صياغة اولية في مراجعة الزامية لحماية الحقوق الثابتة لشعبنا

بقلم: بسام الصالحي


في كل يوم جديد تعتمل في النفس والفكر جملة كبيرة من الاسئلة والقضايا ،وفي كل لقاء مباشر مع الناس على مختلف انتماءاتهم او مواقعهم الاجتماعية يثور السؤال الدائم :ما العمل ؟ وما هو الدور الذي تضطلع به القوى السياسية في الاجابة على جملة التحديات السياسية والوطنية الكبرى من جهة ،اواليومية الاقتصادية والمعيشية المباشرة من جهة أخرى؟ ويطغى على معظم هذه التساؤلات الخوف العام على مستقبل القضية الفلسطينية ،وتزايد عبء الهموم والاولويات الخاصة لهذا الجزء اوذاك من ابناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ،ولهذا القطاع او ذاك من فئاته وطبقاته الاجتماعية ،واما المشترك الوحيد في ذلك فهو عدم الرضى والشعور بالاهمال والتهميش ،والعجز عن مجابهة التحديات التي جوبهت في مراحل مختلفة استنادا إلى العزيمة الابداعية الخلاقة للشعب الفلسطيني باسره.

هذا الوضع غير المسبوق يمثل مظهرا للازمة الشاملة والتي لا بد من الاعتراف بها والسعي الجدي لمعالجتها ،وهي ازمة ناجمة عن واقع استمرار الاحتلال والتوسع الذي رافق المشروع الصهيوني في فلسطين ،واجهاض اقامة الدولة الفلسطينية التي تضمنها قرار التقسيم رقم 181 وتهجير غالبية ابناء الشعب الفلسطيني خارج وطنهم ،ثم احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 ، وتتفاقم هذه الازمة نتيجة استمرار تراجع الواقع الداخلي الفلسطيني الذي يشهد عجز انجاز مشروع التحرر الوطني،والخشية على هذا المشروع بسبب استمرار الانقسام والنزعة الفئوية الطاغية التي تسم رؤية وسلوك حركة حماس ،والذي شهد ايضا العجز في الحفاظ على ادارة موحدة للسلطة الفلسطينية المحدودة والمكبلة ،وعلى قدرة هذه السلطة على تلبية ما يتوقعه منها جمهورها من احتياجات وخدمات كانت قد ادعت قدرتها على تحقيقها ،بحيث باتت تغرق في التبرير وفي العجز وفي ضعف المصداقية والثقة من قبل جمهور مواطنيها.

ومع شديد الاسف فان غالبية المعالجات التي طرحت لمجابهة هذه الازمة ظلت ذات طابع محلي او تاكتيكي او تبريري ،وتناولت في مجملها التعامل مع االقضايا من زاوية ضغط الواقع اليومي المباشر او الطابع الجزئي والمحلي الذي فرضه واقع التجزئة الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بصورة متجددة ومدمرة كما لم يكن عليه منذ نكبة 1948.

ان الحقيقة المرة التي لا بد من مجابهتها تتلخص في ضرورة اعادة تاكيد البدهيات التي غابت ،وفي المركز منها ان جوهر القضية الفلسطينية يقوم على انجاز حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ،وان ذلك يفترض بالضرورة انهاء الاحتلال وضمان حقوق اللاجئين ،وان استمرار واقع من التعايش بين الاحتلال من جهة وبين سلطة وطنية من جهة اخرى لا يمكن ان يتحقق لان احدهما هو نقيض الاخر وليس مكملا له ،كما ان بدهيات الامور تؤكد ان انجاز مشروع التحرر الوطني هو واجب الشعب الفلسطيني باسره وانه لا يمكن ان يكون مشروعا جزئيا لمكونات الشعب الفلسطيني رغم تباين وخصوصية ساحات ومواقع تواجد هذا الشعب وبالاخص منها في الارض المحتلة ،الامر الذي يضع في مقدمة الاولويات ترسيخ وحدة ا لشعب الفلسطيني دفاعا عن حقوقه المشروعة.

ان انبعاث الوطنية الفلسطينية الذي قادته منظمة التحرير الفلسطينية بعد النكبة وتمثيلها لحقوق الشعب الفلسطيني كان خلاصة لتكامل طاقات ومساهمات ابناء الشعب الفلسطيني في ساحات تواجدهم المختلفة ،ولذلك فان استعادة هذا العنصر اليوم تعود لتطغى على سلم اولويات أي مشروع نهضوي جديد لبعث الوطنية الفلسطينية بعد ان غرقت في المحلية والتجزئة ،فباتت مشاريع كيانات مهزوزة ومبعثرة ،فاي صيغة لكيانية خاصة في غزة حتى ولو بمسمى دولة لن تحقق هدف الشعب الفلسطيني المنشود ولن تحرر قطاع غزة بل ستبقيه رهينة الاحتلال وستفرض عليه طبقة سياسية اجتماعية جديدة من المنتفعين ،وكذلك الامر في أي مشروع خاص في الضفة الغربية او ما تبقى منها ،ولذلك لا بد من الاعتراف صراحة ان مشروع التحرر الوطني لن يكون نتيجة تراكمية لاداء السلطة الفلسطينية مهما كانت درجة هذا الاداء ،بل انه نتاج انهاء الاحتلال بكل تجلياته عن الارض الفلسطينية .

ان هذه المتلازمة بين وحدة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني التحرري القائم على حق تقرير المصير ،هي مفتاح استعادة المبادرة لحركة الشعب الفلسطيني التحررية وانه في سياقها فقط يمكن استعادة التوازن في معالجة التحديات الكبرى التي تواجه شعبنا وحقوقه في ظل عالم اقليمي يتغير بسرعة وفي ظل جغرافية سياسية جديدة ترتسم في الاقليم وعلى المستوى الدولي.،وان التكامل بين استثمار ما كفلته قرارات الامم المتحدة والقانون الدولي من حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني من جهة وبين ما حققته منظمة التحرير الفلسطينية من اعتراف وتمثيل لهذه الحقوق من جهة اخرى يصبح حجر الزاوية في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة التي يعيشها شعبنا .

غير ان ذلك يعني بوضوح تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وانتشالها من حالة الجمود والتكلس الذي تعيشه مؤسساتها وهيئاتها المختلفة ،واعادة الاعتبار بصورة اكبر إلى مضمون برنامجها الوطني والديموقراطي ،ومتابعة ذلك البرنامج الذي عبرت عنه وثيقة الاستقلال بوجه خاص .

ولا بد في هذا السياق من الاشارة إلى ان في سلم الاولويات المطروحة امام الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير اجراء مراجعة على الرؤية الفلسطينية لحل القضية الفلسطينية في ظل تزايد الحديث عن انهيار حل الدولتين .

لقد ارتكزاعلان الاستقلال الفلسطيني الذي يمثل المرجعية الاساس في التناول الفلسطيني لحل الدولتين بوضوح لا لبس فيه على مرجعية قرارات الامم المتحدة ،وبشكل خاص على قرار التقسيم 181،الذي تضمن اقامة الدولة العربية في فلسطين والتي حدد حدودها بحوالي 44% من مساحة فلسطين واوضح شكل علاقاتها الداخلية كما حدد حدود دولة اسرائيل بحوالي 54%من مساحة فلسطين وشكل علاقاتها الداخلية بالاضافة إلى انه افرد وضعا دوليا خاصا للقدس والاماكن الدينية ،كما حدد طابع العلاقات والروابط الاقتصادية بين الدولتين.

والى جانب اعلان الاستقلال فقد اعلنت منظمة التحرير قبولها بالقرارين 242و 338 ،والاعتراف باسرائيل ،ونبذ العنف ،كاستجابة لمطالب الاسرة الدولية من اجل بدء عملية سلام انتهت إلى الفشل الذريع بسبب استمرار الاحتلال والاستيطان ورفض اسرائيل تنفيذ القرار 242 و اجهاض اقامة دولة فلسطينية متواصلة في الضفة والقطاع ، وقد اظهرت خطة شارون استراتيجية اسرائيل الرامية إلى تجزأة وتكريس الفصل بين مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال تنفيذ انفصال دولة الاحتلال عن الشعب الفلسطيني ،في ظل استمرار الاحتلال والسيطرة على الارض والموارد والاجواء والمعابر ، ورسم علاقة جديدة لاستمرار الاحتلال دون مسؤولية او تواصل مباشر مع الشعب المحتل ،وفي ظل استغلال فاصل الطرق بين الضفة والقطاع وسياسة الفصل والجدار لاعاقة التواصل بين مكونات الشعب المحتل ذاته، وتستغل إسرائيل حالة الانقسام الفلسطيني المدمر للمضي في تنفيذ مشروعها الرامي الى القضاء على امكانية اقامة الدولة الفلسطينية و إلى اعاقة انفتاح وترابط علاقات الشعب الفلسطيني والى تكريس تجزأتها في شبه كيانات عاجزة ومنفصلة ومشوهة وذات ارتباط اقليمي موضوعي بالجوار العربي وهي عمليا بذلك تصفي الحساب مع اهم مكتسبات النضال الفلسطيني المعاصر ،وتتجاوزها إلى هدف اسقاط المرجعية القانونية التي تضمنتها قرارات الامم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية.

ان استمرار ذلك ينسف بكل تأكيد مشروع الحل القائم على اساس تنفيذ القرار 242 وهو اساس عملية السلام التي بدأت في مدريد عام 1991 ،كما ينسف ما تلاها من اتفاق اوسلو وملحقاته ويطرح تحديا خاصا حول مستقبل السلطة الفلسطينية ذاتها التي عليها في كل الاحوال تركيز اولوياتها من خلال سياسات و اجراءات تعزيز الصمود الوطني ومساندة الكفاح الشعبي لانهاء الاحتلال ،كما انه ينسف ضمنا رسائل الاعتراف المتبادل التي رافقت هذا الاتفاق،ولكنه لا ينبغي باي حال من الاحوال ان ينسف التمسك الفلسطيني بالقرار 181 وكل ما تضمنه هذا القرار بالنسبة لحل القضية الفلسطينية وبوصفه المرجعية الاساس لحل القضية الفلسطينية وفقا لقرارات الامم المتحدة .

ان اعلان الاستقلال الفلسطيني الذي حظي باجماع قوى منظمة التحرير الفلسطينية وبات يمثل الميثاق الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1988 ،يمثل المرتكز الابرز للربط بين مرجعية القرارات الدولية وبالاخص منها قرار التقسيم وبين برنامج الحركة الوطنية الفلسطينية ،ولذلك فان الاجابة على تحديات المرحلة الراهنة في استئناف كفاح الشعب الفلسطيني يجب ان تنطلق من هذا الاعلان ،ومن حقيقة ان القرار 181 اعطى شرعية متساوية لاقامة دولتين في فلسطين ،وبالتالي فان الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية قائم في اساس الاعتراف بدولة اسرائيل ،وان على المجتمع الدولي واجب تنفيذ قراراته وضمان اعتراف متبادل بالدولتين ،وليس حصره في الاعتراف الفلسطيني بدولة اسرائيل،وهو ما يستوجب التفريق بين ضرورات الاعتراف المتبادل استنادا إلى قرار التقسيم وهو في هذه الحالة وبغض النظر عن عدالة قرار التقسيم ذاته يجعل دولة اسرائيل ودولة فلسطيني جزءا من الشرعية الدولية ،وبين اعتراف فلسطيني باسرائيل لا يمكن ان يستمر على اساس الاحتلال والتوسع والتمييز العرقي وفي ظل التنكر لاقامة الدولة الفلسطينية وفقا لذات المرجعية القانونية التي اوجبت الاعتراف باسرائيل.

ان اسرائيل التي دفعت القضية مجددا إلى مرتكزاتها الاولية سواء في اصرارها على يهودية الدولة او على ترسيم الحدود من طرف واحد وفقا لمشروعها التوسعي الاصلي ،او من خلال رفض تنفيذ الاتفاقات الموقعة ،انما وضعت الشعب الفلسطيني مجددا ليس فقط امام تحديات ومعاناة هذا الواقع الاحتلالي الكولنيالي الاسرائيلي وانما ايضا امام مراجعة الزامية تستند في الجوهر إلى جذور هذا الصراع ومنطلقاته،والى التمسك بمبدأ التبادلية في كل ما يتضمن التسوية التاريخية المنشودة لهذا الصراع وذلك على اساس مرجعية قرارات الامم المتحدة التي تكفل حقوق الشعب الفلسطيني وليس على اساس سياسات الامر الواقع التي تفرضها اسرائيل على الارض .

ان خلاصة القول هنا انه بغض النظر عن كل مساعي اسرائيل لاجهاض حل الدولتين فان من المحظور على شعبنا الفلسطيني اسقاط مرجعية حقه المكفول دوليا باقامة دولته وفقا للقرار 181 ،بل انه من المشروع اعادة النظر بصياغة البرنامج السياسي على اساس التمسك بتنفيذ هذا لقرار والاستناد اليه في معالجة قضايا الحل النهائي، كما ان من المشروع مطالبة الامم المتحدة بتشكيل يونسكوم 2 من اجل تنفيذ هذا الحل الذي يمثل المرجعية الاهم لقرارات الامم المتحدة الخاصة بحل القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين.

ان هذه القضية وغيرها يجب ان تكون محور بحث معمق من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي لا بد من المباشرة في اعادة تشكيل وانتخاب مجلسها الوطني الفلسطيني من جهة ،وفي رعايتها من جهة اخرى لعقد مؤتمر وطني فلسطيني شامل بمشاركة كافة نخب الشعب الفلسطيني الفكرية والاقتصادية والاجتماعية في كافة اماكن تواجد الشعب الفلسطيني دون استثناء ، بالاضافة إلى القوى والفصائل الفلسطينية وذلك من اجل بحث سبل متابعة تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني التحررية ،ومستقبل مصالحه العليا في خضم التغييرات الاقليمية والدولية ،ورسم الاستراتيجية التي تضمن تحقيق اهدافه التي تضمنها اعلان الاستقلال بوصفه المرجعية الابرز للربط بين الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وبين الطبيعة الديموقراطية والاجتماعية و المدنية للدوله الفلسطينية المنشودة ونظامها السياسي ،بما في ذلك تشكيل او انتخاب مجلس تأسيسي لهذه الدولة.

ان الحقبة الخاصة باتفاقية اوسلو قد انتهت عمليا باصرار اسرائيل على استكمال احتلالها الذي بدأته عام 1948 وعلى تجديد الصراع بكل مكوناته ،غير ان الحقبة الخاصة بحركة الاستقلال الفلسطيني لا بد من تجديدها استنادا إلى اعلان الاستقلال بكل مضامينه الوطنية والديموقراطية ،وعلى اساس المرجعية الواضحة للقرارين 181 و194 واستنادا إلى حقيقة وجود الشعب الفلسطيني كشعب ذي هوية وطنية وقومية ،وكشعب يناضل من اجل تقرير مصيره ،ومن اجل انهاء الاحتلال الكولونيالي عن أرضه.

10-10-2012


النائب بسام الصالحي

الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت