يبدو أن الأزمة السورية باتت أزمة دولية شائكة ، نظرا لتشابك المصالح من جهة وتصادمها من جهة أخرى ، هذه الأزمة جعلت ما يسمى بثورات الربيع العربي تتوقف عند عتبات دمشق وربما يأتي التوقف لفترات طويلة قادمة ، بسبب عجز من أرادوا لهذه الثورات الانطلاق والتمدد لتشمل باقي أجزاء الوطن العربي الكبير ، حيث عجز هؤلاء على كبح جماح الثورة في سوريا وقد افلت زمام الأمور من يدهم لدرجة أصبحت فيها سوريا خارجة عن السيطرة ، وربما أن هذا العجز مصدرة دمشق هذه المدينة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ حتى أن معظم المؤرخين يجمعون على أنها المدينة الأقدم في العالم ، هذه المدينة تشربت كل أنواع العبق التاريخي عبر العصور، ولتقف شاهدة على كل العصور بما حوت من حضارات ، مدينة مثل دمشق لايمكن لها الاستسلام بكل سهولة، لهذا أخطا من أرادوا لها السقوط لتذهب بعيدا عن مجرى التاريخ ، فمن دمشق كانت الدولة السورية التي لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على ما تبقى من عروبة ولتبقى خط الدفاع الأول عن الأهداف والمبادئ العربية في الثورة والتحرر من الاستعمار والتطور والتقدم .
لهذه الأسباب كان الهدف هو سوريا وذلك بزجها في آتون حرب تأكل الأخضر واليابس فيها ، وتلعب فيها الجغرافيا السياسية دورا كبيرا حيث الموقع الجغرافي الذي يفصل بين العديد من القوميات مثل القومية التركية و الكردية في الشمال وليس بعيدا القومية الفارسية في الشرق ، والقومية العربية جنوبا ، منطقة جغرافية كانت محل أطماع الدول الكبرى منذ القدم لهذا لا استغراب في أن نجد قوى دولية تقف بقوة في إدارة ما يجري في سوريا ، فروسيا الدولة العظمى حيث تخشى من فقدان الفرصة الوحيدة المتاحة لها للإطلال على البحار الدافئة ، والصين الدولة العظمى التي بدأت تتحرك بفاعلية في السياسة الدولية معلنة بان المارد الصيني قد انطلق من قمقمه ، وكأتا الدولتين العظميين ترفضان النظام العالمي الجديد التي فرضته الولايات المتحدة ردها من الزمن ، حيث لا مجال للقطب الواحد في هذا العالم ، قوى أخرى اقلبمية لها أجنداتها الخاصة تركيا التي تحلم باستعادة أمجاد عثمان، وإيران التي تحلم أيضا باستعادة الأمجاد الفارسية ، وساحة المعركة بين القوتين هي ارض سوريا العربية ، والغريب أن وقود هذه الحرب الدائرة يمول من أموال العرب الذين بدا البعض منهم في اتخاذ سوريا عدوا متربصا بهم ونسوا أو تناسوا أنهم كانوا مع سوريا في خندق واحد منذ وقت ليس بالبعيد في مواجهة الدولة العربية الشقيقة العراق تحت غطاء ما يعرف بالتحالف الدولي الذي استطاع إزاحة العراق من خارطة القوة العربية لتغرق في أزماتها الداخلية التي لا نهاية لها .
مصالح متشابكة ومتضاربة تجعل من الأزمة السورية أزمة دولية تهدد بامتدادها اى بقاع كثيرة مجاورة وحتى بعيدة إذا لم يتم تدارك الأخطاء التي أحدثتها هذه الفوضى ، وأول هذه الأخطاء هي فتح الحدود التركية على مصراعيها لتتدفق الجماعات الجهادية المختلفة إلى الأراضي السورية لتحرف مسار الثورة السورية التي انطلقت من اجل التغيير الحقيقي الذي يكفل حياة حرة كريمة للشعب السوري دون إراقة دماء وبشكل حضاري .
والخطأ الثاني الدعم الغير محدود لكل من هو معادي للنظام السوري سواء من المواطنين السوريين أو من الجماعات الوافدة عبر الحدود بالمال والسلاح والدعم اللوجستي دون مراعاة لأهداف هذه الجماعات ، وطبيعة نشاطها في الأراضي السورية ، الأمر الذي جعل من الأراضي السورية من منطقة أوحال لا يستطيع احد الغوص فيها ، أوحال تعمل على تعقيد الأمور هناك وتجعل من هذه الأزمة أزمة مستعصية عن الحل على الأقل في المدى المنظور .
أن ما يجرى في سوريا سيلقي بظلاله قريبا على دول وشعوب المنطقة ، لذلك نقول أن من يحاول الغوص في الوحل السوري سيخرج خاسرا لا محالة إذا لا رابح في هذه الحرب ، وسوف لن تنفع كل الرحلات المكوكية للوفود والمبتعثين من الهيئات والدولية ، وان سبل الخروج من الأزمة هي سبل واضحة وأهمها:
أولا : إغلاق الحدود التركية أمام المقتانلين الوافدين من خارج الحدود .
ثانيا : اعلاق الحدود التركية أمام أي نوع من أنواع التدفق للأسلحة والعتاد الحبي إلى داخل سوريا
ثالثا: عدم تدخل الدول العربية خصوصا قطر والسعودية بالدعم المالي والمادي خاصة للجماعات القادمة من وراء الحدود .
رابعا : اتركوا سوريا للسوريين على اعتبار أن الماضي لن يعود وقد عرف النظام السوري الدرس جيدا ، ولكن يجب منح الفرصة جيدا لتسوية المشاكل وأحداث التغيير المطلوب .
قد يقول قائل أن الأسباب سوف تفتح الباب واسعا لنظام الحكم في سوريا للاستفراد بأبناء الشعب ، وأقول لا مرة أخرى فقد تم استيعاب الدرس ولكن لا يمكن أن يتم التغير بالقوة وفي ظل هذه المعطيات بعد أن تحول الكثيرون ممن حملوا راية الثورة إلى متمردين حقيقيين وهذا ما تتناقله الأنباء وما يصرح به من بعض المقاتلين الذين غادروا سوريا ، حيث القيام بالعديد من المظاهر البعيدة كل العد عن الثورة وأهدافها ما يجعل النظام محقا في وصفهم بالإرهابيين .
اعتقد بان الشعب السوري بعد هذه التجربة المريرة قد أصبح شغوفا بعودة الهدوء والاستقرار لبلدة ، وهو حريص كل الحرص على حمايتها وحمايته وحدة الأراضي السورية والدولة السورية ، واعتقد أن هناك فرصا حقيقية للحوار إذا تم وقف إطلاق النار من قبل الجانبين ، وأخيرا على الجميع إنقاذ سوريا بالابتعاد عن التدخل السلبي فيها اتركوها لأهلها فأهل مكة ادري بشعابها .
أكرم أبو عمرو
21/10/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت