إن المتابع للأوضاع التي تعيشها السلطة الوطنية الفلسطينية ، يُدرك بأنها أصبحت مجرد اسم بلا مضمون ، فبعد سبع عشر سنة من الإنشاء والتواجد على أراضي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ، بدأت تتلاشى من حيث المضمون والهدف وآلية العمل ، ففي البداية كانت سلطة قوية لها حضورها الدولي والعربي والآن أصبحت مجرد متسول وصراف آلي تدفع الرواتب فقط .
لهذا الوضع عدة أسباب منها داخلية تتعلق بالانقسام الداخلي الذي قسم الوطن وأضعف موقفها أمام الرأي الدولي ، وبالتالي استغلته إسرائيل للانقضاض على الجزء الذي تُسيطر عليه فعلياً وهو الضفة الفلسطينية وأصبحت تهدد وجودها ، وثانياً الأوضاع العربية وما يُسمى بالربيع العربي ، والذي أطاح بالأنظمة التي كانت بمثابة جزء داعم السلطة الفلسطينية سياسياً وعلى رأسها النظام المصري ، هذا الوضع السياسي انعكس على الحالة المالية للسلطة وبالتالي أصبحت بموقف ضعيف لا يمكنها من الوقوف أمام مسؤولياتها الوطنية والاقتصادية والمعيشية لشعب يعيش تحت خط الفقر وليس لديه أي موارد ذاتيه .
بالتأكيد العرب ساهموا في إضعاف السلطة الوطنية ، لأنهم تركوها وحدها تواجه إسرائيل ، وإسرائيل أوعزت لكل حلفائها الوقوف في وجه أي تقدم سياسي للسلطة وحصارها والضغط المالي عليها ، كما صعدت من حربها الاستيطانية بشكل يهدد أي حل سياسي ، وفرضت واقع أمني وسياسي لن تستطيع كُل المفاوضات تغييره في ظل غياب الوحدة العربية والقرار الجريء بالوقوف في وجه إسرائيل ، وكأن العرب يريدون لإسرائيل أن تقضي على ما تبقى من الأرض الفلسطينية ، وبالتالي فرض أي رؤية أو حل علينا القبول به على ارض الواقع ، واقع تكون فيه الأرض الفلسطينية عبارة عن جزر متباعدة جغرافياً ، ويكون المواطن قد أنهكت كُل قواه وطموحاته ، ولم يستطع بمقدوره إلا الخنوع والقبول .
كذلك بعض الدول الأوروبية ساهمت في إضعاف السلطة الوطنية وتحجيم دورها ، وهذا نتيجة عدة عوامل منها الرغبة في عدم إبقاء الحالة السياسية على حالها ، والضغط عليها للقبول بالعودة للمفاوضات بشكل تدريجي برغم علمها أن إسرائيل لا تريد أي حل ، بالإضافة إلى أن أوروبا انتظرت السنوات الطويلة الماضية كي تتمكن السلطة من الاعتماد على نفسها مالياً لكن سوء الإدارة والتجاوزات المالية أضعف الأداء الحكومي باتجاه الاستقلالية المالية الكاملة .
الآن تعيش السلطة في وضع خطير جداً ، فمن ناحية هي مهددة الوجود ، ولا حول لها ولا قوة ، والعرب منشغلين بقضاياهم الداخلية وكذلك عدم رغبتهم الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية لأنهم بالنهاية يرغبون بعلاقات كاملة مع إسرائيل التي يعتبرونها قوة سياسية واقتصادية مهمة في العالم ويجب استغلال العلاقة معها لخلق توازنات جديدة في المنطقة للضغط على إيران وإيقاف التمدد الشيعي في المنطقة .
إذا ظلت الأمور كذلك ، لن نستطيع الصمود طويلاً ، ولن تستطيع السلطة الصمود في وجه المؤامرات الإسرائيلية ، والاستيطان والتغول وهدم المقدسات ، وستفقد أي سيطرة على المجتمع الذي سيتحول إلى مجموعة من العاطلين الين سيرتكبون الجرائم وسيخلون بالأمن العام من أجل الحصول على لقمة عيشهم التي تتعرض لموجه من الغلاء والبطالة والفقر ، وسوف تدفع المنطقة بأكملها ثمن ذلك وأولهم إسرائيل التي ستكون وجهة غضب المواطن الفلسطيني لأنها السبب الرئيسي في كُل الأوضاع والمتغيرات التي نعيشها وهي السبب في حصارنا وقتلنا وتجويعنا إضافة لسرقة ونهب أرضنا .
كما أن محاولات السلطة الوطنية التلاعب بمصير عشرات الآلاف من الموظفين ، والمساس بحقوقهم ورواتبهم ، سيكون له عواقب اجتماعية ووطنية كبيرة في المستقبل ، لأننا سنرى مجموعة من الموظفين إما مرضي نفسيين أو مجرمين أو موجودين في السجون نتيجة ضعف القدرة المالية وزيادة المطالبات اليومية لعائلاتهم ، وعدم وجود حل سياسي يؤدي لاستقرارهم وظيفياً .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت