتقلي قطاع غزة مع المادة 77 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم الدولة المحتلة بتسليم الاشخاص المحميين الذين ادانتهم محاكمها في الاراضي المحتلة، الى سلطات الاراضي المحررة.

بقلم الدكتور حنا عيسى أستاذ القانون الدولي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت