مآل إخوان الربيع إلى تجربة حماس

بقلم: طلال الشريف



وأنا أراجع أزمة مشعل والزهار وأزمة عباس ودحلان، وصلت لنتيجة مفادها أن أزمة فتح داخلية بحتة لها أسباب ذاتية فتحاوية محضة، أما أزمة حماس داخلية لها أسباب خارجية مؤكدة.
وأنا أبحث في عمق الأزمة الحمساوية، كان الموقف المتناقض جدا لمشعل والزهار في الموضوع السوري، وكذلك الموقف حول المسافة من العلاقة مع ايران هما مربط الفرس، فموقف مشعل كان منحازا كليا للثورة في سوريا، و موقف الزهار مع ما يريده الشعب السوري، ولكن مع الاعتراف والتقدير لما قام به النظام السوري من تأييد ومساعدات واستضافة لحماس وقيادتها.
وعند تحليل المواقف المتناقضة من أصحاب التنظيم الاسلامي الواحد والمرجعيات الفكرية الواحدة كانت المواقف تؤشر على ما هو أعمق لمنطلقات الموقفين المتضادين لمشعل والزهار، وهنا تكمن فكرة المقال بالضبط.
مشعل حمل الموقف الاخواني الحقيقي الذي انحاز وقت الامتحان لعقلية الاخوان المسلمين الايديولوجية التي تتجاوز الهوية الوطنية، وتلك العقلية الاستئصالية الاحلالية، بافتراض أن الاخوان المسلمين هم القادمون للحكم في سوريا، وهو ينطلق من موقف يتماثل مع قطر والشيخ القرضاوي والسعودية والإخوان في مصر كما ظهر في موقفهم عبر مبادرة الرئيس المصري الاخواني محمد مرسي.
مشعل قاد حماس في كل ما فعلته من احلال للإسلامي على حساب الوطني في فلسطين منذ الانقسام حتى اليوم رغم الظاهر من علاقاته مع الرئيس أبو مازن التي أصبحت أكثر نعومة بشأن المصالحة الوهمية التي تكتك بها الاخوان المسلمون باتفاق الدوحة المفاجئ لمواصلة ربيعهم في دول عربية أخرى، وحيث استمرار الرفض الحمساوي للمصالحة في فلسطين قد يفجر لهم أزمة في ذاك الوقت ولهذا لم يطلع مشعل قيادات غزة على الاتفاق مسبقا. ولعل الزيارة المؤجلة لأمير قطر ومشعل تفتح عناوين أكبر في مواصلة نهج الاخوان الاحلالي والاستئصالي للوطني لحساب الديني الحمساوي، وهو ما فوجئ به حكام الوطني في رام الله، والوطنيين في غزة من زيارة حمد ومشعل لغزة،
نعود لفكرة الموضوع ومآل الاخوان هو في طريقه إلى التجربة الحمساوية في غزة، نعود للحديث عن مصر كمركز لوصول الاخوان المسلمين لسدة الحكم بعد ربيع العرب الضبابي.
وعندما يقال عن امكانية تبلور كيان سياسي بفضاء ديني في دول مثل مصر وتونس على غرار التجربة التركية، هنا نقول بأن التجربة الاربيكانية وما أطلق عليها لاحقا الأردوغانية هي شيء مختلف في بيئتها، وظروف تطورها، وتعاطيها مع الفضاء السياسي التركي على مدى أربعين عاما بأحزاب وأسماء مختلفة ووجودها ضمن النظام السياسي الشرعي التركي أصبح لديها فهم حقيقي بتغليب الوطني التركي على الايديولوجي الديني، وهم يحكمون منذ سنوات ولم يغيروا أو يستأصلوا الأحزاب الوطنية أو يقمعوها ولم يغيروا الجيش والاجهزة الأمنية ولم يغيروا الهوية الوطنية التركية، وعملوا كحزب اسلامي في فضاء الهوية الوطنية التركية، ولعل موقفهم من المشكلة السورية تحمل الطابع الوطني أكثر منه الطابع الايديولوجي رغم التنسيق بينهم وبين حكام الاخوان الجدد ومن لهم مآرب في تغيير النظام السوري، ولكن على الصعيد الداخلي التركي فلم تؤد سياسات أردوغان وحزبه إلى اخفاقات وتأزيم تشكيلات المجتمع التركي ألا في قضية الاكراد وهي قضية مزمنة تعاملت معها الادارات التركية بنفس المنهج، وهنا الاختلاف عن حماس والإخوان في تغليب الوطني على الحزبي الايديولوجي رغم المرجعيات الواحدة مع جماعة الاخوان المسلمين.
أما جماعة الاخوان المسلمون في مصر فلها تجربة وفضاء وحيثيات أخرى ولعل ما يدور في مصر منذ دخول الاخوان المسلمين على خط الثورة المصرية بعد شهر من بدئها ومرورا بالانتخابات التشريعية والرئاسية ووصولهم للحكم وقضية لجنة الدستور والمحكمة الدستورية وتغيير العسكر وأخرها قضية النائب العام، وقضايا هامة أخرى أقل صخبا، وهذا يحتاج اضاءة على كثير من المحطات، فما كان في أواخرعهد الملكية وثورة يوليو وما تلاها حين رفض الاخوان المسلمون دولة التحرر ذات الطابع الوطني واستخدامهم للعنف والاغتيالات والتصفيات الجسدية للخصوم والدعوة مبكرا للدولة الاسلامية وامتلاك السلطة بدل الدولة القومية أو الوطنية، حيث لا تؤمن جماعة الاخوان المسلمون بالدولة الوطنية، ولا بالهوية الوطنية إلا اضطرارا، وكوسيلة للهيمنة لاحقا، ومن ثمة التعيير إلى الهوية الدينية.
عند وصول الاخوان للحكم حاولوا ومازالوا يحاولون الاستيلاء على مفاصل الدولة والجيش والأمن والوظائف ولعل آخرها كما تحدثنا هو موضوع النائب العام المصري، وكذلك تصرفوا بما لا يطمئن مع القطاعات المجتمعية الأخرى ومن ضمنها تيارات دينية وسلفية وهم على ما يبدو غير وحدويون وغير ديمقراطيون ولا يقبلون الآخر بما فيهم النماذج الاسلامية الأخرى من الاسلام السياسي.
ولذلك، أنا أكثر ميلا لأن يتصرف الاخوان المسلمون كنموذج حماس في قطاع غزة وستظهر حقيقتهم عند مفصل اشتداد الاشتباك مع المعارضة الوطنية، أو، عند امكانية ضياع الحكم وفقدان السلطة، وسيفتتون الدولة الوطنية الجامعة عبر منهجهم الاقصائي والاستئصالي والفئوي والتكفير والتخوين للقطاعات الوطنية الأخرى، وتحويل المجتمع الى فئات متناحرة ...
وللتذكير بمثال ما فعلته حماس فرع الاخوان المسلمين الاكثر التصاقا بالإخوان في مصر، من رفض الوطني ومحاولة اقصاؤه واستئصاله والاحلال محله والانقسام الحادث هنا في فلسطين:
- منذ البدء وفي الانتفاضة الاولى رفض الاخوان المسلمون الانضواء تحت مظلة القيادة الموحدة للانتفاضة وكان لهم فعالياتهم وأيام اضراباتهم وبياناتهم الخاصة.
- الانقسام ورفض الوطنية الفلسطينية بمحاولة ايجاد بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية أو الهيمنة عليها للاحلال الديني مكان الوطني.
- بعد الانقسام تم احلال الموظفين الحمساويين في كل الوزارات وانشاء أجهزة أمنية حمساوية.
- استولت حماس على مؤسسات وجامعات وجوامع وتراث وحتى الأغاني الوطنية أبدلت كلماتها بأغاني حمساوية.
- تصريحات قيادات من حماس بأن لا صلح مع العلمانيين، والعلمانيين في نظرهم هم كل من هو غير حماس.
- وتصريحات أخرى من قادة حماس بأن الحدود الجغرافية غير مهمة والأهم الايديولوجيا والوحدة الدينية.
- منعت حماس فصائل العمل الوطني من عمل مهرجاناتهم في أرض الكتيبة في الوقت الذي سمحت فيه لحركة الجهاد بإجرائها هناك.
- عادت حماس تطلب اعتراف الغرب وأمريكا في الوقت الذي كانت تعيبه على التيارات الوطنية.
- لم تطالب حماس "الاخوان المسلمين" وهم في سدة الحكم بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد كما كانت تطالب سابقا، ولم تطالب حماس ولا مرة بحل السلطة وإلغاء اتفاقية أوسلو رسميا.
إن ما يوحد الوطن والشعب هي الهوية الوطنية الجامعة وحسابات الأوطان ليست حسابات الأحزاب وأما الاحلال والاقصاء والاستئصال وحتى السلطة والحكم فهي كلها عابرة ومؤقتة، والفلسطينية هي الباقية.....
16/10/2012م

د. طلال الشريف

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت