التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يضع حركة حماس أمام خيارات صعبة

بقلم: إبراهيم أبراش


منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة صنفت إسرائيل القطاع ككيان معاد وبالتالي كانت تبيح لنفسها ممارسة الإرهاب والعدوان على القطاع لاعتبارات أمنية أحيانا ولاعتبارات سياسية حينا آخر.وفي كثير من الحالات كان الهدف من التصعيد العسكري على قطاع غزة إبعاد الأنظار عما يجري في الضفة الغربية والقدس حيث المعركة الرئيسية لإسرائيل ،أيضا للتهرب من استحقاقات العملية السلمية من خلال إظهار بان المشكلة في المنطقة ليست سياسية ولا ترجع للاستيطان بل سببها العنف الآتي من قطاع غزة على شكل صواريخ وجماعات إرهابية مرتبطة بأطراف خارجية،وأحيانا كانت إسرائيل توظف التصعيد على قطاع غزة لإبعاد الأنظار عن مشاكل سياسية واقتصادية داخلية تعانيها الحكومة أو لكسب نقاط في انتخابات داخلية على الأبواب.

إلا أن التصعيد الأخير وإن كانت كل العناصر السابقة تصلح لتفسيره وهي حاضرة بدرجة ما ،إلا أن أمورا مستجدة طرأت على معادلة المواجهة وهذا ما يتبدى من خلال تزامن التصعيد على القطاع مع ما يقوم به الجيش المصري في سيناء ،أيضا الجماعات المستهدفة من الإسرائيليين حيث لاحظنا أن إسرائيل لم تعد تستهدف (جماعات المقاومة) التقليدية التي التزمت بطلب وبضغط من حماس بتهدئة مع إسرائيل، كحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والألوية الخ ،بل تستهدف جماعات السلفية الجهادية المرتبطة بالجماعات السلفية الجهادية في سيناء .

وهكذا فإن تطور الأحداث على الحدود الجنوبية بين قطاع غزة وإسرائيل لم يعد شأنا فلسطينيا إسرائيليا فقط بل بات مرتبطا بتداعيات الأحداث في سيناء وهي أحداث تعطي مؤشرا على معادلة جديدة تتشكل في الشرق الأوسط، أحد طرفيها التحالف بين الإسلام السياسي المعتدل وعلى رأسه الإخوان المسلمين - وحركة حماس جزء منهم - وواشنطن وحلفها الجديد من جانب ،في مواجهة جماعات الإسلام السياسي (المتطرف) وكل دولة أو جماعة تعارض التحالف ألإخواني /الأمريكي أو ينهج سياسة معارضة للمصالح الأمريكية في المنطقة،من جانب آخر .

وهكذا فيما كانت الشعوب العربية تنتظر أن يؤدي ما يسمي بالربيع العربي إلى الديمقراطية والاستقرار الأمني وتحسين الوضع الاقتصادي ،فقد أدى إلى تراجع الحالة الاقتصادية وحالة من الانفلات والفوضى الأمنية وتفجر النزعات الطائفية والقبلية والجهوية وإلى مواجهات بين ما يسمونها الجماعات الإسلامية المتطرفة من جانب و الإسلام السياسي المعتدل الذي تم إيصاله للحكم في غزة وتونس ومصر من جانب آخر .

لو عدنا لمشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد الذي طرحته واشنطن عام 2004 بعد فشل حملتها لمحاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وهو المشروع الذي تم توضيحه مع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة أو البناءة المطلوبة في الشرق الأوسط ،سنلاحظ أن أهم أهداف هذا المشروع إدخال تغييرات جذرية في بنية الأنظمة والمجتمعات لأنها السبب في الفقر وفي انتشار الإرهاب ،وكانت الرؤية الأمريكية تقوم على دمج الإسلام السياسي المعتدل في الحياة السياسية في العالم العربي ،ليس حبا في الديمقراطية بل رغبة من واشنطن بان يؤدي ذلك إلى حالة الفوضى البناءة بالمفهوم الأمريكي وهو ما يجري اليوم للأسف ،أيضا أن يقوم الإسلام السياسي المعتدل الذي ساعدت واشنطن على إيصاله للحكم على محاربة الجماعات الإسلامية الإرهابية بالتوصيف الأمريكي .

من اليمن والصومال وليبيا وتونس إلى مصر وغزة طغىت الصراعات بل المواجهات العسكرية بين الجماعات الإسلامية وبعضها البعض على غيرها من القضايا المصيرية للأمة .ففي غزة قامت القوة التنفيذية التابعة للحكومة في سبتمبر 2008 بمهاجمة مواقع وسكن ممتاز دغمش زعيم (جيش الإسلام) المتهم بعلاقته بتنظيم القاعدة ،وسقط العشرات من القتلى والجرحى،وفي أغسطس 2009 قامت قوة من حكومة حماس بالهجوم على مسجد أبن تيمية في مدينة رفح معقل الشيخ عبد اللطيف موسى وجماعته (جند أنصار الله ) وتم قتل عبد اللطيف والعديد من جماعته ،جرى كل ذلك بدون ردود فعل أمريكية أو غربية أو عربية ،ولو أن ما جرى كان في عهد السلطة الفلسطينية وقامت أجهزة السلطة بهذا العمل لقامت الدنيا ولم تقعد متهمين السلطة بأنها تنفذ مخططا أمريكيا إسرائيليا لمحاربة المجاهدين الخ .وقبل شهرين بدأ الجيش المصري وبأوامر من الرئيس ألإخواني مرسي بعملية واسعة ضد الجماعات الإرهابية المتطرفة في سيناء بعد عملية إجرامية جرت في بداية أغسطس أدت لمقتل 16 جنديا مصريا في مدينة رفح المصرية،وما زالت العملية متواصلة ويسقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين ، ومع إقرارنا بحق الجيش المصري بحماية الأمن القومي لمصر ومواجهة كل من يخرج على القانون ،إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هل كان الجيش المصري يستطيع دخول سيناء بدون موافقة أمريكية وإسرائيلية ؟ أيضا لو كانت هذه المواجهات بين الجيش المصري والجماعات الإسلامية في عهد مبارك لكانت الاتهامات انهالت على مبارك بأنه متواطئ مع إسرائيل وواشنطن وانه يقتل المجاهدين الخ .

إن كان التصعيد الأخير على غزة جزءا من حرب معممة إسرائيلية على الفلسطينيين في كل مكان ،إلا أن يجب الحذر من تداعيات هذا التصعيد على الوضع الأمني والسياسي في قطاع غزة ،فقد بات مصير قطاع غزة مرتبطا بمآل الأحداث في مصر سياسيا وامنيا وخصوصا في سيناء،وأخشى ما نخشاه أن يتم استدراج الجيش المصري لحرب استنزاف طويلة المدى في سيناء يؤدي لتنسيق ودعم لوجستي متبادل وانتقال عناصر مقاتلة ما بين الجماعات الجهادية في سيناء ومثيلاتها في قطاع غزة ،وبذلك تصبح حكومة حماس وقطاع غزة جزءا من هذه المواجهة .وإن كانت إسرائيل ترمي لدفع حركة حماس للدخول في مواجهة مسلحة لتصفية الجماعات الجهادية في قطاع غزة،فإن مصر ستطلب من حماس نفس المطلب بل طلبت ذلك بعد عملية رفح ،وفي هذه الحالة سنكون أمام تحالف حمساوي إخواني أمريكي إسرائيلي في مواجهة الجماعات المتطرفة ،كما أشرنا أعلاه .

لا شك ان مشكلة حركة حماس مع حركات المقاومة الأخرى سابقة لظهور الجماعات السلفية الجهادية ،حيث بدأت مؤشرات المواجهة بين حركة حماس كحزب سلطة معني بالحفاظ على سلطته في القطاع والحركات المقاومة الأخرى منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 ثم تزايدت مع الهدنة بين حماس وإسرائيل برعاية قطرية ومصرية ،وقد رأينا بعض فصول هذه المواجهة كما أشرنا أعلاه مع جماعات سلفية جهادية ،كما جرت مواجهات محدودة مع الجهاد الإسلامي تارة ومع الألوية تارة أخرى . إلا أن ما يجري منذ سنة تقريبا يكشف أبعادا جديدة للعلاقة بين حماس والجماعات الجهادية تم كشف بعض أوجهها في تصريحات للمتحدث باسم جماعة التوحيد والجهاد بعد مقتل زعيمه أبو الوليد المقدسي أول أمس ، حيث اتهمت هذه الجماعة حركة حماس بأنها صادرت أسلحتهم واعتقلت عناصرهم ،ولم تخلو التصريحات من وعيد وتهديد لحركة حماس .

كان من الممكن أن تستمر سياسة ألا حرب وألا سلم التي تريدها حركة حماس مع إسرائيل وهي سياسة تقوم على عدم الاعتراف المتبادل وأيضا على السكوت المتبادل على الأمر الواقع بين غزة وإسرائيل لأنها سياسة تخدم إسرائيل وتشكل عائقا أمام المصلحة وتخدم النخبة الحمساوية الحاكمة في غزة حيث ستتمكن من التفرغ للسيطرة على كل مقدرات القطاع ومراكمة الثروة دون خوف من التهديدات الإسرائيلية ،إلا أن (الربيع العربي) خلق معادلة جديدة كشفت كثيرا من الأوراق و أدت للمأزق الحالي لحركة حماس .حماس اليوم تدفع ثمن نهجها المتفرد بالمقاومة ، رافعة شعارات كبيرة كالجهاد حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ،ورافضة الاعتراف بإسرائيل والتسوية ، موظفة قيمة سامية وهي الجهاد لتقدم أرواح آلاف الشباب على مذبح العمليات الاستشهادية لخدمة أغراض حزبية مصلحية ضيقة تكشفت أخيرا أنها دولة غزة .

لا يمكن لحكومة حماس اليوم أن تمنع جماعات إسلامية بان تسير على نفس النهج الذي سارت عليه حركة حماس قبل أن تتحول لحزب سلطة ،لا تستطيع أن تقول للجماعات السلفية الجهادية إن محاربة إسرائيل كفر،أو تمنعها من القول بأن فلسطين وقف إسلامي لا يجوز التفريط به ولا يجوز الهدنة مع اليهود والكفرة حتى تعود فلسطين لأهلها.كما وظفت حركة حماس الدين لأغراض سياسية حزبية فمن (حق) الجماعات الجهادية أن توظفه أيضا،فالدين الإسلامي ليس حكرا على احد ،ولم تأخذ حركة حماس تفويضا ربانيا ولا تفويضا شعبيا باحتكار الدين أو احتكار الحق بالجهاد ! .

لا يعني ذلك أننا نؤيد نهج الجماعات الجهادية ،فنحن قلنا ونعيد بان كل عمل مسلح أو جهادي ضد إسرائيل ،سواء كان إطلاق صواريخ أو عمليات استشهادية ،خارج إطار إستراتيجية وطنية شمولية لن يكون أكثر من عمل عبثي إن لم يكن نوعا من (الارتزاق الجهادي ) . إن الحق بالمقاومة حق مشروع دينيا ودنيويا ما دام الاحتلال قائما ،ولكن في إطار إستراتيجية وطنية للمقاومة وليس مقاومة فصائلية حزبية موسمية بالشكل الذي سارت عليه حركة حماس ويحتذي بها آخرون اليوم . حماس تجني اليوم ثمار ما زرعت ،وعليها أن تختار إما أن تكون مع جبهة واشنطن والإسلام المعتدل في مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة؟ أو تصطف إلى جانب (معسكر المقاومة والممانعة ) ،معسكر مقاومة واشنطن وإسرائيل ،مادامت فلسطين محتلة من إسرائيل المحمية والمدعومة من واشنطن؟.

التصعيد الإسرائيلي على القطاع وأحداث سيناء يضع حركة حماس أمام أحد الخيارين:-

1- إما أن تصمت حماس على هذه الجماعات الجهادية حتى لا يتم تصنيف حركة حماس كجماعة معادية للجماعات الإسلامية ومنصاعة للإرادة الأمريكية والإسرائيلية بمحاربة الإرهاب .هذا السكوت سيؤدي إلى مزيد من تعاظم قوة هذه الجماعات وشعبيتها وهي تتزايد بالفعل بسبب خروج حماس من ساحة المقاومة وانشغالها بالسلطة ومغانمها وترفها ،وبسبب البطالة و الأزمة الاقتصادية لأهالي قطاع غزة وهي أزمة لم يعد أحد مقتنع بأن بسبب الحصار ،فالمواطنون والمراقبون مقتنعون بل بسبب الأزمة يعود لأخطاء وفشل حركة حماس في إدارة قطاع غزة .

2- أو أن تدخل حركة حماس وحكومتها في مواجهة مفتوحة مع هذه الجماعات وهي مواجهة لا تُحمَد عقباها ولن تكون هينة ،ليس لقوة وكثرة عدد الجماعات السلفية الجهادية بل لضعف شعبية حركة حماس ولكون كثير من المنتمين لهذه الجماعات تعود أصولهم التنظيمية لحركة حماس ،كما أن إسرائيل ستكون معنية بتغذية هذا الصراع وإطالة أمده ولها من الأدوات في قطاع غزة وسيناء ما يساعدها على ذلك .



‏15‏/10‏/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت