جهود قطر في كسر الحصار.. والزيارة التاريخية إلى غزة..!

بقلم: د.كمال الشاعر


لقد كانت الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الشيخ/ حمد بن خليفة آل ثاني – أمير دولة قطر – للبنان بعد حرب تموز 2006، هي الأولى من نوعها لحاكم عربي – فلقد تركت تلك الصورة التي التقطها الإعلاميين لسمو الشيخة/ موزة بنت ناصر المسند التي أخذت أثناء زيارتها لمركز سرطان الأطفال في العاصمة اللبنانية- بيروت – بصمات وذكريات عند الأطفال والكبار على حدٍ سواء لم ينسوها على مر الزمان؛ وخاصة أن هذه الزيارة جاءت بعد حرب تموز 2006 – المدمرة – والتي خلالها شن العدو الصهيوني سلسلة غارات انتقامية –عنيفة- طالت المؤسسات والمنازل في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، وبصود الشعب اللبناني والتفافه حول الجيش والمقاومة- معاً - انسحب العدو الصهيوني دون تحقيق أي من أهدافه، وعلى الفور كانت قطر السباقة للخير في تقديمها يد العون والمساعدة للشعب اللبناني الصامد، وباشرت بالقيام بعدة مشاريع حيوية وبناء أكثر من 10000 وحدة سكنية.
فها هي سمو الأميرة / الشيخة موزة بنت ناصر المسند - عقيلة سمو الشيخ/ حمد بن خليفة آل ثاني – أمير دولة قطر – تفاجئ الجميع بإعلانها تكرار الزيارة التاريخية في المنظور القريب إلى القطاع – ولكن هذه المرة قد تكون وحدها- إلى بلد يشترك مع لبنان بنفس الصفة؛ وهي المقاومة لنفس العدو، وأيضاً تعرضه لنفس الحرب المدمرة؛ والتي من خلالها حقق نفس النتائج- وهي الصمود الأُسطوري للشعب والمقاومة على حد سواء- أمام أعتى آلة حربية في الشرق الأوسط- إبان حرب الفرقان 2008/2009- وهاهي القيادة القطرية قد أوفت بالوعد – فشكراً لقطر- وأمدت قطاع غزة بالبترول الذي أخذ يتدفق في شريان حياة كهرباء غزة، وكذلك شرعت في القيام بعدة مشاريع حيوية وشق الطرق وبناء منازل المواطنين التي دمرت أثناء حرب الفرقان.
فالسياسة الخارجية القطرية ليست وليد اللحظة ,وإن توجهات القيادة القطرية نحو الأمتين (العربية والإسلامية) تعتبر منذ فترة تولي أمير قطر الحالي مقاليد الأمور في البلاد وتعيين سمو الشيخ/ حمد بن جاسم وزيراً للخارجية- الذي برع في العزف على سيمفونية العلاقات الدولية- عن طريق الانفتاح على الغرب والشرق على حدٍ سواء، فلقد أضحى الدور الاقليمي لدولة قطر في الآونة الأخيرة محط اهتمام الصحافة الأجنبية والعربية التي أخذت تتناول هذا الدور بأسلوب أثار حفيظة البعض.
ففي ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية في العالم الذي أصبح يعيش تحولات متسارعة التي لاتزال تحمل المزيد من المفاجآت وقد أعادت هذه الظروف تشكيل وصياغة السياسية الخارجية للدول على نحو مختلف كما كان عليه الوضع قبل نهاية مرحلة الحرب الباردة. وبالفعل شهد العالم بعد هذه المرحلة عدة متغيرات دولية كان من أبرز سماتها، انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة معظم القضايا الدولية بشكل احتكاري وبتحكمها الانفرادي في إدارة أزمات الشرق الأوسط منذ أزمة الخليج عام 1991، وتزايد حجم ونوع التأثير والتدخل العسكري الأجنبي في شؤون العديد من دول العالمين العربي والإسلامي.
فخلال الإثنى عشر سنة الأخيرة، وفي ظل الظروف الدولية الجديدة برز الدور القطري في الساحة الدولية، لما تتمتع به من ثقل دبلوماسي وقيادة متحمسة لجعل دولة قطر رقماً مهماً على الصعيد المحلي والإقليمي. وأظهرت قطر في الكثير من المناسبات انتهاجها لسياسة معتدلة وعقلانيه بل لقد أطلقت القيادة القطرية العديد من المبادرات السياسية من أجل تخفيف التوتر في العلاقات الدولية، والتقريب من وجهات النظر من أجل الحيلولة من تفاقم الأوضاع في أكثر من قضية وملف سياسي مثل على سبيل المثال:-
• دور قطر في القضية العراقية.
• كما لعبت دوراً مهماً في قضية دارفور.
• الجهود المشتركة التي تقوم فيها ما بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومساهمة قطر الكبيرة التي توجت بتوقيع الاتفاقية الإطارية بين حكومة السودان وحركة العدل والمساواة.
• دور قطر في المصالحة اللبنانية والتي أفضت إلى تنصيب العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية.
• دورها في الملف النووي الإيراني الذي يؤرق المجتمع الدولي.
إن دولة قطر لم تسترق يوما الدور الاقليمي الذي جعلها دوماً في المقدمة لولا ضعف الدول العربية وترهلها سياسيا وعجزها عن ممارسة ردها في الرد على السياسة القطرية التي تسجل نجاحا متصاعدا ملحوظا في التعامل مع القضايا الاقليمية وتحاول إيجاد حلول لها.
وهكذا أصبحت قطر تمتلك رؤية جديدة للعلاقات الخارجية، في التعامل مع كثير من القضايا في المنطقة، فقد فهم صانع القرار القطري خيوط السياسة العالمية، وكان رئيساً وصانعاً لكثير من الأحداث العالمية على الساحة الخليجية والساحة العربية والساحة الدولية وأسس بالتالي سياسة خارجية ديناميكية ترعى المصالح الاستراتيجية لدولة قطر. ويعود نجاح هذه الرؤية الجديدة إلى دور القيادة القطرية، وجهودها المتميزة والمستمرة لنهج دبلوماسية تتصف بالجرأة وبالفعالية في معالجة الكثير من الخلافات الدولية والعربية وكان آخرها نجاحها في إعلان الدوحة الذي تمخض عنه توقيع المصالحة الفلسطينية بين الرئيسين محمود عباس وخالد مشعل الذي تكلل بتشكيل حكومة فلسطينية برئاسة الرئيس عباس، وإنهاء الانقسام والخلاف بين حركتي فتح وحماس الذي دام أكثر من خمس سنوات.
رفح في 17/10/2012


الكاتب والمحلل السياسي
المحاضر في جامعتي الأمة وفلسطين
أ.د. كمال محمد الشاعر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت