أيخطئ أي أحد- مهما استعصى عليه الفهم والتحليل أو ضلَّ السبيل- ليظن أنني بمخاطبتي اليوم اللجنة القانونية في مجلس الأمناء قد بدأت أتلوّى تحسباً ووجلاً، ما دفعني إلى التوجه إليها استجداء لها واستدراراً لعطفها؟! لا أظن أن هناك أحداً في رأسه عقل يمكن أن يذهب إلى ذلك الفهم الضال والمضلل، لكننى أملك جرأة وشجاعة تدفعانني إلى بذل جهد ليس لاستجداء هذه اللجنة، بل إلى الاستقواء بها، وهذا من حقي، موضحاً لها ما أرى أنه كان يتوجب عليها أن تتساءل وتستوضح وتستفتي لتفتي وتقرر، لا أن تترك الأمور- هكذا- تذهب إلى الاستقواء على الحق والاستعداء ليس على القانون الإلهي فحسب، وإنما على القوانين الوضعية، المحلية منها والإقليمية والدولية!!!
وعلى الرغم من قناعتي الراسخة بأنه ليس من واجبي أن أوضح، وإنما من واجب اللجنة القانونية في مجلس الأمناء أن تستوضح، إلا أنني أرى أنه ليس من الخطأ أن أقدم للجنة القانونية ما يحفزها على الاستيضاح والعمل، كما يحفزها على ما من شأنه أن يستنهض همتها في اتجاه النهوض بما هو ملقى عليها من واجب مقاومة الفساد والتخريب والانطلاق نحو الإصلاح والتطوير. وعليه، فإنني أرجو أن أستأذن اللجنة القانونية في مجلس الأمناء لأعيد لها ما سبق أن كتبت في سياق ردي على قرار الباب العالي الذي قضى- على نحو جزافي غير محسوب العواقب- بتشكيل لجنة للتحقيق معي، حيث قلت في مقال بعنوان: "أتحداه... وأتحداهم":
"فقبل أن تحققوا مع من أشار إشارة خفيفة إلى عيوبكم وسوءاتكم، وقبل أن تسألوه أو تسائلوه عنها، قوموا ما اعوجّ فيكم واستروا عيوبكم وسوءاتكم وأصلحوا أموركم: نظفوا قاعات درسكم.. أصلحوا أبوابكم ومقابضها وشبابيكم بمساميرها وبراغيها.. أزيلوا من على جدران قاعات الدرس والحمامات ما عليها من كتابات وقذارات وحقارات ودناءات ورذائل وسفالات تحط بكرامة الآدميين الشرفاء وتخدش حياءهم.. احترموا الطلبة ووفروا لهم ما يستحقون، ولو لقاء الرسوم الذي يدفعون.. نظفوا جدران قاعاتهم وحماماتهم مما يؤذي عيونهم ويخدش حياءهم وكبرياءهم، وهم عدة الوطن ومستقبله كما أنتم على الدوام تدعون.. نظفوا سبوراتهم.. احموهم من شبابيك قد تسقط على رؤوس بعضهم فتأتي على حياتهم فتقع الجامعة كلها ضحية مقتل أحدهم.. انجزوا المصعد في غير وقت الدراسة.. أريحوا طلبتكم الذين يتعلمون وأساتذتهم الذين يعلمون من سيارات النقل التي تفرغ أحمالها من الحجارة والإسمنت والرمل والحديد والمعدات.. أريحوهم من الدق والخبط والسجح والجلخ والقص والمرزبات وسحب قضبان الحديد.. أريحوهم من الضجيج وإفساد الهواء وتلويث البيئة.. أريحوهم من المكاره الصحية وإقلاق الراحة وإفساد البيئةالدراسية والصحية.. أمنوا لطلابكم دراسة أفضل ولأساتذتهم قدرة على العطاء أكبر.. أوقفوا- وعلى الفور- أعمال البناء والدق والجلخ والقص والسحب وحولوها في فترة المساء بعد انتهاء الدراسة لتؤمنوا يوماً دراسياً هادئاً لطلبتكم ويوماً دراسياً جيداً لأساتذتهم."
وبعد، فهل أستأذن اللجنة القانونية الموقرة في مجلس الأمناء أن تتكرم بالإجابة- عملاً أو قولاً- على أسئلة ما تزال منتصبة أمامها؟!
1. هل تعلم اللجنة القانونية في مجلس الأمناء (المشرع والمراقب والمحاسب!) أن أول شي علمه الله سبحانه وتعالى لأدم عليه السلام لم يكن كيف يأكل و كيف يشرب، أوكيف يلبس ملابسه أو يخلعها ... لم يكن كيف يبيع وكيف يشتري، أو كيف يتزوج النساء أو كيف يطلقهن ....لم يكن كيف يرتق ملابسه أو يستر عورته، وإنما كيف يتكلم؟! مصداقاً لقوله سبحانه: "وعلم آدم الأسماء كلها"، أي علمه الكلام،
2. هل تعلم اللجنة القانونية الموقرة المقصد الإلهي من الآية الكريمة: "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان"، ومن الآية الكريمة: "ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين"؟!
3. هل اطلعت اللجنة على المادة (19) من القانون الأساسي الفلسطيني، وعلى المواد 2+4+25+26 من قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، وعلى وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني، وجميعها تكفل صيانة وحماية حرية الكلمة والرأي وحرية التعبير عنهما؟!
4. هل اطلعت اللجنة الموقرة على مكانة حرية الكلمة والرأي وحرية التعبير عنهما في القانون الدولي، وفي المواثيق والأعراف الدولية والأوروبية والأمريكية، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، وفي إعلان ليما للحريات الأكاديمية، وإعلان كمبالا للحريات الأكاديمية، وإعلان عمان للحريات الأكاديمية، واستقلال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، وإعلان اليونسكو الخاص بالحريات الأكاديمية؟!
5. هل اطلعت اللجنة الموقرة على المواد 102 و105 و189 و199 و200 من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936، والتي تحرم جميعها تحت عنوان "المكاره العامة"، الجرائم المضرة بالصحة العامة وإفساد الهواء وتلويث البيئة وإحداث الضجيج وإقلاق الراحة؟! فكيف إذا كان إحداث الضجيج في جامعة وقت الدوام الرسمي وأثناء التحصيل العلمي لا يعطل العملية التعليمية فحسب، بل ويفسدها أيضاً؟!
6. هل ترى اللجنة الموقرة أن الرد على أكاديمي طالب بلسانه وطالب وطالب ثم كتب رسمياً للمسؤولين وكتب وكتب ثم نشر واتنقد ونشر وانتقد ونشر وانتقد دون أن يسمعه من المسؤولين أحد، هو أن يحال هذا الأكاديمي إلى لجنة تحقيق مهمتها أن تبطش به وفق خطة متفق عليها وحكم مسبق؟!
7. هل ترى اللجنة الموقرة أن الرد على أكاديمي يطالب بتوفير الكرسي في قاعة درسه، ويطالب بوقف أعمال البناء والدق والخبط والسحج والقص والمرزبات في وقت الدوام وأثناء الدراسة، ويطالب بإصلاح الأبواب والشبابيك التي لا تغلق وإن أغلقت فإنها لا تفتح، ويطالب بحماية الأخلاق والآداب العامة وذلك بصياغة حل لآفة الكتابة على جدران القاعات والممرات والحمامات بعبارات تخدش الحياء في جامعة يجب أن تحافظ على الحياء، وبعبارات تحط بالكرامة الآدمية في جامعة مهمتها أن تسمو بكرامة الإنسان وآدميته... هل ترى اللجنة الموقرة أن الرد على هذه الملاحظات الانتقادية والمطالبات العادلة هو تشكيل لجنة تحقيق مع هذا الأكاديمي المنتقد غيرة وانتماء، والذي لا يختلف معه في ملاحظاته وانتقاداته خصومه قبل مريديه وأصدقائه ومؤيديه؟!
أما آخر الكلام، فألا ترى اللجنة القانونية في مجلس الأمناء أنه يحسن بالمعيب أو الطعين قبل أن يعد نفسه للبطش بمن عاب عليه عيوبه أو طعن في سوءاته أو انحراف تصرفاته أن يستر عيوبه وعوراته ويعالج مسوغات الطعن فيه، ذلك أنه لا يجوز لمن تلفه عيوبه وتحتويه سوءاته وتنهكه سلبيات سلوكه دون أن يحاسب نفسه عليها، أن يعيب على من يتقزز منها وينفر عنها، كما لا يجوز له أن يحاسبه على عدم قدرته على التناغم معها وعلى جديته في فضحها، وعلى استنهاضه همة الناس لمقاومتها.
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت