ماذا ستخسر حكومة غزة؟

بقلم: مصطفى إبراهيم


تفاوتت تعليقات الاصدقاء على ما كتبته على صفحتي على الفيسبوك متسائلا اذا ما قامت وزارة الداخلية في غزة بفتح تحقيق حول منع أفراد من جهاز الامن الداخلي مصور قناة فلسطين اليوم الفضائية اسماعيل بدح من ممارسة عمله اثناء محاولته تغطية الحادث الاليم الذي راح ضحيته الطفل فتحي البغدادي في مخيم البريج، ومن ثم الاعتداء عليه بالركل بالأقدام والضرب من قبل أفراد امن يرتدون الزي المدني، ويحمل عدد منهم مسدسات، وصادروا منه الكاميرا التي اعادوها اليه في وقت لاحق من نفس الليلة.

وكان من المعلقين رئيس مكتب الاعلام الحكومي المهندس ايهاب الغصين الذي تسلم منصبه حديثا بعد ان كان ناطقا باسم وزارة الداخلية لسنوات، وقال: “صحيح استاذ مصطفى تم تشكيل لجنة تحقيق والوزير اكد انه سيعطي الاوامر لتنفيذ توصياتها دون نقاش”، واعتبرت وبعض الاصدقاء ان ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح للحد من الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيين.

وتفاوتت التعليقات لاحقا وكانت أكثر جرأة ونقداً للحكومة خاصة وزارة الداخلية وجهاز الامن الداخلي، وعبر غالبية الاصدقاء، وهم من اتجاهات سياسية مختلفة عن عدم ثقتهم وقناعتهم بجدية أي لجنة من لجان التحقيق من التي تم تشكيلها في الماضي في حوادث الاعتداء على الصحافيين او المواطنين.

ولم يكتفي الاصدقاء بذلك فقد شككوا في لجان التحقيق، وان أي نتيجة قد تصدر عن تلك اللجنة من دون الاعلان عن نتائجها وتوصياتها ونشرها في الاعلام، والإعلان عن محاسبة مرتكبي الاعتداءات بشفافية لن تكون ذات قيمة، وسوف تتكرر الاعتداءات.

الصحافيون في العادة لا يرغب عدد منهم في الحديث عن ما يجري معهم من انتهاكات وكشفها وتوثيقها لدى مؤسسات حقوق الإنسان أو التقدم بشكاوى للحكومة، ربما لعدم قناعاتهم بجدوى وجدية التحقيق فيها، أو خوفاً بسبب سطوة الرقيب الذاتي بدواخلهم أو أسباب أخرى معلومة وغير معلومة.

ومع ذلك يجب ان لا يصمت الصحافيين عن أشكال الاعتداءات التي يتعرضون لها، وبقدر ما يصاب الانسان بالإحباط والإحجام عن عدم جدوى التقدم بشكاوى ولجان التحقيق، بقدر ما يدفعنا الأمل الى التغيير وضرورة رفع الصوت عاليا في وجه الظلم والقمع والانتهاكات، وحق الناس بتقديم شكاوى ومتابعتها وعدم التفريط في حقوقهم حتى لو لم يقتنعوا بجدواها، فالشكوى مهمة للتصدي لانتهاكات حقوق الناس والتعدي على الحريات الاعلامية.

في غزة وقعت خلال العام الجاري والأعوام السابقة اعتداءات بالضرب على عدد من الصحافيين، وشكلت الحكومة لجان تحقيق، والحكومة لم تعلن عن نتائج التحقيق مع أفراد الأمن الذين نفذوا الاعتداءات على الصحافيين، وفي غزة تجد طرفا في حماس وحكومتها من يستنكر تلك الاعتداءات، والتدخل في حل بعض الإشكالات التي تعترض عمل الصحافيين.

ومع ذلك تفرض الحكومة رقابة على وسائل الاعلام والصحافيين، وتمنعهم من تغطية الاحداث الجارية خاصة فيما يتعلق بالشأن الداخلي، والحق في التجمع السلمي وما تفرضه من قيود ومنع للناس من ممارسة حقهم بالتجمع السلمي، والاحتجاج على ما يعانونه من هموم يومية وقصور الحكومة في تقديم الخدمات الضرورية لهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جرى في مخيم البريج عندما قمعت الشرطة والأجهزة الامنية التظاهرة العفوية من عدد من سكان مخيم البريج للتعبير عن غضبهم بعد وفاة الطفل البغدادي حجم الجريمة التي تكررت في مناطق مختلفة من القطاع.

الحكومة يضيق صدرها دائما من أي تململ وتحرك جماهيري ولا تسمح للناس بالتظاهر وفق ما ينص عليه القانون، ماذا ستخسر الحكومة لو تركت الناس يمارسون حقهم بالتظاهر والتجمع السلمي والتعبير عن غضبهم واحتجاجهم على سلوك افراد الشرطة او الامن او مطالبة الحكومة بتوفير الخدمات والحد الادنى منها؟

وماذا ستخسر الحكومة عندما تعلن عن نتائج التحقيق في لجان التحقيق التي تشكلها ووعدت اكثر من مرة بنشر نتائجها والإعلان بشفافية عن محاسبة ومحاكمة مرتكبي الاخطاء والانتهاكات بحق الناس والصحافيين المحميين بالقانون في ممارسة عملهم؟

في ظل التقدم الكبير في الحق بالحصول على المعلومات وتداولها، لم تعد الرقابة مجدية، ومنع الناس من التعبير عن ارائهم يكون الخاسر الوحيد منه الحكومة وحركة حماس، فالأصل ان تقوم الحكومة بإعلام الناس عن مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم بشفافية، وهي مدخل لإعادة الثقة للناس بالقانون، ومدى التزام الحكومة بتطبيقه.

29/9/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت