اعتاد أبناء شعبنا في كل عيد أن يقولوا لبعضهم البعض كل عام وانتم بألف خير،ويتمنون أن يأتي العيد القادم،وقد تغيرت وتحسنت الأحوال وتحققت الأماني والأهداف والتطلعات،ولكن في واقعنا وظرفنا الفلسطيني،كل ذلك يجري ترحيله من عيد لعيد دون أن يتحقق من ذلك شيئاً،بل العيد القادم يكون أكثر سوءاُ من العيد الفائت،فلا الأسرى تحرروا من سجون الاحتلال،بل أصبح العديد منهم يخوضون بطولات فردية في معارك الأمعاء الخاوية،ويسجلون أرقاماً قياسية في الإضرابات المفتوحة عن الطعام،ويدخلون موسوعات "غنيتس" للأرقام القياسية،دون ان ترتقي حملة المساندة والتضامن معهم الى حدودها الدنيا،بل هناك تقصير فاضح وواضح في هذا الجانب رسمي وشعبي،يصل حد اللامبالاة،ولا الانقسام انتهى،بل نشهد ونرى أنه يجري تكريسه وترسيمه بمساهمة عربية خدمة لأجندات وأهداف مشبوهة،ولا القدس تحررت،بل التطهير العرقي بحقها سيد الموقف،والأقصى كأنه لا يخص لا للعرب ولا المسلمين،كل يوم تقوم العصابات الصهيونية من غلاة المستوطنين المتطرفين وبقرار من أعلى المستويات السياسية باقتحام ساحاته وتأدية شعائر وطقوس توراتية فيها،وكذلك ممارسة كل أشكال الشذوذ والعربدة هناك في محاولة من أجل تحين الفرصة لتقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين كمكان مقدس خاص بهم،وبين من يزعمون وجود هيكلهم المزعوم مكانه،ولا المفاوضات العبثية توقفت،فهي تجري وتستمر بأشكالها المختلفة دون ان تحقق أية نتيجة،ودون أن يصل البعض الى قناعة بضرورة مغادرة هذا الخيار نهجاً وثقافة،وكأنه يريد من خلالها رغم تجريب المجرب،ان يحصل على "دبس من قفا النمس"،او يمني النفس بأن يتم" حلب الثور"،ولا الأوضاع الاقتصادية تحسنت،ولا سنغافورة تحققت ولا أنهار من اللبن ولا أجرار من العسل شرب وأكل المواطن الفلسطيني،فالغلاء فاحش والأسعار ترتفع بشكل جنوني،وشعب وصل حد الغليان والثورة والمطالب وصلت حد إسقاط أوسلو وكل مشتقاته سلطة واتفاقية باريس..الخ،وفي هذا العيد لا الرواتب لجيش الموظفين الذين جرى رهنهم لمؤسسات النهب الدولية (البنك وصندوق النقد الدوليين) صرفت بالكامل،حتى المتفرغين منهم على منظمة التحرير الفلسطينية التي جرى تجويفها وتهميشها،ما زالوا بدون رواتب وينتظرون الفرج،او نزول الوحي في آخر يوم،رغم قناعتهم بأن الوحي توقف نزوله من بعد النزول على النبي محمد (صلعم)ولكنهم مثل الغريق الذي يتعلق بقشة،يمنون النفس بنزوله،حتى ترتسم الفرحة على وجوه أطفالهم،الذين يردون أن يفرحوا بالعيد مثل بقية أطفال العالم في أعيادهم،وهم لا ذنب لهم بأوسلو وما جره على شعبهم وأهلهم من مصائب وويلات.
عيد وراء عيد مصائب وكوارث تزداد على رأس هذا الشعب،كوارث بسبب كثرة وكبر حجم المؤامرات عليه محلية وعربية واقليمية ودولية من جهة،وفئوية وانانية ومصالح وأخطاء قياداته من جهة أخرى،والتي تنقل الشعب من أيلول لأيلول وتعده بالانتصارات الورقية التاريخية،غير المتحقق منها شيئاً غير المزيد من الخسارات.،والمزيد من الشرذمة والانقسام والإحباط وعدم الثقة،ولعل ما جرى في الانتخابات المحلية،خير شاهد ودليل،حيث النسبة المتدنية من المشاركة في الانتخابات،وحتى العزوف عن الفصائل والأحزاب لصالح العشائرية والقبلية،وهذا مؤشر خطير جداً،وسيكون له تداعياته الكبيرة على المجتمع الفلسطيني.
حتى الربيع العربي الذي كنا نراهن عليه،بأن يشكل سنداً ورافعة لنا،يبدو أنه على رأي المأثور الشعبي"تمخض الجبل فولد فأراً"،فالقضية الفلسطينية يتراجع حضورها عربياً ودولياً،والضغوط والحصار المالي على الشعب الفلسطيني ،وبمشاركة عربية يتصاعد ويتوسع،ومن الواضح أن الهدف هو تطويع الشعب الفلسطيني وقيادته،ومحاربته في لقمة عيشه،وليس أدل على ذلك الاستطلاع الذي نشرته جامعة النجاح الوطنية من 7-9/10/2012،حول الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية،فإن 64 % من المستطلعة آرائهم قالوا،بأنهم مع عودة السلطة الى المفاوضات مقابل استمرار تدفق الدعم الخارجي وصرف رواتبهم،وهذا بحد ذاته شكل من أشكال محاربة المواطن الفلسطيني في لقمة عيشه وابتزازه،وما كان لهذا المواطن أن يصل الى هذا الحد من الذل والهوان،لو كان هناك سلطة تعتمد على تنمية اقتصادية حقيقية،وتركز على القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعات تحويلية،بدل من أن تعتاش على الضرائب والتحويلات الضريبة للبضائع الفلسطينية من خلال دولة الاحتلال،والتي تتخذ منها وسيلة ضغط وابتزاز واستثمار سياسي، ناهيك عن الابتزاز السياسي من قبل مؤسسات النهب الدولية.
متى سيأتي عيد نفرح فيه كشعب؟؟،فحتى في الأعياد يتواصل العدوان على شعبنا،حيث الشهداء يسقطون في القطاع المحاصر،والعالم يغمض عينية ولا يهمه من مصير الشعب الفلسطيني شيء،سوى أن يكون هناك هدوء وامن وأمان لدولة الاحتلال ومستوطنيها،تقتل،تدمر،تحرق،تبني مستوطنات،تعتقل،تغتال،كله مباح في العرف ومعاير الغرب المزدوجة والانتقائية،فهم يتعاملون معنا كفلسطينيين وعرب بأننا كم زائد ولا قيمة له.
وفق المعطيات المتوفرة لن يكون هذا العيد خاتمة أعياد الأحزان عندنا،بل واضح أنه ربما العيد الأسوأ،فأوضاعنا تزداد سوءاً على كل المستويات،حيث الأوضاع الاقتصادية مع الغلاء وارتفاع نسبة البطالة،وتراجع الدعم والمساعدات الخارجية،تنذر بأوضاع كارثية،وكذلك سياسياً لا افق بتحقيق تقدم ولا بحلول سياسية تلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،ونحن ما زلنا نقتتل على سلطة وهمية ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة الحقيقية،يستبيحها الاحتلال متى شاء.
كان الله في عون شعبنا،هذا الشعب المحتل الذي يدفع الثمن يومياً،ويحرم من حريته وحقوقه،وبدلاً من أن يمنح هذه الحقوق وهذه الحريه،فما يسمى بدعاة الحرية والديمقراطية،يريدون أن يظهروا نضاله وكفاحه على أنه شكل من أشكال"الإرهاب"،ففي عرفهم المقلوب يصبح الجلاد ضحية والضحية جلاداً،فهل هناك ما هو أكثر من هذا الظلم و"التعهير" للمبادئ والقوانين الدولية؟؟.
رغم كل سوداوية المرحلة نحن نؤمن بأن فجر الحرية لشعبنا وإنعتاقه من الاحتلال ستبزغ فجرها يوماً ويتحقق ذلك الإنعتاق.
القدس- فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت