نابلس – وكالة قدس نت للأنباء
إرتدى ملابسه وهم أمره وسار إلى أرضه مستأنسا مع عائلته... وبفرح أنجز المسافة...جفف عرقه المتصبب من جبينه ولملم قوته وبدأ العمل في لملمة الحجارة لتكون معشوقته "أرضه" كما يريدها نظيفة من كل شيء ...وصل إلى قمة سعادته مع أفراد أسرته... من أعلى الجبل شاهدهم ... وقال أنا لهم... وإذا بمجموعة تحيطهم من كل الجهات ...تعكر المزاج وعلت الأصوات, يشتمونه بألفاظ قبيحة ويركلونه ويتوعدونه بعقاب أكبر إذا صادفوه مرة ثانية داخل حدود أرضه ...
قاوم وحاول الإفلات...تمرد ورفض، ليكون مصير المواطن الفلسطيني أكرم عودة من بلدة "قصرا " جنوب نابلس شمال الضفة الغربية، التكسير والتجريح ليفقد القدرة عن التحرك... حاول النهوض إلى أن غرقت روحه في غيبوبة ليجدها تصرخ من شدة الألم في أرجاء المستشفى..
توجهنا إلى حيث مكان وجوده , أشار لنا موظف الإستقبال على الغرفة التي يتواجد فيها , وكلما إقتربنا أكثر تلتقط أذناي صرخات من الأعماق إلى أن تأكد لي أن هذا صوته المتحشرج ولم أسمع سوى التأوهات,أخيرا وصلت فدخلت غرفته لرؤيته والإستماع لحادثته التي جعلت منه إنسانا عاجزا, هالة من الحزن تلف المكان.
كان أفراد أسرته يتحلقون حول سريره كصخور صامته ينبثق منها الماء بسخاء لا يقطع ذلك السكون سوى صوت تمتمات تدعو بالرحمة والشفاء ,لإبنهم أكرم, لم يسمح له الألم الحديث معنا لتكون إجابته إخواني كانوا معي, فهمنا أنه لا يستطيع التحدث من شدة الألم, فاصطحبنا أخته سامية إلى مكان آخر وأخذت تحدثنا بصوت حزين قائلة": خرجت أنا وإخواني الثلاثة وزوجاتهم وأبنائهم بعد صلاة العصر إلى أرضنا من أجل إستصلاح وبناء الاسوار الحجرية التي تعرف باسم "السناسل" "السناسل" والتي دمرها المستوطنون بتاريخ 8/9/2012 فعاثوا في الأرض فسادا وخربوا ما بنيناه" ..
صمتت ..وبتنهيدة حارقة عادت سامية تكمل قائلة":أثناء تواجدنا في الأرض بتاريخ 15/9/2012 وفجأة هاجمنا 7 مستوطنين من مستوطنة " باسلطة " وأخذ إخواني الذكور بحمايتنا وحماية الأطفال ,هربنا وتركناهم بمواجهة المستوطنين, عشنا ساعات من الخوف. وقلبي ضل معلقا عند إخواني إلى أن جاءني خبرا أن أكرم مصابا, أجهشت بالبكاء ولم تستطيع مواصلة حديثها معنا.
ليكمل أخيها هيثم قائلا :"كان ثلاثة مستوطنين يراقبوا فينا من أعلى الجبل إلى أن تجمهر عددا منهم وهجموا علينا كالوحوش, كانوا يرتدون لباسا موحدا ولونه أبيض, ومنهم من يحمل السلاح , وعند إقترابهم منا كانوا يصرخون بوجوهنا لكي نخرج من أرضنا , رفضنا وصممنا على البقاء, فقاموا بخلع "بلايزهم" ولف رؤوسهم بها وأصبحوا كالملثمين, وأخذوا بشتم الإله والرسول صلى الله عليه وسلم وشتمنا, ومن ثم قام عددا منهم برشقنا بالحجارة, وآخرون يقومون بحراستهم، يحملون السلاح، وطخوا بالهواء من أجل تخويفنا وطردنا من أرضنا "
فجأة توقف عن مواصلة حديثه وكأن لسانه إنعقد, وتجمدت دمعة قاسية حزينة في بؤبؤ عينه لم يعد بإستطاعته النظر في وجهي... تنفس بعمق وبلع ريقه المتحطب ... يتنهد ويزفر بأسى .. يلملم شتات قوته ليعود مرة أخرى قائلا": كان همنا أطفالنا ونساءنا, وبعد أن قمنا بحمايتهم وتأمين الطريق لعودتهم إلى البيت, بقيت أنا وإخواني ما يقارب الساعة, ونحن متشابكون معا بالحجارة, وأخذ الخبر ينتشر بالبلدة فجاء شباب من البلدة لحمايتنا, ومن ثم حضر الجيش وأصبح بدوره يحمي المستوطنين, فقاموا بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع من كل جانب وبدون رحمة فتفرق الجمع, وأكرم لم يستطيع على إستنشاقها , فكأنه أصبح بدون وعي وأخذ بالسير دون معرفته إلى أين سيصل , وإذا بمجموعة من المستوطنين يتربصون له فمسكوه وضربوه ضربا قاسيا".
ويقول هيثم :"حاول أخي الإفلات منهم ولكن دون جدوى كما أخبرني , لتأتيه ضربة على رأسه "بماصورة" من الحديد وتكسير يده, ليفقد وعيه, وبقينا نبحث عنه لمدة ساعة في كل المنطقة وكان الظلام قد حل", ويضيف "رحمة الله واسعة والتي رحمت أخي, إتصلنا على جواله كثيرا ولكن بعد فترة رد جواله ليقول لنا أين أكرم موجودا, فذهبنا إليه فكان في حالة يرثى لها وأخذناه إلى المستشفى وهو يعاني من كسور في العظم في يده اليسرى , وعينه اليمنى تعاني من ضربة وكذلك رأسه ", وتم إجراء عملية ليده ونحن بإنتظار شفاءه وعودته إلينا ولأسرته سالما, وينهي هيثم حديثه قائلا": بالرغم من كل هذا سنبقى صامدون في أرضنا ولن نسمح لهم بإستيلائهم عليها ".
تقرير:عهود الخفش