هي ليست فلسفة مغرقة في العدمية كما يحلو للبعض أن يصفها، هي قراءة بعين المراقب الذي يحق له القول أن بناء الأوطان وخاصة التي تتوق لحق تقرير المصير لا يتم بهذا الشكل من الفعل الذي يزيد من الطين بله.
الحذر كل الحذر من الانسياق وراء أصحاب الأقلام المذهبة والحناجر التي تعزف اللحن الواحد محاولة إقناعنا أن شعبنا على أبواب مرحلة جديدة من الأداء الديمقراطي الذي امتشق القانون الانتخابي الجديد الضامن للتعددية وحقوق الأقليات، هذا الادعاء لا يمت للحقيقة ولا يقترب منها بل هو انغماس في تضليل الشارع الفلسطيني الذي أرهقته السياسات السلطوية والانقسامات الأفقية والعمودية والوعود الكذابة التي يسوقها له من اعتقدوا أنهم امسكوا الدفة.
من المهم أن نعترف بالحقيقة التي تقول أن السلطة الفلسطينية لعبت دورا أساسيا في ضرب البنية المجتمعية الفلسطينية لتنسف بذلك الثقافة التي اعتمدت المصلحة العليا للشعب الفلسطيني من خلال تعزيز العشائرية والعائلية السلبية، ولم تكن هذه السياسة عفوية بل كانت ضرورة للسيطرة على الشعب الفلسطيني من خلال إحلال التشظي والعنصرية وتعزيز الذاتية لدى المواطن الذي رأى بوضوح سقوط ورقة التوت عن الأحزاب السياسية التي راق لها الانخراط باللعبة والمقصود هنا أحزاب المعارضة التي حملت العصا من النصف لتصبح كمن وقف بنصف السلم.
بلمح البصر أدرك المواطن المغلوب على أمرة مضمون اللعبة، وبسرعة غير متوقعة جاء الانقلاب الأول المتمثل بالانقسام السياسي الذي يعتبر انقلاب غير مقدس على الشعب الذي دفع ثمنه ولا زال ، ولا بد من الأخذ بالاعتبار أن أصحاب الانقسام تذوقوا المكاسب التي أغدقها عليهم الوضع الجديد وتأقلموا مع الحالة رغم المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب.
كان للانقلاب الأول نتائج مأساوية تمثلت بالموت الغير رحيم للشعب الفلسطيني سواء سجون الاحتلال وعلى الحواجز والأنفاق في غزة والموت احتراقا بسبب الشموع التي يفترض أن تضيء لهم الظلام، ولقد وصل الأمر لموت أطفالنا في برك المجاري وتتوجت المعاناة ليخرج الشباب الفلسطيني ومنهم من قضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي سنوات ليشعل النار في نفسه احتجاجا على الحالة الفلسطينية التي جردت شعبنا من كل أسلحته باستثناء سلاح التسول للحصول على الحقوق الوطنية.
في خضم هذا الوضع المتردي الذي عبر الشعب عن رفضه له بالخروج للشارع احتجاجا على السياسات الاقتصادية والأداء السياسي جاءت الانتخابات المحلية لتكتمل الحلقة، وكان للنظام الانتخابي الجديد المسمى سانت لوغى دورا مركزيا لتعزيز هذا التردي نظرا للواقع الديمغرافي والمجتمعي الفلسطيني الذي يكاد يصل إلى القاع متجاوزا بذلك الخصوصية الفلسطينية التي تعتمد التماسك المجتمعي كأحد مقومات الصمود.
بالملموس: نحن على أبواب مرحلة جديدة قوامها المزيد من التفكك المجتمعي، وبتجلي هذا في الأداء والخطاب الانتخابي الذي أصبح أسيرا للشكليات، فانا لا اقتنع بالمطلق بان تتنافس تسعة كتل على مقاعد بلدية بيت ساحور التي لا يتجاوز عدد سكانها 14 ألف فلسطيني وتتكون من سبع عائلات، واشك أن هدف الكتل الانتخابية المتنافسة على مقاعد بلدية بيت لحم هو خدمة المدينة المنهكة من سياسات الفساد والمتاجرة بحقوق الناس ولا أريد أن أخوض في التفاصيل ولكنني اسأل أين محطة الباصات المركزية.
هو الانقلاب الثاني الذي لعبت فيه الفصائل الفلسطينية دور "البطل". وأنا اتهم لا بل أجرم الفصائل الفلسطينية التي ارتدت الجلباب العشائري ولعبت علية وأتقن بعضها لعبة البيضة والحجر، ويتجلى ذلك في الكم الضخم من الكتل المتنافسة التي تتبع غالبيتها لحزب السلطة الذي اعتمد تكتيك الأرض المحروقة من اجل السيطرة على المجالس البلدية نكاية بحركة حماس الخصم الرئيسي وكأن الهدف الخروج على الناس بفلسفة التطبيل والتزمير بأننا حسمنا الضفة الغربية.
يتحمل اليسار الفلسطيني كما يحلو لنا أن نسميه مسئولية كبيرة في المشهد القاتم، والمستغرب أن اللعبة راقت لفصائل اليسار الذي يتحمل بعض المسئولية من معاناة الشعب الفلسطيني لأنة قرر أن يلبس القفازات البيضاء ويضع رأسه في الرمل وينتظر المخصص المالي الذي يأتيه من السلطة، بمعنى آثر هذا اليسار الحفاظ على جلدة الرأس وعدم المواجهة والاكتفاء بالشعارات الكلامية وخوض المشاركة في الحياة العامة ضمن شروط الحزب الحاكم.
قد يخرج علينا احدهم ليقول ما هذه النظرة القاتمة للأوضاع؟؟؟؟ أقول معه حق لان أوضاعنا غارقة في ألقتامه، وان المجتمع الفلسطيني لم يعد ضحية للعسكرة والفساد والسطو على أملاك الشعب واعرضه وإنما دخل المرحلة الثانية لاستقطاب العائلات والعشائر للصراع أو بشكل أدق لتعميد المرحلة لاستكمال حالة التحلل والذوبان والقضاء على ما تبقى لنا.
وقد يخرج آخر ليقول أنت ضد الديمقراطية وها هي الساحة المفتوحة للجميع وانتقادك للقانون الانتخابي مجرد مماحكة: أقول أن قانون سانت لوغي لم يوجد لقرية مثل زعترة أو نحالين أو وادي فوكين، هذا القانون وجد للشعوب التي تؤمن بأداء الأحزاب وللمجتمعات التي تجاوزت العائلية والعشائرية، لم يوجد لقرية عدد أصحاب حق الاقتراع فيها 500 مواطن مقسمين على عائلتين أو ثلاثة.
هذا القانون قابل للتطبيق في الانتخابات التشريعية والرئاسية ولكن تطبيقه على الانتخابات المحلية سيؤدي لنتائج وخيمة ، وأنا من ألان استطيع أن اقدر النتائج في بعد المدن والقرى ولا أميل لطرح من سيكون رئيس هذه البلدية أو تلك وخاصة البلديات التي يتنافس عليها كم من الكتل.
ما العمل: من المفيد أن نضع المصلحة العليا لبلدنا على رأس أولوياتنا، وهذا يتطلب من القوى السياسية والحكومة والسلطة التي تتحمل مسئولية الفوضى الابتعاد عن عسكرة وفصلنه المجتمع والهاء الناس بمعارك دنكوشتية سرعان ما تنتهي، لان الأزمة الفلسطينية تحتاج لتكاتف الجهود وتحشيد القوى المجتمعية لا تفتيتها من خلال وصول الصراع إلى العائلة. وقد بكون من المجدي أن يخرج اليسار الذي اثبت فشله مرة أخرى أن ينتبه للفخ ويخوض المعركة ببعد سياسي مطلبي حتى لو كان الهدف خدماتي، ولكن للأسف الشديد جاءت شعارات اليسار مسطحة ولا تعبر عن مصالح الفلسطينيين لا بل ذهب لأبعد من ذلك لينجر للأداء القائم.
الأشهر والسنوات القادمة تحمل في أحشائها المزيد من الترهل والتراجع في المشهد، واستطيع أن أرى الانقسامات التي تطال مجتمعنا عموديا وأفقيا، ولن يكون الانقلاب الثاني الذي سببه لنا قانون "سانت لوغي" حيث عمليات الفصل والاستقالة من الحزم الحاكم، يا هل ترى هل هذا حقيقة أم تكتيك؟؟؟؟؟؟؟ لن ننتظر طويلا حتى نرى ونسمع لكنني اعتقد أننا سنعجز عن الكلام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت