رجعيَّة الانقسام وإمبرياليَّة الصمتْ

بقلم: سامي الأخرس


أَصبح الانقسام الفلسطينيِّ – الفلسطينيِّ المستمر منذ ست سنوات تعبير عن حالة توصف بالرجعيَّة دون التعمق بمفهوم ودلالة المعنى أيّ رجعيَّة الفكر القائم والذي أنتج جوهره الانقساميِّ الذي لا يؤمن بالشراكة والمشاركة، أو رجعيَّة الفكر في مسايرة ما سعت إليه القوى العالميَّة الإمبرياليَّة، والصهيونيَّة من إثبات عدم أحقية الشعب الفلسطينيِّ بما يدعيه، وإنّه شعب يحتاج لعملية تأهيل طويلة الأمد ليتمكن مِنْ قيادة نفسه بدولةٍ مستقلة، ومواكبة التطور العالميِّ، والاصطفاف مع دول العالم، ورسم معالمه وحدوده على أطلس الجغرافيا.

هذه الرجعيَّة الّتي نتناولها في معرض وصفنا هذا هي ليست نتاج مصادفة أو حالة طارئة فرضت ذاتها على الوجدانيَّة السيَّاسيَّة الحزبيَّة الفلسطينيَّة في العهد الحالي، بل هي عبارة عن ترجمة لحالة النّظام الفلسطينيِّ السيَّاسيِّ الذي ومنذ أنّ بدأ تتبلور ملامحه الحديثة بعد النكبة خاصة، ومع تشكّيل م.ت.ف كإطار جامع ووحدوي يحقق حلم وتطّلعات الشعب الفلسطينيِّ، بدأت تتبلور في المقابل رجعيَّة الفكرة الانقساميَّة من خلال التكالب العربيِّ الرسميِّ- الفلسطينيِّ الرأسماليِّ على قيادة م.ت.ف المُمثلة بـِ ( أحمد الشقيريِّ)، وإجباره على التنحي عن قيادة حلمه التحرريِّ، لتبدأ مسيرة الهيمنة والسيطرة على م.ت.ف من خلال اختلاق حالة وحدويّة ظاهرية، وتشرذم جوهري يسيطر على مفاتيحه حالة من البرجوازيّة ذات المصالح الطبقيَّة، لَم يُحقق من خلالها النّظام الفلسطينيِّ وحدة فعلية حتى راهن اللّحظة، وهو دلالة على رجعيَّة الفكر الانقساميِّ الذي تقاطع بعد ثمانية وعشرون عامًا من غرس بذور رجعيَّة الفكر، فكان النبت والثمار الانقسام الذي تقاطعت به مصالح طبقتين، طبقة رأسماليَّة الفكر والفِعل، وطبقة عقائدية الرأسماليَّة وبكلا الحالتين لا يمكن توثيق عقد سيَّاسيِّ واجتماعيِّ بين رأسماليتين متشابهتين في الأدوات والمصالح، ومتوحدتين في الفكر، مع اختلاف نظري في الفهم التطبيقيِّ، تُرجم إلى( صراع) ثمَّ (انقسام) تنبؤ به مجموعة من الباحثين الصهاينة في عام 1990 من خلال مجموعة دراسات وأبحاث تحت عنوان" الدولة الفلسطينيَّة من وجهة نظر إسرائيليَّة" استوحت من قراءتها للماضيِّ والحاضر قراءة مستقبليَّة أوحت بحتمية الصراع بين القوتين، وحتميَّة الحسم لصالح القوة العقائدية في غزة.

هذه الرجعيَّة الفكريّة لَم تقف عند محطة الانقسام والصدام العسكريِّ والسيَّاسيِّ والجيوسيَّاسيِّ بل إنّها يوميًا تعمق وتُجذر هذا الانقسام في ظّل حالة امبرياليَّة من الصمت الشعبيِّ، هذه الحالة تُعبّر عن امبرياليتها في إنّها تنفذ رجعية الفكر من خلال:
أولًا: صمتها وعدم مبالاتها إزاء التفرد الرجعيِّ المزدوج لفكر الانقسام، وكأن القضيَّة حزبيَّة خالصة، لا تعني الشعب الفلسطينيِّ.
ثانيًا: المساهمة الفاعلة لإمبريالية الصمت في ترسيخ وتأكيد حالة رجعيَّة الانقسام من خلال تفعيل قوة القوتين والاصطفاف حولهما، ودعمهما شعبيًا.
ثالثًا: المشاركة في تجذير الحالة الانقساميَّة كالمشاركة مثلًا في انتخابات البلديات في الضفة الغربيَّة دون غزة المنقسمة، والّتي تعيش في حالة استقلال ذاتيَّ كُليِّ.
رابعًا: مشاركة بعض القوى الطفيليَّة الّتي تدعي محاربتها للانقسام في قيادة امبرياليَّة الصمت نحو تأكيد مفهوم ودوافع الانقسام، كحالة حسيَّة لا بد من الاستسلام لها، والعيش في جلبابها.
خامسًا: اصطفاف وانحياز امبرياليَّة الصمت المثقفة كذلك مع رجعيَّة الفكر في بوتقة المصالح المشتركة.
إذن فرجعيَّة الانقسام هي فكرة عقائدية لَم تتزاوج برباط حديث مع الحالة السيَّاسيَّة المستحدثة، بل هي عملية مزاوجة قديمة كانت نهاية لعلاقة غرام غيّر شرعيَّة نسجت في الفكر السيَّاسيِّ الفلسطينيِّ منذ أنّ بدأت منظومة الرجعيَّة العربيَّة الرسميَّة تحتوي رأسماليَّة البندقيَّة الفلسطينيَّة ما بعد الشقيريِّ، ليتمخض هذا التزاوج عن جنين الانقسام الذي خضع لعملية نكّاح إضافية من قوى إقليميَّة تتصارع وتتنافس على المنطقة جيو سيَّاسيًّا، عَمق منها وزاد فاعليتها إمبرياليَّة الصمت الفلسطينيَّة الشعبيَّة.
سامي الأخرس
11 أكتوبر( تشرين أوّل) 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت