بعد عشر سنوات لن تكون هناك اسرائيل

بقلم: أسامة مبارك


تصريحات , تصريحات ,من جديد يخرج علينا هذا العجوز الماكر ( هنري كيسنجر ) وزير الخارجية الاميركية السابق , بتصريح صحفي جديد نقلته صحيفة ( النيويورك بوست )عن زوال اسرائيل ,فهذا تصريح لا يقل اثارة وغرابة من تصريحاته السابقة والتي نختار منها الأبرز , فحين نعود أكثر قليلا من ثلاثة عقود الي نهاية عام 1973 كانت هناك تصريحات نارية وذلك عندما كان مستشار الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون للأمن القومي ووزير خارجية فيما بعد لصحيفة ( نيويورك تايمز ) في شهر ديسمبر ( أن اسرائيل قد خرجت من حرب أكتوبر كأكبر قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وأنه حان الوقت لتكون أيضا أكبر كيان اقليمي ) .
كما كان تصريح اخر قبل عام في صحيفة ( الديلي سكيب ) والتي قال فيها ( علي اسرائيل القتال ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط ) وقالوا أن هذه الصحيفة ( الديلي سكيب ) صحيفة هزلية والتصريح افتراضي
وهذه الايام تصريح جديد لهذا الكيسنجر الذي هو أحد أبرز الباحثين السياسيين المخضرمين ومنظري ومهندسي السياسة الخارجية الأميركية لعقود طويلة ,والمعروف بتأييده وبدعمه المطلق لإسرائيل وبحث الإدارات الأميركية المتعاقبة علي حماية أمن إسرائيل ودعمها ماليا وسياسيا وعسكريا وتقنيا ويقول : ( أنه بعد عشر سنوات لن تكون هناك اسرائيل ) أي في عام 2022 اسرائيل لن تكون موجودة .

كان الغريب في تصريحات كيسنجر أنه قرر وبشكل قاطع أن اسرائيل منتهية كدولة في غضون عشرة أعوام, ولم يطالب بدعمها أو حمايتها ولم يضع عباراته بقصد التحذير من أن اسرائيل في طريقها الي الزوال بل وضعها بشكل قرار حاسم , كما لم يقل ما قاله غضبا عليها بل لأن لديه أسبابا مقنعة لدرجة كبيرة دعمته الي ذلك, ولم يطرح كعادته بدائل لمساعدة اسرائيل علي البقاء , فيما تزامنت تصريحاته مع تقرير خطير للغاية أعدته 16 مؤسسة استخبارية أميركية كتقرير مشترك تحت عنوان ( الاعداد لشرق أوسط في مرحلة ما بعد اسرائيل) حيث يؤكد التقرير أن انتهاء دولة اسرائيل في الشرق الأوسط أصبح حتما قريبا .

وأورد التقرير مجموعة من العوامل التي ستؤدي الي انتهاء اسرائيل ووضع في اولها المد الثوري الشعبي الذي يجتاح المنطقة العربية برمتها ,وانهيار أنظمة الحكم القديمة وتحطيم هياكل النظم السياسية والاجتماعية المرتبطة بها , ونشوء أنظمة حكم جديدة في دول محورية كمصر و وذلك بسبب المعطيات التي اطلق الربيع العربي أعنتها وانهيار الزعامات العربية المرتبطة بإسرائيل , ويضيف التقرير أن هذه الأنظمة كانت تقدم خدمات حيوية جدا لبقاء اسرائيل من خلال فرض القيود الصارمة علي شعوبها وبذلك تحول دون دعم عربي شعبي حقيقي للفلسطينيين .

ويخلص التقرير الي أن أنظمة حكم جديدة سوف تنشأ في المنطقة وستكون أكثر ديمقراطية واكثر عداء لإسرائيل .

وتشير احدي التوصيات التي يتضمنها التقرير الي أن امريكا لم تعد قادرة علي الاستمرار في دعم اسرائيل بمختلف أنواع الدعم المادي والعسكري المكلف بسبب أزماتها الاقتصادية .

ويضيف التقرير الموقف الاميركي من الدعم الأعمى لإسرائيل بأنه موقف جعل أمريكا تتخذ مواقف معادية أتصفت بأنها ضد المبادئ الإنسانية التي أقرتها الامم المتحدة وضد الحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور الاميركي , وأنها تعتمد معايير مزدوجة أدت الي أن تفقد اميركا مصداقيتها واحترام شعوب العالم لها . *** عجيب والله عجيب *** .

ومن بعد نشر التصريحات الكسنجرية حاولت مساعدة كيسنجر ( تارابتزبو )نفي هذه التصريحات , الا أن ( سندي ادمز ) المحررة في صحيفة ( نيويورك بوست ) أكدت أن مقالها الذي نشرت فيه هذه التصريحات كان دقيقا , موضحة أن كيسنجر قال لها هذه الجملة ونصها حرفيا .

( In 10 years there will be no more Israel )

فهذه التصريحات والتي أثارت الاستياء وحالة من الرعب في الأوساط الإسرائيلية وفتحت الأبواب علي احتمالات متعددة .

فهل يمكن اعتبار تصريحات منظر السياسة الأميركية هنري كيسنجر , علي أنها تحول في فكر هذا الرجل الذي نذر حياته كلها لحماية الوجود الإسرائيلي من الانهيار .

كما أن اعلان مراكز دراسات استراتيجية وشخصيات سياسة عالمية ذات المعرفة والخبرة بالشؤون الإسرائيلية علي خلفية الهزائم والإخفاقات التي منيت بها اسرائيل خلال العقدين الماضيين , اضافة الي اشكال التفكك والتصدع والانكماش التي بدأت تضرب بأطنابها علي دولة اسرائيل في الأعوام القليلة الماضية وفي هذه الأيام .

وحالة التخبط المستولية علي زعماء دولة الاحتلال الذين أخذوا مؤخرا يظهرون هشاشة واضحة في المواقف والسلوكيات , وبالأخص مواقف العنصري الصهيوني ( أفيغدور ليبرمان ) وزير الخارجية الإسرائيلي, وهو ما دفع الرئيس الأميركي (باراك اوباما ) الي أن يتعاطى باستخفاف مع رئيس الحكومة الليكودية بنيامين نتنياهو ويؤخر تحديد موعد للقائه علي هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك , وعلم وفد اسرائيل لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه تحدد موعد للقاء بين اوباما والرئيس الباكستاني ( أصف علي زردا ري )

ومما يدل علي الوضع الهش في اسرائيل , تصريحات رموز اسرائيلية من أمثال رئيس جهاز الموساد السابق ( مائير داغان )في مقابلة مع صحيفة (جر وزلم بوست )في نيسان الماضي عام 2012 قائلا : ( أعتقد بأن نظامنا وصل الي نقطة بدت فيه الحكومة غير قادرة علي ادارة البلاد ) مضيفا في المقابلة ذاتها ( نحن علي شفا هاوية ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة ولكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل ) .

اذن هل استفاق هذا العجوز الكسنجري من سكرته وانتشائه بقوة اسرائيل وأدرك حقيقة موجودة , أم هذا نوع من الخداع من أجل تمرير أجندة معينة ,والتي قال فيها كيسنجر قبل ذلك ( نحن ننفخ في قوة المسلمين والعرب ومن بعد نهجم عليهم بغتة ونبديهم عن بكرة ابيهم ) .

وليس ببعيد أن تكون تصريحات هذا الدهقن الكسنجري من خلال المحررة ( سندي أدمز )مدرجة في خططهم الشريرة , أو هو نطق الحقيقة وهو يحسب أنه ماكرا دبلوماسيا .

وهنا السؤال الكبير : هل يمكن أن تسقط دولة الاحتلال الإسرائيلي , لنجيب علي هذا السؤال يجب علينا أن نفرق بين التمني وبين الواقع علي الأرض, ففي ضل الأوضاع الراهنة وامتداد الحبل السري الأميركي لإسرائيل وحتي تنافس مرشحا الحزبين الديمقراطي والجمهوري للرئاسة الأميركية في تقديم الوعود والتعهدات للمنظمات الصهيونية بحماية أمن اسرائيل و الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتحيز اميركا لتكون القفاز الذي يحمي تلك الدولة , كما أن الواقع يقول أن اسرائيل دولة نووية عسكرية لا يستهان بها رغم فشلها في العديد من الحروب التي خاضتها . اذن هل ممكن أن تنهار اسرائيل من الناحية الجيوسياسية والجيواستراتيجية قبل أن تنهار حامية حماها امريكا وعجزها عن الدفاع عن طفلتها المدللة .

في النهاية نقول ما علي الله ببعيد
بقلم اسامه مبارك

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت