قف أيها التاريخ لحظة لنقول، ليس فقط الحقيقة، بل لنقول سفر التأصيل في لحظة انقشاع التضليل عن العقول، ولحظة إصلاح كتاراكت العيون لتعود حدة البصر الفلسطيني ترى على الأرض ما ينفع الناس وما لا ينفع الناس.
هي أزمة وطنية وحزبية كشفت بظهر الغيب أن الطريق كانت ولازالت رغم وعورتها لفتح، وأن فتح هي فلسطين وأن فلسطين هي فتح.
لم يعد في هذه الفتح، في الظاهر والباطن، ما يغري الآخرين في البحث عما يفيد الذات من مكاسب، ولم يعد فيها مغانم، بل تطفو على السطح المغارم، ولكن، هي لمن يرى بعين فلسطينية نقية الإحساس والمعنى، وحنكة الماضي والمستقبل، وما يتحرك في الوجدان وما يترجمه اللسان، لكل من هو فلسطيني أصيل حمل فلسطين هماً، وجعل من قضيتها شرفا تدنو إليه نفوس الطيبين الأقوياء، وليس الطيبين البلهاء في رحلة استعادة بوصلة القيام، ولمن هو صاحب قضية نقول.
انكشف الطابق بكل تفاصيله، وانكشف القادر وغير القادر، وانكشف الهاوي من المحترف، وعاد الفلسطيني المتسلح بوعيه الوطني يقرأ الأوراق، صدمته فتح، ليس فقط بماضيها، بتاريخها، بشهدائها، بأسراها، بجرحاها، بسياساتها، بنضالها، ليس بكل هذا، ولكن فقط بما هُدم وما يجري هدمه مما بنته هذه الفتح في نصف قرن مضى.
الوعي الخالص نحو قضيتنا الوطنية يفيد بأن الفتح كانت تبني أينما حلت، ولم تهدم مطلقا.
فتح كانت تبني في عقول الفلسطينيين قضية، وتبني في مكان تواجدها مؤسسة، قد نختلف على مدى نجاعتها، ولكنها، كانت تبني ولا تهدم، فتح بنت في الاعتبار والمعنى شجون شعب شرده الاحتلال فأصبح مقاتلا، وأصبح صاحب قضية، فتح بنت في الذاكرة جبال من التراث ما واجه الأعداء بأننا شعب له تاريخ، فتح بنت في المحافل الدولية اسما صار محفورا ومنطوقا بفلسطين، فتح بنت في كل دولة ما تيسر من تمثيل، كنا أحيانا نستهين به، فتح بنت في القدس بيوتا وفي سائر أرضنا مشاعل تغرس في الأرض كي لا تضيع الأرض في بطن الاحتلال، فتح شقت طرق، وبنت مدارس، وبنت جوامع، وبنت جامعات، وبنت نوادي، وبنت مؤسسات، وبنت مقار لوزارات، وبنت مقار للأمن، والجيش، وبنت عائلات بوظائف، ورغم عدم الرضا عما أخطأت فيه إدارتها، لكنها لم تهدم، كانت فتح بناءة لكل ما قام في الوطن رغم كل شيء.
الآن ونحن نرى ما آلت إليه أمور فلسطين من هدم كل شيء، ومحاولات تصفية القضية من أطراف عدة، نكتشف الجهد الكبير الذي فعله الفتحاويون الفلسطينيون الوطنيون لهذا الشعب، وعلى هذه الأرض.
نعم كان هناك ارتباك في المسار، واجتهاد في الحوار، لكن، هذا إلى حد ما، لم يلوِ عنق الشعب الفلسطيني، ولكنها الفتح واصلت البناء ولم تهدم، إلى أن جاء خلل البناء الداخلي ليعصف ببناء الفتح البناء، ويهرول البنائين عن السقالات في حمية طوشة المتعبين من حمل البناء، فقد اختلفوا على أجرة الوطن، وهنا كانت موجة السهو الكبير، اهتز بناء البنائين ولكن مع اهتزاز البناء الداخلي فتحت أبواب الرزق لمن يتصدون لبناء الوطن فلم يحسنوا صنعا، وعاد الجميع مدركا أن الفتح لن تموت، ولكنها تخلق من جديد. لماذا؟
لأن فتح حاجة للجميع، ولأن الآخرين، إما نائمين، أو، غير قادرين على حمل القضية وسقالاتها، وتوقف الزمن الفلسطيني ينتظر نهوض فتح، وإرادة فتح، وعمال فتح، وأن لا شيء يمضي في هذا الوطن بدون فتح، وعاد الجميع ليعرف قيمة فتح، وأن لا فلسطين بدون فتح، ولكنهم لا يريدون الاعتراف خجلا أو مكابرة.
أنا هنا أعترف، وأنا بكامل قواي العقلية، وفي محنة فتح الطاحنة، وليس بها كما قلت مغانم، أو، ما يغري، لمن أراد الوطن وظيفة، أو، منصبا، أو، ثروة من مال، أو جاه، كما رأينا من هذه القشور التي كادت تطيح بقضيتنا ووطننا. إن فتح يجب أن تنهض، وجاهل كل من أراد أو يرد دمار فتح، وملعون بلعنة الوطن والقضية من لا يساعد في نهوض فتح ..
سؤالي البسيط لكل المكابرين والانتهازيين ومن اختلفوا على أجرة الوطن، هل من أمل لديكم الآن وفي هذه اللحظة بدون فتح قوية ؟
إن الصراع مع إسرائيل يبدأ بفتح وينتهي بفتح، ومن هو واهم في غير ذلك فليأخذنا إلى المستقبل وتقرير المصير إن كان قادرا على ذلك، وغير فتح قد غرقوا في شبر ماء. وعلى الفتحاويين معرفة دورهم من جديد فالقضية والشعب في انتظار هذا الدور الذي ظهر جليا بعد الانكشاف الكبير لكل المبصرين.
29/9/2012م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت