الرهان على عامل الوقت دون التأثير في مجرياته ، سياسة عدمية ستؤدي بالنتيجة الى خسارة اخرى تضاف الى سجل الاخفاقات التي تنذر بكارثة وطنية ، ما لم تنتقل المواقف الانتظارية الى دائرة الفعل المؤثر ...
حدثان انتخابيان بارزان لا بد من القراءة الموضوعية لهما ، الاول يتعلق بالانتخابات الامريكية الشهر المقبل وماله من انعكاسات على مستقبل القضية الفلسطينية ، والثاني اعلان رئيس حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة حلّ الكنيست واجراء انتخابات مبكرة في الثاني والعشرين من يناير العام القادم مما يعني ان هناك وقت طويل قد يمتد الى ما بعد الصيف القادم تستمر خلاله آله الاحتلال من تنفيذ مخططاتها العدوانية المفتوحة على كل الاحتمالات ، اخطرها استمرار بناء المستعمرات الاستيطانية وتهويد مدينة القدس ، والاستعداد لشن عدوان جديد على قطاع غزة لاغراض انتخابية ، بينما تغيب برامج التصدي لهذه المخططات بفعل الاصرار على الانقسام والجري وراء مكاسب ضيقة الافق والاهداف على حساب المصلحة الوطنية العليا .
ما كان ينبغي ان يتم تأجيل عرض صيغة القرار المنتظر حول رفع مكانة فلسطين الى دولة عضو تتمتع بصفة مراقب في الجمعية العامة للامم التمحدة تحت أي ذريعة كانت بعد ان مارست الادارة الامريكية شتى انواع الضغوط لدى الدول التي تدور في فلكها لمنع تمرير طلب العضوية الكاملة عبر مجلس الامن الدولي السنة الفائته مما ادى الى افشال المسعى الفلسطيني للحصول على الاصوات التسعة المطلوبة من اعضاء المجلس ورفع الحرج عنها في حال استخدامها حق النقض الفيتو ، فاذا كان المقصود من عملية التأجيل اعطاء فرصة الى ما بعد الانتخابات الامريكية المزمع اجراؤها الشهر المقبل ، سلفا نقول ان لا شيء سوف يتغير سواء قبل الانتخابات او بعدها ، فتلك قصة بائسه سئمنا سماعها منذ ان بدأ مشوار اوسلو وحتى اللحظة الراهنة ، حيث اجادت الادارات الامريكية المتعاقبة العزف على وتر الخداع والتضليل بدعوى ان الادارة الجديدة سيكون لها سياسات مختلفة عن سابقاتها ، او ان الفترة الرئاسية الثانية ستحرر الرئيس المعاد انتخابه من قيود النفوذ الصهيوني المتغلغل في الجسد الامريكي حتى النخاع ، ولعلّ اندفاعة الرئيس الامريكي الحالي اوباما الذي قال الكثير عن رؤيته النرجسية للعالم الجديد المبني على الشراكة مستخدما اقصى طاقاته الذهنية في فن الخطابة الذي يمتاز به عند بداية ولايته الاولى ، خير تعبير عن واقع مؤسسة الرئاسة الامريكية المرهونة لسياسات الطغمة المالية التي تتحكم بمجريات الامور وتقرر اولوياتها وفق مصالحها في العالم وعلى وجه التحديد المنطقة العربية المصنفة على انها حيوية بالنسبة لها تمتاز بالموقع الجيوستراتيجي والموارد الطبيعية والنفطية فضلا عن كونها اسواق تصريف للسلع الاستهلاكية من الطراز الاول وايضا توفر البيئة الملائمة لعقد الصفقات التسليحية الضخمة حيث تقدر بمليارات الدولارات سنويا تعود بالفائدة على دوران عجلة الاقتصاد الامريكي .
ان التجربة المريرة التي سادت علاقات المنطقة مع الادارات الامريكية اكدت بما لا يدع مجالا للشك انعدام المصداقية تجاه القضايا العربية عموما والقضية الفلسطينية بشكل خاص ، حيث يتبارى مرشحي الرئاسة الامريكية على كسب ود اسرائيل الخارجة عن القانون الدولي والانساني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة ، والغريب في الامر انهم يقدمون ما لايملكون عطايا لحكومة الاحتلال ، والتبجح بأن كل منهم افضل صديق وحامي لها على الدوام وهو ما اكده المرشحان ميت رومني الذي وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، وكذا اوباما الذي وقف بشراسة غير معهودة دفاعا عن سياسات الاحتلال وممارسة الضغوط ضد اي تحرك يدينها على ممارساتها القمعية واجراءاتها العنصرية بحق المواطنين الفلسطينيين التي يندى لها جبين الانسانية ، وهكذا تتنصل امريكا من وعودها التي قطعتها على نفسها حين يتعلق الامر بحقوق الاخرين لسبب بسيط وهو ان الطرف الضعيف في المعادلة المختلة الموازين لا يملك ادوات ضغط تمكنه من فرض حقوقه رغم عدالتها ، فميزان العدالة بمقاييس العولمة المتغولة ما هي الا سلعه تستخدم كوسيلة لتحقيق غاياتها .
بالعودة الى التطورات التي ادت الى الاعلان عن انتخابات مبكرة في اسرائيل لا يبدو للعيان ان هناك مفاجآت قد حدثت ، بل العكس من ذلك كان متوقعا ان يلجأ نتنياهو الى مثل هذه الخطوة "وهي سياسة احتلالية قديمة تستخدم للهروب من الازمات " حيث سعى على الدوام الى تشكيل حكومة ائتلافية واسعة تضم الاقطاب المتناقضة التي لا يجمعها سوى التطرف والتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية ، ربما يكون دخول الجنرال موفاز على خط المشاركة بالحكومة قد اجّل حلّها الى حين ، ولكنه عاد وانسحب فيما بعد بسبب عدم الوفاء بالالتزامات المتفق عليها ، لقد استطاع نتنياهو تحويل ازماته الداخلية المتفاقمة الاقتصادية والاجتماعية باتجاهات اخرى خارجية ، وخاصة " الخطر الوجودي القادم من ايران الذي يهدد كيانه بالزوال حسب زعمه " اثر المظاهرات العارمة التي تطالب بالعدالة الاجتماعية على غرار ما حدث بدول الربيع العربي واكثر من ذلك ، تطابقت بعض الشعارات مثل " الشعب يريد عدالة اجتماعية " مع مثيلاتها في المنطقة واقدم اكثر من شخص على حرق نفسه في دلالة واضحة للحالة البائسة التي طالت الطبقات الوسطى والفقيرة نتيجة ارتفاع الاسعار وفرض الضرائب الاضافية ، ولكن اختيار التوقيت يطرح اكثر من علامة استفهام ، وان كان السبب المعلن عنه يعود الى تعثر التصويت داخل الكنيست " على " الموازنة العامة " غير ان العارفين بخفايا الامور ومعظم الكتاب والمحللين يوعزون السبب الحقيقي الى الخوف من عودة " اولمرت " للساحة السياسية باعتباره المنافس القوي الذي يمكنه خوض غمار الانتخابات بقوة ، الامر الذي دعاه الى قطع الطريق امامه ، قبل ان ينظف الاخير سجله القانوني الذي يحتاج الى عدة اشهر جراء ادانته بتهمة عدم الامانة واستغلال وظيفته لتحقيق مكاسب شخصية ، من جهة اخرى يسعى نتنياهو الى الافلات من العزلة الدولية ، نتيجة مسؤوليته المباشرة عن فشل العملية السياسية واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني من خلال مخططاته الهادفة الى بناء المزيد من الاستيطان الاستعماري بشكل غير مسبوق وتغيير المعالم الجغرافية والتاريخية للاراضي المحتلة ، وانفلات قطعان ميليشيات المستوطنين ضد المواطنين وممتلكاتهم وقطع اشجار الزيتون وتدنيس المقدسات بحماية كاملة من جيش الاحتلال وتجاهل كافة القرارات والمواثيق الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية .
ان المشهد الامريكي والاسرائيلي ينذر بايام قادمة غاية في الصعوبة ، الامر الذي يتطلب خطوات جريئة تخرج عن اطار الكلام الى حيز الفعل المؤثر المبني على الشراكة الحقيقية من اجل بناء سياسة وطنية فلسطينية تستطيع مواجهة المخاطر والتحديات المقبلة ، كما ان الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة والحصول على دولة عضو بصفة مراقب خطوة هامة تحفظ الحقوق الفلسطينية ، ولكنها تحتاج الى المزيد من الكفاح الوطني لتجسيدها على ارض الواقع ويبقى انهاء الانقسام والتخلص من تداعياته الشرط الضروري لتحقيق الاهداف الوطنية المشروعه .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت