يحدث في محكمة بيت لحم

بقلم: عطا مناع


هنا التذمر سيد المكان، والزمان يفرض نفسه على الحضور، الوجوه ُمتجهمة، والتمتمات تعطي المشهد لوناً رمادياً، وبعض المتهمين يسيرون في الساحة باتجاه زنزانة الحجز المرحلة الأولى من المحاكمة، ويصطف الحضور الذي تكتظ به سيدة العدالة لإفساح المجال لهم أو للتمعن في وجوههم لحب الاستطلاع لا أكثر.
المحامون منتشرون في المكان لمتابعة قضايا قديمة وللبدء في قضايا جديدة، قال احدهم لماذا يدرس شبابنا مهنة المحاماة في ظل هذا الاكتظاظ من المحامين؟؟؟ رد آخر علية بابتسامة ألا ترى يا رجل: كل الشعب هنا، هكذا يبدأ الحديث الذي لا نهاية له بين الحضور الذي يجسد التنوع الفكري والمجتمعي للشعب الفلسطيني.
لمح من بعيد الشاعر الفلسطيني أمان اللة عايش، وبعد أن تصافحا جاء السؤال التقليدي لماذا أنت هنا؟؟؟؟ فجاء الجواب باهتاً، احد الأشخاص اشترى مني عقار بقيمة 90 ألف شيكل وادعى أنة لا يملك شيكات ودفع لي بواسطة الكمبيالات، اخذ نفساً عميقا وقال يريد أن يدفع لي المبلغ بواقع 200 شيكل في الشهر وهذا من حظ أحفادي لان السداد سينتهي بعد 20 عاماً، واخرج من جيبه بطاقة تؤكد أن المدان يمتلك عقارات ومشاريع وتجارة تمتد من الخليل إلى بيت لحم، انتهى النقاش الذي لا فائدة منة سوى التذمر الذي قد يدخل الراحة إلى نفس صديقه.
شعر ببعض التعب وقرر أن يجلس على كرسي وحيد في ساحة المحكمة، لا مكان للصمت هنا، الكل يريد أن ُيفرغ ما في جعبته عله يجد طريق السلامة.
أشعل سيجارة ونفث بكل ما في صدره من قرف، ورد التحيةِ بأحسن منها على رجل في الأربعين من عمرة يستند على عكازتين ودار بينهما الحوار التالي.
كيف الحال يا أستاذ
الحمد لله، لكن اللة يسعد خليها بدون أستاذ.
بدأ حديثة دون مقدمات، أنا من قرية ارطاس وأكيد أسمعت قصتي، لم يفتح مجال للرد وقال: ساعدني أنا اتعبت، أصبحت من سكان المحكمة، والوضع عندي في البيت يزداد صعوبة، شده حديث الرجل وقاده حب الاستطلاع لمعرفة تفاصيل أكثر فقال: مجاري الجيران تدخل إلى بيتي وأنا رجل مريض والجار يقول أنها مياه نظيفة فقلت وفي حضرة القاضي توضأ من هذه المياه وصلي وسأتنازل عن القضية.
هنا لا يكتمل الكلام فهو كغيره تحت الطلب، صعد إلى قاعة المكاتب حيث القضاة فوجد رجلاً متعباً لكبر سنة، هو يعرفه جيداَ، فكان السؤال الاعتيادي: شو المشكلة ؟؟؟؟ كان قلقاً فثلاثة قضاة ينظرون في قضيته، بدأ الحديث عن محلة التجاري المغلق منذ أكثر من سنتين، دخل في الكثير من التفاصيل متعلقاً بالمحامي الذي لا زال في الجلسة لعل وعسى إن يضع حداً لمأساته كرجل مُسن، تنفس نفساً عميقاً وقال: إذا لم احصل على حقي ألان فمتى احصل علية؟؟؟ أنا رجل كبير في السن ويفترض أن اعتاش من هذا العقار.
جاء صوت الجابي عبر الميكروفون ليضع حداً للحوار، حركة نشطة في ساحة المحكمة الداخلية، والناس من كل الأعمار ينتظرون دورهم والاتكال على اللة أولا وهمة القاضي المنهك من كم القضايا التي إمامة، ففي بلدنا إذا حلم احدهم أن جارة داس له على طرف يستطيع أن يتوجه للنيابة العامة ويرفع قضية، وإخواننا في النيابة لا يردون طلباً لأحد، لدرجة أن له صديق اتهم بتقليم شجرة الجيران التي دخلت لساحة منزله وبقى يرتاد المحكمة لسنوات.
تعب صديقنا الذي آثر عدم الحديث عن سبب وجودة في المحكمة، وقرر أن يراقب ويتمعن، اجتاحت أعماقه العديد من الأفكار، أيعقل أن حاله وحال غيرة من الموطنين كما الخراف يساقون للذبح النفسي ولا مخلص، لكن ما ذنب السلطة القضائية؟؟؟؟ هذا هو القانون؟؟؟؟ والعدالة عمياء ولا تأخذ إلا بالمكتوب على الورق.
اقتربت الساعة من الواحدة، وفجأة تذكر عادل إمام ومسرحية شاهد مشفش حاجة، وتذكر مشهد ما بعد المحكمة حيث أطل عادل إمام برأسه من الشباك وبدأ يشتم الناس في الشارع، ويتوعدهم برفع قضية على كل واحد منهم، تذكر أنة يعيش في زمن العولمة ونصف الراتب، وتذكر أن العيد على الأبواب، واستحضر فرحة المواطن الغزي لنظافة الشورع ودعواته للشيخ حمد والشيخه موزه وأخذة الصور التذكارية في شوارع غزة النظيفة بفضل ألشيخه موزه، ضحك ولعن الزمان والمكان وتذكر نكات الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك عن خروف العيد الذي امتشق السلاح دفاعاً عن النفس.
تذكر أهل الكهف الذي ناموا لأكثر من 300 سنة في كهفكم احتجاجاً وقرفاً، وعاد بالذاكرة 24 ساعة للوراء مستحضراً سبب وجودة اليوم في حضرة العدالة، وتذكر حديث الشرطي في مركز شرطة بيت لحم وهو يقرأ علية التهمة التي جاءت مختصرة: أنت شتمت دايتون والسلطة، واشتملت التهمة على كلمات لا يستطيع أن يفكر فيها.
أشعل سيجارة وقرر أن يقول كلمته ويلعن الظلام، وفكر للحظة أن يعلن العصيان في بلد استأنست للخنوع والواسطة والمحسوبية واللعب بالبيضة والحجر، وإذا بصوت يطلب منة الدخول لقاعة المحكمة ليقف إمام قاضي شاب ، عندها قرر أن ينتظر لليوم التالي ويحكي قصته مع من قالوا له انك شتمت دايتون، تذكر الماغوط وخروجه على الناس قائلاَ سأخون وطني، وجاء صوت مظفر النواب متناغمتا مع الماغوط عندما وصف الحالة التي وصل إليها وطنه قائلاً أهذا وطن أم مبغي.
يتبع

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت