نحتاج لهذا الصنف من الرجال

بقلم: راسم عبيدات


أعلن سماحة الشيخ حسن نصرالله في كلمته مساء الخميس الماضي ،مسؤولية حزب الله اللبناني عن الطائرة بدون طيار التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية فوق جنوب فلسطين،والتي اخترقت كل تحصينات وأجهزة ردار الاحتلال المتطورة،وطارت مئات الكيلو مترات قبل أن يتم إسقاطها،وهذه الطائرة المرسلة من قبل حزب الله اللبناني تشير إلى مدى التطور الكبير في قدرات المقاومة اللبنانية،وبالذات حزب الله اللبناني،وبما يخلق عنصر ردع وتوازن رعب مع الدولة الصهيونية،وهذا ما كان ليتحقق لولا وجود قيادة تمتلك إرادة ورؤيا وإستراتيجية موحدة على المستوى الرأس والقيادة،وهذا الحزب لربما هو الوحيد على المستوى العربي الذي استطاع أن يحرر الأرض اللبنانية والأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي دون أية شروط أو اتفاقيات مع حكومة الاحتلال،بينما نحن ما زلنا نغرق في متاهات الانقسام والصراع على سلطات وهمية وزيرها وغفيرها يتحرك ويتنقل ويسافر بأمر وتصريح من الاحتلال،وكذلك نغرق في متاهات وعبثية المفاوضات العقيمة،ونتعاطى مع الأمور على أرضية وقاعدة "عنزة ولو طارت" أو "حلب الثور" أو " الحياة مفاوضات"،حتى أن البعض يثار ويستشيط غضبا عند الحديث عن ضرورة مغادرة المفاوضات كنهج وخيار وثقافة،والبحث عن المقاومة كبديل اثبت جدواه وفاعليته في كل ثورات الشعوب ومقاومتها وحريتها وتحررها،وهو يرى ان وقت المقاومة قد ولى.؟؟؟

انه زمن غياب الإرادة وغياب الرؤيا والإستراتيجية الموحدة،فهل تتعظ سلطتنا وفصائلنا من حزب الله اللبناني أم تبقى "تتناكف وتتعاير" كالنساء وتجتر كلام ولغو فارغ عن الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام،وفي الواقع تعمل على تكريسه وتعزيزه ودون أن تحقق أية انجازات جدية لا في مفاوضات او مقاومة.

سماحة الشيخ حسن نصر الله في حديثه وتفصيله عن الطائرة أراد أن يرسل أكثر من رسالة،وكما يقول المأثور الشعبي،أراد أن يقول لإسرائيل،بأنه ليس كل الطيور يأكل لحمها،فلحم حزب الله مر وعلقم،وإسرائيل خبرت ذلك جيداً،وبالذات في الحرب العدوانية التي شنتها على الحزب ولبنان تموز/2006،حيث استطاع الحزب أن يمرغ هيبة الجيش الإسرائيلي في الوحل،ويثبت لكل العرب المنهارين،بأن إسرائيل ليست عصية على الهزيمة،وهي كما قال سماحته أوهن من بيت العنكبوت،إذا ما توفرت الإرادة والقيادة التضحوية والمالكة للرؤيا والإستراتيجية والعارفة ماذا تريد.

وأيضاً تفصيله عن الطائرة بأنها صناعة إيرانية وتجميع حزب الله،هي رسالة أخرى إلى إسرائيل وأمريكا،بأنه إذا ما أقدمت إسرائيل على ارتكاب حماقة،وشنت حرباً أو هاجمت المنشئات النووية الإيرانية،فإن الرد الايراني سيكون قوياً،وبما يجعل إسرائيل وأمريكا ومعهما الغرب وعربان الخليج،تفكر ملياً وجيداً عند التفكير والإقدام على أي خطوة من هذا النوع،وكذلك سماحة الشيخ حسن،أكد على ثبات خيارات الحزب السياسية،وهو لا يخجل من القول والمجاهرة بالوقوف الى جانب سوريا في حال أي حرب تشن عليها.

حزب الله،حزب يستحق الحياة ويستحق الانتصار ويستحق أن نؤدي له الطاعة والاحترام،فهو يعمل ليل نهار،ويعلم جيداً انه بدون أن يطور ويحسن من قدراته العسكرية والمعلوماتية والالكترونية،فإن هذا العدو المتغطرس سيقوم بمهاجمته،حيث يخرق ويستبيح الأجواء والمياه اللبنانية يومياً،وينصب له الشراك والأفخاخ على مدار الساعة،وكشف الحزب للعديد من شبكات التجسس خير شاهد ودليل على ذلك.

دول عربية مصنفة كسابع دولة على مستوى العالم في التسليح،أسلحتها تصدأ في المخازن،ويتم شراؤها والتزود بها،ليس من أجل تحرير الأوطان،او حماية الأمن القومي العربي،بل من أجل تشغيل مصانع السلاح الأمريكية والأوروبية،ومن أجل مئات الملايين من العمولات والرشاوي لأصحاب السمو من الأمراء وعائلاتهم وحاشيتهم،ومن أجل استمرار قمع الجماهير والتربع على صدورها،أو تزويد كل العصابات المجرمة بهذا السلاح،من أجل إثارة الفتن المذهبية والطائفية والتخريب في الأقطار العربية،ونرى كيف مخازن هذا السلاح تفتح أبوابها على مصرعيها،ويتم تزويد ما يسمى بالجيش الحر في سوريا وغيره من العصابات المجرمة هناك بها،من أجل تدمير سوريا دولة ومؤسسات وجيش.

في الوقت الذي لم نسمع فيه عن أي محاولة لهذه الدول التي تشتري وتخزن هذه الأسلحة بالمليارات من الدولارات من أجل تزويد قوى المقاومة بها من أجل تحرير الأراضي العربية المغتصبة.

بات من الواضح أن إسرائيل تتحسب وتتهيب وتحسب ألف حساب،عندما تقرر الخروج في مغامرة عسكرية،مثل ضرب ومهاجمة حزب الله اللبناني،او الهجوم على إيران،فهي تدرك أن ذلك ليس بالنزهة أو رحلة صيد،بل ستدفع ثمناً باهظاً قد يكلفها وجودها وبقاءها.

وبالمقابل تمارس عربدتها وغطرستها على الدول العربية الأخرى من محيطها لخليجها،فهي هددت النظام المصري باحتلال سيناء أكثر من مرة،ومنعت النظام من إدخال أية قوات إضافية إليها من أجل السيطرة على الأوضاع الأمنية هناك،بسبب اتفاقيات "كامب ديفيد"التي تكبل وتمنع النظام من إدخال قوات أو أسلحة الى سيناء بدون إذن وموافقة إسرائيل،ولعل تكريم مرسي للسادات كرجل اتخذ قرار ب"الحرب" عام 1973،كان بمثابة رسالة لأمريكا وإسرائيل،بأن النظام سائر على خطى ونهج السادات،وسيحترم ويلتزم بالاتفاقيات الموقعة من اتفاقية "كامب ديفيد" الى اتفاقية تصدير الغاز.

إن قدرة حزب الله على إرسال طائرة بدون طيار،لتطير فوق فلسطين المحتلة مئات الكيلو مترات،من شأنها أن تبعث رسائل طمأنينة إلى كل القوى المقاومة العربية،وكذلك قد تكون بداية تحول استراتيجي عند قوى المقاومة لخلق حالة من التوازن الاستراتيجي،وتعديل جدي في ميزان القوى العسكري مع عدو،تربى على الغطرسة والعنجهية،والوصول الى أي عاصمة عربية يريد الوصول إليها،يقتل ويدمر،دون أن يكون هناك رد سوى "جعجعة" وطحن كلام وترديدشعارات فارغة والتهديد والوعيد الورقي واللفظي.

نعم نحن على المستوى العربي وعلى مستوى قوى التحرر وفصائل المقاومة العربية والفلسطينية،نحتاج الى هذا الصنف من الرجال أمثال الشيخ حسن نصرالله،وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذا الرجل،فهو محط ثقة واحترام وصاحب كلمة ووعد صادق يقول ويفعل،ولا يضيع الوقت في السجالات والمناكفات والمزايدات واللغو الفارغ،ولا يعيش على الأمجاد والتاريخ،بل يصنع مجداً وفجراً وتاريخاً مشرفاً لهذه الأمة.



القدس- فلسطين

بقلم:- راسم عبيدات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت