انتخابات العبيد في الكانتونات الفلسطينية

بقلم: خالد بركات

جَرَتْ انتخابات البلديات الفلسطينية المَحلية في الضفة – دون عقدها في قطاع غزة وفي القدس المحتلة – وقيل لنا على لسان كهنة السلطة أنها ليست انتخابات سياسية ، بل " انتخابات خدمية للجمهور " فيما الحديث والنقاش، الذي دار ويدور حولها، هو سياسي بامتياز، من أوله إلى آخره، ويتصل بالتحديات الفلسطينية ذاتها، بل وبالواقع الفلسطيني الشامل تحت الاحتلال . الحقيقة، لا أحد في هذا العالم يفصل، وبمثل هذا التعسف، بين الانتخابات، وبين الهم العام السياسي في أي بلد،إلا بعض الجهابذة من الفلسطينيين الذين جاءا إلى السياسة من بوابة الوظيفة والمنفعة الشخصية، فأقاموا نظام المحسوبيات والتنسيق الأمني والوكيل والشريك مع اقتصاد الاحتلال ولو من الباطن.

يقول الدكتور ناثان بروان، المحلل السياسي في معهد كارينغي واصفاً حال القيادة الفلسطينية مع الانتخابات المحلية " أنها قيادة فاشلة، فشلت في كافة الاتجاهات، فلا يستطيعوا الذهاب إلى المجتمع الدولي لطلب المزيد من المال، ولا يستطيعوا عقد انتخابات عامة، ولا نجحوا في عقد المصالحة، فقالوا، اذن، نعمل انتخابات بلدية ( في الضفة) على الأقل " . إن عقد الانتخابات المحلية في الضفة هدفه سياسي بحت، وجاء ليخدم مصالح طبقة محددة، بالتحالف مع القيادة الفلسطينية المهيمنة في مؤسستي المنظمة والسلطة، بهدف تشريع دورها ووجودها مرة ـأخرى، وإشاعة تلك الكذبة الكبرى عن امكانية تحقيق " الديمقراطية " تحت الاحتلال في كانتونات ومعازل.

المنطق الصهيوني التقليدي يحتفي بهذا الأمر. فمنذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، ويؤكد القادة الصهاينة أثناء جولاتهم في الولايات المتحدة والغرب على " أننا لا نريد أن نحكم الفلسطينيين، بل نسمح لهم أن يعقدوا انتخاباتهم في حرية وشفافية مطلقة ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة وإدارة حياتهم " هذا المنطق الصهيوني معناه أن العلاقة مع الفلسطينيين، كما هي الآن، هي العلاقة الأمثل والأفضل والأبدية، مع بعض التعديلات التي يمكن أن تجري في ظل مفاوضات ثنائية ومباشرة . يقول الصهاينة " يستطيع سكان المناطق إجراء انتخابات تشريعية وبلدية متى شاءوا ، ليختاروا ممثليهم، هذا ما نريده، وهذا ما يريدوه ."

منطق السلطة الفلسطينية يذهب هو الآخر في سياق المجرى الصهيوني الأمريكي نفسه. يقول صائب عريقات لوكالة الاسوشيتدت برس يوم أمس الأول " إن حماس لا تستطيع أن تملك فيتو على الديمقراطية الفلسطينية " علينا أن نستنج نحن من هذه العبارة العريقاتية، أن حماس طرف ظلامي، فيما سلطة رام الله هي نموذج للديمقراطية والحقوق والتنوير، لماذا ؟ لأن انتخابات للبلديات جرت في 82 كانتون فلسطيني تحت الاحتلال ؟

هل يمكن لشعب ما أن يمارس حقوقه وحريته تحت حراب الاحتلال؟ أن تكون الانتخابات حرة، لا يعني عدم تزوير في الأرقام والأوراق في الصناديق، هذا طبيعي، وإلا فهي ليست انتخابات. لكن المقصود بإجراء انتخابات حرة، أي أن لا تكون هناك ضغوطات من أي جهة على الناخب، وأن يكون الواقع السياسي موائماً لها، وأن لا تجري في ظل هيمنة فئة محددة على مؤسسات المنظمة والأجهزة الأمنية، وكل ما هو ملكية عامة للجماهير. هل هذا هو واقعنا الفلسطيني ؟ أم أن شعبنا يرزح تحت الاحتلال وتحت إدارة فلسطينية هزيلة وفاشلة ؟ كيف تكون انتخاباتنا حرة ؟ وهل كانت شاملة وقد عرّضنا وحدة الأرض والشعب للانقسام ولم تجرِ لا في غزة ولا في القدس.

يقول البعض في دفاعه عن الانتخابات والسلطة : مهلاً يا أخي، ألم نكن نجري انتخابات دورية في المؤسسات والنقابات الفلسطينية والاتحادات الشعبية قبل وجود السلطة؟ وتحت الاحتلال أيضاً؟ فلماذا تقول لنا أن هذه الانتخابات صارت هي الشر المطلق بينما في حينها كانت حلال وشرعية ؟!.

الجواب باختصار : جرت انتخابات للبلديات والمجالس المحلية الفلسطينية في منتصف السبعينات، وهي تجربة لم يكررها الاحتلال بعدها، وكلنا نعرف النتائج بعد فوز قوائم الجبهة الوطنية ( م ت ف ) في مواجهة أزلام الاحتلال والنظام الأردني ، ثم ألغيت النتائج ودخلنا في حقبة مشاريع روابط القرى وتعيين المجالس القروية والبلدية، والتي اعتبرتها الحركة الوطنية الفلسطينية حينئذ بمثابة امتداد لمؤسسة الاحتلال ولو أن الجمهور اضطر للتعامل معها، مجبراً لتسيير حياته اليومية لكن على غير رضى منه، وحين وصلنا إلى الانتفاضة الشعبية الكبرى في العام 1987، دعت القيادة الوطنية الموحدة إلى حل كل المجالس القروية والبلدية المعينة من قبل سلطات الاحتلال، فانهارت وخرّت الواحدة تلو الأخرى تحت وقع وهدير الانتفاضة الباسلة وأمام سلطة الشعب.


بقلم: خالد بركات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت