الغضب من قطر

بقلم: مصطفى إبراهيم


من عادات الناس في قطاع غزة طرح الاسئلة والإجابة عليها، فهم لا يجهدون انفسهم كثيرا في البحث عن اجابات، فسبب زيارة امير قطر المعلن الى القطاع بالنسبة إليهم هو البدء في مشروع اعادة اعمار ما دمرته الة الحرب الاسرائيلية خلال العدوان الاسرائيلي على القطاع في 2009/2008.

وهم يبحثون عن اسباب اخرى كما يبحثون عمن يقدم لهم المساعدة، خاصة وأنهم ما زالوا على قناعة بأن العدوان مستمر بأشكال متعددة، أبرزها الحصار الخانق والظالم المفروض على القطاع منذ ستة أعوام، وهم لا يراهنون كثيراً على إتمام المصالحة، لأن أسباب الخلاف والهوة بين طرفي الصراع “فتح” و”حماس” لا تزال كبيرة، كما أنهم لا يثقون في المجتمع الدولي في إعادة إعمار غزة، والاتهام الموجه له بالتواطؤ من خلال صمته وتبريره لحاجات إسرائيل الأمنية.

ولا يخفي الناس القول أن للزيارة اهداف سياسية، لمساعدة حركة حماس في الحصول على الشرعية الدولية، وتعزيز موقفها امام المجتمع الدولي والعربي، وان قطر لا تستطيع لعب هكذا دور، من دون موافقة اطراف عربية ودولية وإقليمية، وانه من دون موافقة المجتمع الدولي فلن تكون هناك زيارة أو اعمار، ويساورهم الشك في ان الزيارة سترفع الحصار نهائيا عن قطاع غزة، وعلى الرغم من الشكوك التي تساور الناس في الدور القطري، إلا انهم لا يمانعون في اعادة الاعمار من قبل قطر أو غيرها من الدول العربية، لما لذلك من مصلحة للناس الذين دمرت منازلهم ويعانون جراء ذلك.

الفلسطينيون يراقبون بألم وحسرة وغضب استمرار احتدام الخلاف والجدل الدائر بين السلطة الفلسطينية، وحركة “حماس” والحال الذي وصولوا اليه وأيضاً من يتولى مهمة إعمار غزة، والموقف العربي والدولي بعدم البدء في إعادة الأعمار إلا بعد إتمام المصالحة الفلسطينية.

ويتساءلون: ماذا لو كانت السعودية، او الكويت، او الامارات، هي من بادرت الى هذه الخطوة؟ هل سنقوم باستنكار تلك الخطوة؟ وما هي اهداف قطر من ذلك؟ وهل اقدمت على تلك الخطوة منفردة؟ ام هي ضمن خطوة منسقة مع المجتمع الدولي خاصة اميركا؟ وهل ذلك يعزز من الانقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة؟ وهل نسينا انه طوال السنوات الماضية أن اسرائيل كانت تدمر مؤسسات السلطة وأوروبا تعمر؟

وعلى رغم من الانقسام فجزء ليس قليل من الفلسطينيين لا يهمهم من يعيد تعمير منازلهم سواء “فتح” أو “حماس”، هم بأمس الحاجة لمن يمد لهم يد العون والعمل على إعادة ما تم تدميره، وهم أيضاً بحاجة إلى ضمانات من إسرائيل بعدم استهداف منازلهم ومقرات السلطة والبنية التحتية التي استثمرت فيها أوروبا على مدار 14 عاماً بلايين الدولارات، وعدم تكرار متوالية التعمير من قبل الأوربيين والتدمير من قبل إسرائيل.

إن المشكلة لدى الفلسطينيين ليست في عملية الأعمار ومن يقوم به، بل في استمرار الاحتلال، وعدوانه على الفلسطينيين، ولن يفيد إعمار غزة من دون أن تعترف إسرائيل بحقوق الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن غير المعقول أن يستمر المجتمع الدولي في صمته وتفهمه للحاجات الأمنية لإسرائيل، وتبرير ذلك بقتل الآلاف من الفلسطينيين وتدمير منازلهم وممتلكاتهم، من دون أن يأخذ المجتمع الدولي بما فيهم العرب على عاتقهم ليس فقط إعمار غزة، بل تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عما لحق بهم على مدار سني نكبتهم، خاصة وأن الفلسطينيين يحملونه الجزء الأكبر من مأساتهم المستمرة منذ 64 عاماً.

وعليه، فإن العرب بما فيهم قطر لا يمكن لهم أن الاستمرار في الصمت على ارتكاب إسرائيل جرائمها، والهروب من التزاماتها الأخلاقية والقانونية والسياسية في تعمير ما تدمره آلة الحرب الإسرائيلية، ويعيد تعميره.

فالدول العربية في قمة سرت في ليبيا رصدت نصف مليار دولار لدعم القدس، ومواجهة الاجراءات الاسرائيلية العنصرية التي تطال كل شيئ فيها، ولم تقدم أي دولة عربية حصتها من اجل ذلك بما فيها قطر، والعرب في حالة من العجز تمنعهم من مواجهة اسرائيل، وفلسطين لا تزال محتلة ومدينة القدس تعاني التهويد والاستيطان وشطب الذاكرة والتاريخ والهوية؟

والناس يتساءلون عن خطوة قطر لاعمار غزة ولماذا لا يتم تمويل مشاريع ودعم سكان القدس في مواجهة السياسات الاسرائيلية العنصرية، وكذلك طريقة تعاملها مع حكومة حماس مباشرة ويعتبرونها خطوة لتهميش منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وحماس تساعد قطر في القفز عن المنظمة في سبيل البحث عن الشرعية الدولية، ولا يهمها أي شيئ في سبيل فرض امر واقع قائم، وقطر بهذه الخطوة تلبي طموح حماس السياسي وتثبيت شرعيتها، وأيضاً تسجيل انجازات لها في قطاع غزة من اجل عقد مصالحة بينها وبين جزء كبير من الناس في القطاع.

أياً كان الدور القطري وأهدافه، فكل ذلك مرتبط بنا، والغضب من قطر يجب ان نصبه على انفسنا بتمتين جبهتنا الداخلية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي مصلحة حزبية، وسد الذرائع وتشكيل حصن قوي بوحدتنا امام أي جهة سياسية سواء كانت دولية او عربية، ووضع حد للتدخل في شؤوننا الداخلية.

نحن ظهرنا مكشوف امام العالم، والسلطة منذ البداية لم تمانع بأي شيئ، والسلطة قبلت تمويل الاوربيين في شرم الشيخ في العام 2009، ورفضت تشكيل لجنة وطنية لإعادة اعمار غزة الذي تأخر ستة سنوات، المصلحة الوطنية تقضي ان نكف عن المهاترات وتعزيز الانقسام وتفويت الفرصة على أي جهة للعبث في الساحة الفلسطينية.
[email protected]
mustafa2.wordpress.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت