إن أفضل رد على المزاعم الإسرائيلية، باعتبار اليهود الذين هُجّروا من الدول العربية لإسرائيل لاجئين هو العودة إلى أرشيف الوكالة اليهودية، والأرشيف الإسرائيلي، وإلى كتاب "شلومو هيليل"، المسؤول عن تهجير يهود العراق، هذا الكتاب الذي صدر باللغة العبرية عام 1973، وباللغة العربية عام 1986، يعتبر وثيقة، إضافة إلى وثائق أخرى، عن نشاط الوكالة اليهودية لتهجير يهود العالم إلى إسرائيل، وهذا التهجير سياسة صهيونية مُعلنة، تشكل العامود الأساسي للحركة الصهيونية، إذ أنه لا استيطان دون هجرة، ولا دولة دون مهاجرين.
كتاب "هيليل"- وهو من مواليد العراق عام 1923 يحمل اسم: "رياح شرقية" وفي اللغة العربية: "شلومو هيليل" وتهجير يهود العراق"- يُعتبر وثيقة واعترافات صريحة، كتبه بطل تهجير يهود العراق، ويشكل نموذجاً لتهجير يهود المغرب، اليمن، تونس، مصر، ليبيا، الجزائر، سوريا، لبنان، ويهود الفلاشا، وغيرهم، أما تهجير يهود أوروبا فكانت تحت ذريعة إنقاذهم من براثن النازية، لكن الحملة الصهيونية التي أدت إلى تهجير أكثر من مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي السابق بين سنوات 1989-2000، فكانت من خلال تعاون صهيوني-أميركي تحت عنوان الخروج من دولة الستار الحديدي، والأوضاع الاقتصادية التي طالتها من خلال لعبة استعمارية، فأساليب التهجير كثيرة، هذا التهجير الذي يتم بالإغراء حيناً، وبإثارة الرعب وبتفجير القنابل التي تحدث أصوات مخيفة حيناً آخر، كما حدث في الكنس اليهودية في العراق، وإلقاء القنابل في الأحياء اليهودية، هذه القنابل التي لا تقتل، بل تثير الخوف لدى الجاليات اليهودية، لحملهم على الهجرة، حسب اعتراف وثيقة "شلومو هيليل"، الذي كلف بهذه المهمة.
إننا إذ نسوق هذه التفاصيل، لفضح وثيقة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" "هآرتس14-9-2012"، التي تضع مطلب تعويض اليهود الذين هُجّروا من دول عربية وإسلامية، كشرط لإنجاز أية تسوية مستقبلية لتحقيق السلام إضافة إلى اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة.
من جهتنا نرفض الربط بين حقوق الفلسطينيين، وبين المزاعم الإسرائيلية بحقوق المهجرين اليهود، وعشرات الاشتراطات الأخرى، وقد يخترعون اشتراطات لاحقة، وتحت عنوان "أنا لاجئ يهودي" و"العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية"، عُقد في القدس بتاريخ 9-9-2012 مؤتمر لبلورة التعويضات لمليون يهودي يزعمون أنهم اضطروا لمغادرة ممتلكاتهم في الدول العربية، منذ عام 1948، بينما يبلغ عدد المهجرين من الدول العربية وفقاً للموسوعة العبرية الحرة "600" ألف مهجر، نصفهم وصلوا إلى إسرائيل، والنصف الآخر إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حتى أن وزير الإعلام والشتات الإسرائيلي "يولي أدلشتاين" دعا في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ "20-9-2012"، إلى استغلال المظاهرات الإسلامية التي تجري في فرنسا، وفي العديد من دول العالم هذه المظاهرات المحتجة على الإساءة للرسول عليه الصلاة والسلام إلى تحفيز الجاليات اليهودية، التي تدعي تُعرّضها لممارسات لاسامية، للهجرة إلى إسرائيل، وهذا ما ينطبق على تهجير يهود الدول العربية والإسلامية، وبعد ذلك يدعون بأنهم لاجئون في محاولة مكشوفة لمقايضة اللاجئين الفلسطينيين وأملاكهم معهم.
الفلسطينيون طردوا من وطنهم والعالم شاهد على طريقة تهجيرهم البشعة، أما اليهود فقد هُجّروا كما أسلفنا، وبينما سمحت الدول العربية للمهجرين اليهود بالعودة إليها، تمنع إسرائيل اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة إلى وطنهم رغم القرارات الدولية، وللمساومة بين لاجئين فلسطينيين مقابل لاجئين يهود، يطالبون بمليارات الدولارات عن أملاكهم المزعومة.
إن من يقود هذه الحملة هو نائب وزير الخارجية الإسرائيلية "داني ايلون"، الذي يعترف بأن هذا الموضوع لن يكون تمريره سهلاً، ويقول صراحة أنه يريد ربط ما يسمى باللاجئين اليهود، بقضية اللاجئين الفلسطينيين، المعترف بقضيتهم من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ويقدر الجانب الإسرائيلي بأن خسائر وقيمة أملاك الفلسطينيين في تلك الفترة يقارب (450) مليون دولار، أما أملاك اليهود في الدول العربية، فحسب تقديرهم تبلغ (700) مليون دولار في ذلك الوقت، وقيمتها الحالية تصل إلى ستة مليارات دولار.
حملة وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أطلقت بتاريخ 2-9-2012 تحت عنوان أنا "لاجئ يهودي"، سبقها فتح قسم في الوزارة المذكورة، دعت من خلاله اليهود الذي هُجّروا من الدول العربية إلى توثيق ممتلكاتهم، وتوثيق شهاداتهم، حول ادعائهم بكيفية طردهم من بلادهم الأصلية، بسبب "يهوديتهم"، بعد أن "سُرقت" أموالهم، و"صُودرت" ممتلكاتهم، ونشر شهاداتهم على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" الخاص بالوزارة، تمهيداً للخطة الإسرائيلية لتحصيل حقوقهم، كما زعمت الوزارة، لكن هؤلاء المهجرين يعارضون علناً ربط حقوقهم بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، نجحت في ابتزاز الدول الأوروبية، بتعويضات سخية، بمزاعم أملاك اليهود، ومن خلال التأمينات، وعملهم في المصانع الكبيرة خاصة في ألمانيا، وأن معظم هذه التعويضات لم تصل لمستحقيها، بل ذهبت إلى الحكومة، وأنهم يريدون التعويضات لأنفسهم، إذا تم الحصول عليها.
إن صحوة "داني أيلون" ووزرائه التي جاءت في هذه الأوقات، لم تكن صدفة، بل جاءت-حسب تعليقات المحللين الإسرائيليين "يديعوت 3-9-2012"- للالتفاف على حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم عام 1948، أو إلى الذين تحولوا إلى لاجئين داخل وطنهم، وفي مقدمة ذلك إلغاء حق العودة، وهذه الصحوة تأتي مع محاولة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، التي دعت إلى وقف تمويل صناديق المنظمات الداعمة للاجئين الفلسطينيين، تمهيداً لشطب قضيتهم من جدول أعمال المجتمع الدولي، بينما قضية المهجرين اليهود، لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي ولا من جانب إسرائيل قبل هذه الحملة، التي تتعارض مع الرواية الإسرائيلية الرسمية، على مدار عشرات السنين، بأن هجرتهم لإسرائيل كانت "طواعية" لدوافع أيديولوجية صهيونية "هآرتس 16-9-2012".
بقي علينا القول أن "شلومو هيليل"، يعترف في كتابه أنه عمل على تهجير يهود سوريا ولبنان وإيران إضافة ليهود العراق، بعد هجرته لإسرائيل، حيث أنيط به منذ عام 1946 هذه المهمة، على رأس طاقم من المخابرات الإسرائيلية، وهو يروي بزهو قصص بطولاته في تهجير يهود العراق، وعودته لإسرائيل بعد انكشاف أمره في العراق، وهربه إلى إيران، ومنها إلى إسرائيل، حيث تدرج في سلم القيادة في الكيان الإسرائيلي، من العمل الدبلوماسي، إلى تعيينه وزيراً للشرطة والداخلية 1974-1977، ومن ثم وصل إلى رئاسة الكنيست عام 1984، معترفاً بقيادة تهجير يهود العراق، مكلفاً من قبل الوكالة اليهودية، مع أن السياسة العراقية الرسمية، تمنع هجرة اليهود، إلا أن من وسائل التهجير-حسب اعترافاته- عن طريق طائرات كانت تصل إلى مطار قديم غير مستعمل، على بعد 35-40 كم من بغداد يطلق عليه مطار "بعكوبا"، فهل بعد هذه الأدلة، التي هي غيض من فيض، يتجرأون وبوقاحة على اعتبار هؤلاء المهجرين لاجئين؟ فالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين مغلق، وفي كل يوم يضعون "مداميك" جديدة من الإسمنت لتعزيز إغلاقه، والفلسطينيون في ظل ما يسمى بالربيع العربي يعيشون في متاهة ومأزق يعجزون عن الخروج منهما، فالمطلب الإسرائيلي الجديد، لا سلام مع الفلسطينيين من دون اعترافهم بحقوق "اللاجئين" اليهود من الدول العربية، يزيد التعقيد تعقيداً، ومع أننا نعتبر فلسطين بكاملها حق لنا فهذا لا يمنع الجهات الفلسطينية المختصة، العمل على توثيق أملاك ومخاسر اللاجئين الفلسطينيين، من خلال تعبئة استمارات مرفقة بالوثائق إن أمكن، قبل انقراض أجيال النكبة، ليكون بين أيدي المفاوض الفلسطيني إحصائيات موثقة، عندما يحين بحث حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
التاريخ : 26/9/2012
مقال أسبوعي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت