هل نحن شعب فلسطيني واحد وينتمي إلى أمة عربية واحدة ؟ أم أننا صرنا تجمعات وجزر فلسطينية مُتباعدة لا رابط بينها سوى الاسم وبعض الرموز الثقافية والتراثية والدينية؟ وحتى هذه بدأت تتراجع ويعاد انتاجها اليوم وفق خارطة ما بعد سايكس بيكو - وسيما بعد فرض العدو الصهيوني بالسلاح والمشرط والباطون والقوانين، حالة من السلخ بين كافة هذه التجمعات الفلسطينية . ويصير السؤال أكثر إيلاماً بعد تفكك وانهيار المشروع السياسي الفلسطيني واندثار الأداة الكفاحية الموحدة لشعبنا، التي مثلتها منظمة التحرير الفلسطينية في يوم من الأيام. ولأن الهوية الوطنيه مرتبطة أصلاً بالسؤال السياسي، تعرضت للخطر حين تراجع مشروع التحرير أمام مشروع الدولة الوهمي وما سمي " الاستقلال " و " الدولة الفلسطينية " . اليوم، مطلوب إجراء حالة من المصارحة والمكاشفة، والإجابة على سؤال ما هي طبيعة العلاقات السياسية القانونية التي تربط بين هذه الكتل الشعبية على امتداد الوطن وفي هذا الشتات الفلسطيني على اتساعه وشموله وتباعده الجغرافي ؟.
إن الهوية الوطنية هي الاسم الرديف للحقوق الفلسطينية . فماذا تبقى من ركائز وأعمدة المشروع الوطني الفلسطيني الذي بدأ في منتصف الستينات ( الثورة ) وتحت شعار " تحرير فلسطين " وهل هناك " خطاب وطني فلسطيني " يمكنه أن يوحد شعبنا دون مشاركة الجميع فيه؟ وكيف يحدث هذا في ظل غياب المشروع السياسي التحرري المقاوم ، كبديهية أولى ، ودون حضور الحركة الوطنية الفلسطينية بوحدة واختلاف ألوانها وأطيافها؟.
إن هذه الاسئلة الفلسطينية الحارقة لا تجد من يتصدى لها على المستوى السياسي الفلسطيني . فالحديث يدور عن " مشروع مصالحة بين فتح وحماس " وفي أحسن الأحوال، حين يتطور الأمر، ترتفع وتيرة النقاش النخبوي الفلسطيني عن " حوار وطني في القاهرة " برعاية جهاز المخابرات، ويشارك فيه فصائل وتنظيمات فلسطينية نصفها تقادم الزمن عليه وصارت " كادوك "، لا دور لها، ولا عمل لها، إلا أن تكون عبئاً وهماً يومياً على كاهل شعبنا، بل أن كل وجودها مرتبط بتمييع الموقف السياسي وإسناد رئيس السلطة السيد محمود عباس ، وتبرير " مساعيه " ، وهؤلاء جوقة المطبلين في المقاطعة صار الشعب يعرفهم وبالاسم والكنية.
هذه أسئلة حقيقية، وجماعية، وتحتاج إلى أجوبة حقيقية وجماعية .
اليوم، أنت تقف أمام جيل فلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة لا يعرف مدينة القدس، ولم يزورها مرة واحدة ، بفعل قوانين الاحتلال من جهة وتساهلنا مع حصار المدينة المقدسة من جهة أخرى، وتقف اليوم أمام شعب محاصر في قطاع غزة ، تقصفه الطائرات الامريكية – الاسرائيلية كل يوم ولا نرى أي رد فعل فلسطيني وعربي، بل لم يكلف السيد رياض منصور نفسه في الأمم المتحدة لتقديم مجرد احتجاج على قتل الأبرياء العزل في غزة، ويحدث كل ذلك، فيما تتحول الضفة المحتلة إلى مجموعة من المعازل والكانتونات والجزر، يسهل على العدو خنقها وحصارها بالطرق والجدران والمستوطنات المسلحة جداً.
أي اطلالة على المشهد الفلسطيني، ولو من بعيد، ستقرأ أحوال شعبنا في لبنان، وهي تزداد سوءاً، ولا يزال يعاني الأمرين من ويلات النظام العنصري اللبناني الطائفي، ويدفع يومياً ثمن هذا الواقع اللبناني – الفلسطيني، ويمنع من العمل في 70 مهنة ووظيفة، وقد دمروا مخيماً كاملا ًكان ينبض بالحركة الاقتصادية والحياة ، هو مخيم نهر البارد، ولم يرفع أحد منا اصبعه أمام قذائف الحريري وهي تنهال على رؤوس الناس في مخيم نهر البارد . ومثله شعبنا اليوم في سوريا، متهم بالخيانة ونكران الجميل، أينما ولى وجهه، صار عليه أن يثبت حسن نيته لكل الطوائف ولكل ملالة ودبابة تمر بالقرب من المخيمات، ويعيد تذكير الكل أنه لاجئ هنا. ولاجئ هناك.
هل حقاً يسمح للشعب الفلسطيني أن يعبر عن هويته الوطنيه وأن يقوم بدور سياسي فاعل وبحرية في بلد مثل الأردن مثلاً حيث التجمع الشعبي الفلسطيني الأكبر موجود ؟ إن النظام الأردني لا يسمح حتى للحركة الوطنيه الأردنية أن تناضل وتطالب بحقوق الناس، وهو يستهدف كل صوت أردني وطني وقومي يتحدث عن وحدة الحال بين الشعبين في إطار مشروع تحرري واحد، وقضية واحدة. ويعمل النظام على تفكيك وتركيب هوية الفلسطيني كما يراه النظام مناسبا ًوكماً يحلو له ويخدم مصلحته .
إن العدو الصهيوني الذي يريد طمس هوية الإنسان الفلسطيني وتاريخه وتراثه ويسرق الارض ويسعى لأسرلة وتهويد فلسطين وفق خطة منهجية مدروسة وعلنية، خاصة في فلسطين المحتلة عام 48 والقدس المحتلة، لا يجد من يتصدى له ولمخططاته، لكن ممارسات العدو – للأسف - تجد فلسطيني تقليدي وعربي مهزوم يسهلا الأمر عليه، ويشاركا في جريمة الطمس والتفكيك، وفي ترسيخ الكيان العنصري ونظام فريد من الأبارتهايد الكولنيالي لم يجد مثيلاً له في التاريخ .
وأخيراً، ما يصون ويحمي هوية الشعب الفلسطيني هو ذاته المشروع السياسي الذي يصون حقوقه. فلا هوية فلسطينية خارج مشروع الثورة الفلسطينية الشاملة لتحرير فلسطين، الأرض والإنسان .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت