صراع الفلسطينيين مع إسرائيل صراع أزلي ووجودي، وطبيعته تاريخية، فكل طرف له حججه وقوائم مطالبه، لكن الأمر يتعلق بدولة يحميها قانون القوة لا الشرعية، وأزمة العرب مع إسرائيل أنها دولة عقول لديها خططها ونظامها ومبادئها، فقد كرّست جهدها في بناء قوة تعادل دول المنطقة جميعاً، وليس فقط للسيطرة على النزاعات مع الفلسطينيين، وبين واقعية من اعترف بها وبادلها السفراء أو من سعى لذلك على استحياء، تشعر إسرائيل أنها في محيط عربي، إما التعايش بمنطق الوجود التاريخي بحيث يسود السلام، أو ديمومة الحرب، وهي لا تنظر للمنطقة وحدها، بل متغيرات القوى وتعدد الأقطاب، وهذه المرة لا تستطيع خلق قوى ضغط مثل ما حدث في أوروبا أثناء التأسيس ثم الحضانة الكاملة من قِبل أمريكا، فالدول القادمة بقوة تختلف مصالحها عن الغرب وخاصة الصين والهند فهما تتبعان سياسات تحقق مصالحهما وفق منطق مغالبة الأكثرية العربية على الأقلية الإسرائيلية، وحتى روسيا التي سهّلت هجرة يهود الاتحاد السوفياتي، لا تزال علاقاتها العربية أهم لها من حليف استثنائي للعرب ورأس حربته في المنطقة..
الفلسطينيون منقسمون حتى لو لم يعترفوا بالواقع الراهن، فالضفة قطاع منفصل عن غزة إلا عبر إسرائيل وحدود ١٩٤٨م والقضية ليست جغرافية بل أزمة نظامين كل منهما يرى الآخر بعقلية المستقل عنه، وحتى الانتخابات المحلية الجزئية التي فازت فيها فتح، رأتها غزة تأكيداً للانقسام، بينما إسرائيل تتوسع ويصرح «ليبرمان» وزير خارجيتها أن لا تفاوض على القدس لأنه يدرك أن التنافر الفلسطيني بين القطاع وغزة يعطيها حق الرفض لأي مشروع قادم أو ما كان مطروحاً معللة ذلك أنها تتفاوض مع مَنْ مِنْ الطرفين الفلسطينيين، وهذا المأزق أثبت أن الأزمة تتسع كل يوم، وعملية أن تجرى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني بكلا القطاعين موانع ذلك أكثر من التوافق عليه..
تستغرب استمرار الخلافات، لكن عندما تقرأ ما خلف الظاهر تجد الأمر متجذراً وتقوده قوى إقليمية وعربية حولت طرفي القضية إلى قطيعة دائمة، وقطعاً فالمتضامن مع الوضع الفلسطيني سياسياً وإنسانياً، يجد أن المشكلة في الداخل أقوى منها مع الخصم، وهو ما أضاع عليهما العديد من الفرص، وأهمها توحيد الرؤية والقرار، والخروج بعقد وطني يراعي مصلحة الشعب كله لا فئات تتعارك أيدلوجياً بمن هو المقاوم، ومن هو المستسلم والقابل بالشروط الإسرائيلية..
نذكر كيف دعا الرئيس بورقيبة العرب والفلسطينيين تحديداً بمبدأ «خذ وطالب» وقبل حرب ١٩٦٧م واحتلال الضفة وغزة معاً، فكان الاستهجان لهذه الرؤية الموضوعية خطأ كبيراً، لأن المطالبة الراهنة تحددت بحدود ١٩٦٧م أي السقف انخفض إلى حدوده الدنيا، وحتى هذه المطالب أصبحت مستحيلة مما يعني الدوران في فراغ عالمي لا يهمه مناصرة الحق، بل الواقع المعاش على الأرض، وإسرائيل في كل الظروف هي المستفيد والمنتصر على كل من طرح تحرير كل الأرض الفلسطينية!!
كلمة جريدة الرياض السعودية
يوسف الكويليت
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت