الفلسطينيون ومعركة الدفاع عن عروبة النقب

بقلم: علي بدوان


منذ النكبة، بدأت عملية التهجير القسري لمنطقة النقب جنوب فلسطين، ومع أوائل الخمسينات، كان أكثر من 90 ألف بدوي فلسطيني من أبناء منطقة النقب وعشائرها، قد أجبروا على الرحيل، وتحول معظمهم إلى لاجئين في المناطق المجاورة في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية، خصوصاً منطقة الخليل وضواحي القدس، وشبه جزيرة سيناء والأردن، وبنسبة أقل إلى سوريا. فقد لجأت غالبية بدو النقب إلى قطاع غزة، ونسبة أقل إلى الأردن وقد عرفوا بـ"السبعاوية"، فيما حطت أعداد منهم في التجمعات البدوية على امتداد الصحارى الشرقية للضفة الغربية، حيث ما زالت العشائر البدوية المهجرة

من بئر السبع وعراد جنوب فلسطين، تعيش في بيوت بدائية من الشعر والصفيح والبلاستيك، كتلك التي عاش فيها ضحايا النكبة جميعهم. وشكل أبناء العشائر من بدو فلسطين، نسبة لابأس بها من اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى سوريا ولبنان والأردن، من بدو الجليل والجليل الشرقي وغور طبريا وسهل الحولة في الشمال.

واستتبعت سلطات الاحتلال عمليات التطهير العرقي آنذاك، بالقيام بتجريد ما تبقى من البدو الفلسطينيين من ملكية الأرض، واتباع أساليب التهجير المنهجي الواسع، وصولاً إلى قرار "دولة إسرائيل" بعدم اعترافها بالحقوق العشائرية العرفية لملكية الأرض، حيث تتعامل إسرائيل مع أراضي البدو باعتبارها "أراضي دولة"، وسنت عددا من القوانين الجائرة، ومنها قانون الأراضي الذي يعتبر أن الأرض "لا تباع إلى الأبد"، وهي القاعدة التي وجهت المؤسسات الصهيونية المعنية بقضايا التهويد والمسماة بـ"الكيرين كيميت ليسرائيل"، لتطبيق سياسة "أنقاض الأراضي".

وفقا لهذا القول، تمت صياغة البند الأول في قانون ما يسمى "أساس أراضي إسرائيل"، الذي يمنع نقل الملكية لغير "الدولة والقومية اليهودية"، ويقول بأن "الملكية لا تنقل إن كان من خلال البيع أو بأي طريقة"، حيث الدولة هي "دولة القومية اليهودية" وكذلك هو شأن الأراضي. وبالتالي فإن العربي هنا خارج تعريف الانتماء القانوني والتاريخي للسيادة على الأرض،

ولا حق له على الحيز المنطقي والتخطيطي، وليست له دولة لأنه ليس يهوديا، ولا مواطنة حقيقية لأن المواطنة يهودية.

وباختصار شديد، يمكن القول إن عمليات ترحيل السكان (التطهير العرقي)، والتجريد من الأملاك والقمع، تواصلت من خلال نظام الحكم العسكري الذي سيطر على العرب الفلسطينيين، الذين تمكنوا من البقاء داخل حدود العام 1948 إلى العام 1966، حيث حوصر فلسطينيو الداخل، وتعرض أبناء النقب للحصار بشكل منهجي، وتم نقلهم قسريا وحشرهم في ما يسمى "منطقة السياج" الواقعة في الركن الشمالي الشرقي للنقب، مباشرة إلى الجنوب من الضفة الغربية، وفي مثلث واضح في المنطقة الواقعة بين مدن بئر السبع، عراد وديمونا. فحاول الصهاينة بذلك إبعاد وتشريد البدو من النقب من أجل زيادة السكان اليهود، لذلك حرم البدو من العرب الفلسطينيين من أبناء النقب من رخص البناء أو الاستقرار في المنطقة، واستمرت هذه السياسة منذ النكبة عام 1948.

وتعد منطقة النقب وعاصمتها بئر السبع، من المناطق الحيوية جنوب فلسطين المحتلة، نظراً لاتساع مساحاتها نسبياً، وقربها من مصر عبر مجاورتها لحدود طويلة مع منطقة سيناء، ومجاورتها لشريط جنوب الأردن، وإطلالها على البحر الأحمر من خلال فتحة مدينة أم الرشراش (إيلات) التي تعتبر جزءاً من منطقة جنوب النقب، فضلاً عن اكتناز المنطقة للعديد من الثروات الباطنية التي لم تصرح عنها إلى الآن سلطات الاحتلال، فيما يذهب العديد من المصادر لتأكيد وجودها، بما

فيها العناصر النادرة في الجدول الدوري الكيميائي كاليورانيوم وغيره. إضافة لذلك، تعد منطقة النقب من المناطق الرئيسية لتواجد القواعد الجوية الإسرائيلية، ومراكز التدريب والكليات العسكرية لجيش الاحتلال، إضافة لمفاعل ديمونا وملحقاته.

فقد انتشرت في قضاء بئر السبع المنشآت العسكرية والمستعمرات التي تحول بعضها إلى مدن كبيرة، مثل ديمونا وعراد، وإيلات، ونتيفوت، وافقيم، ويروحام، وسدي بوكر وغيرها. وفي هذا السياق، فان تأكيدات عدة صدرت من جهات مختلفة، أشارت إلى أن الجيش الأميركي نصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية في منطقة صحراء النقب، في مهمة توفر الحماية الجوية من الصواريخ التي قد تطلق في اتجاه الكيان الصهيوني، ومواجهة طائرات خفيفة أو طائرات من دون طيّار. وأوضحت تلك المصادر أن المنظومة الدفاعية مرتبطة بالسفن الأميركية في المنطقة، التي تحمل صواريخ مضادة لصواريخ أرض ـ أرض الباليستية. ووفق التفاهمات الأميركية المعلنة مع إسرائيل، فإن المنظومة ستبث إشارات في حال رصدها لصواريخ "معادية"، إلى السفن الأميركية في البحر المرتبطة برادار سلاح الجو الإسرائيلي، ليتمكن "الجيش الإسرائيلي" من اعتراض الصواريخ وفق اختياره.

في الاستخلاصات الأخيرة، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون على مستوياتهم المختلفة، بإثارة ومواجهة عمليات الاستيطان الاستعماري الصهيوني الجائرة التي تجري فوق الأرض المحتلة عام 1967، فإن عجلة الاستيطان والتهويد

الإسرائيلية الصهيونية، تواصل تقدمها داخل مناطق الاكتظاظ والتواجد السكاني العربي في فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً في مناطق الجليل والمثلث والنقب، حيث تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية للانتقال إلى خطوة نوعية جديدة في هذا المسار، من عمليات التهويد نحو استكمال خطة خلخلة الوجود السكاني العربي. فالمساحات الشاسعة جداً من أراضي الجليل والنقب، هي أراضٍ عربية مصادرة منذ عام النكبة، وجرت مصادرتها في إطار سياسة الاضطهاد القومي الصهيونية العنصرية ضد المواطنين العرب، حيث سنت "دولة إسرائيل" من أجل ذلك، أكثر من أربعين "قانوناً" غير شرعي منذ العام 1948.

وعليه، فإن معركة الدفاع عن الوجود العربي الفلسطيني في منطقة النقب، معركة فاصلة على ما تبقى من أراض عربية داخل حدود عام 1948، بعد أن نالت المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية ما نالته من أراضي الجليل شمال فلسطين، ومنطقة المثلث وسط فلسطين، والمدن الساحلية في الماضي. وهي معركة تعني كل فلسطيني، كما تعني كل عربي، وكل أحرار العالم وقوى الديمقراطية والعدالة والسلام. إن أهلنا وشعبنا الصامد داخل حدود 1948، يخوضون معركة الوجود العربي والفلسطيني ويقارعون السلطات الصهيونية التوسعية بلا كلل، وبكفاح منقطع النظير.

المصدر: صحيفة البيان الإماراتية علي بدوان

التاريخ: 28 سبتمبر 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت