مجزرة خان يونس .. لن ننسى

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
مجزرة خان يونس ... لن ننسى
الثالث من نوفمبر عام 1956 يوماً سيبقى محفوراً في الذاكرة الفلسطينية، يوم ارتكب جيش الاحتلال مجزرة خان يونس، المجزرة الأكبر في سلسلة المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق شعبنا، ومجزرة خان يونس تختلف عن باقي المجازر، فهي أولاً جاءت من قبل قوات الاحتلال النظامية، ولم ترتكبها العصابات الصهيونية مثل العديد من المجازر الأخرى، وثانياً أنها امتدت على مدار أيام عدة، بدأت في الثالث من نوفمبر وامتدت حتى الثاني عشر من الشهر ذاته، بمعنى أن فصول المجزرة امتدت على مدار عشرة أيام بلياليها، وثالثاً أن فصول الجريمة تمت في الغالب في ساعات النهار، فيما كانت العصابات الصهيونية عادة ما ترتكب مجازرها في ساعات الليل، ورابعاً أن مسرح المجزرة شمل مناطق مختلفة من محافظة خان يونس، من مركز المدينة إلى مخيمها إلى قراها الشرقية، وخامساً أن معظم شهداء المجزرة سقطوا بعد أن قام جيش الاحتلال بتجميعهم في أماكن متفرقة وقاموا بإطلاق النار عليهم، وسادساً أن عدد شهداء المجزرة وإن اختلفت التقديرات حوله إلا أن المؤكد أنها المجزرة راح ضحيتها العدد الأكبر من الشهداء.
ظلت المجزرة بحيثياتها المختلفة بعيداً عن تناول الإعلام لها رغم بشاعتها وحجم ضحاياها، إلى أن بدأ أبناء خان يونس إحياء ذكراها بعد عدة عقود من ارتكابها، ولعل البداية الجادة لرصد فصول المجزرة وتوثيقها جاءت من قبل د. إحسان الأغا، والذي وثق في كتابه بعض فصول المجزرة بعد أن استمع لشهود عيان ممن عاصروها، ورصد في كتابه ما يقارب من 520 شهيداً سقطوا فيها، وجاء من بعده د. محمد الفرا الذي أكد على أن عدد الشهداء كان أكبر من ذلك بكثير، ولعل هذا يدلل على أن توثيق المجزرة يعتريه الكثير من القصور، ليس فقط فيما يتعلق بعدد الشهداء الذين سقطوا في المجزرة، وإنما أيضاً في سرد وقائعها المختلفة، لكن المتفق عليه أن المجزرة بدأت في الثالث من نوفمبر عندما بدأت آليات جيش الاحتلال وعبر مكبرات الصوت بالطلب من الرجال ممن هم فوق السادسة عشر بالخروج من منازلهم والتجمع في أماكن معينة، كانت من ضمنها قلعة خان يونس التي ما زالت تحكي رواية المئات من أبناء خان يونس الذين سقطوا عند جدارها، وكذلك الحال في شوارع المخيم وفي بلدة القرارة وبخاصة منطقة فياض.
رغم أن الضحايا سقطوا منذ اليوم الأول للمجزرة، إلا أن جيش الاحتلال منع ذويهم من دفنهم، حتى كان اليوم الثالث للمجزرة حيث سمح لبعض النسوة والكهول بدفن أقاربهم، ومن المؤكد أن ذلك جاء بفعل خشية جيش الاحتلال من تفشي الأوبئة خاصة بعد أن أخذت جثامين الشهداء بالتحلل، وقام البعض بدفن ذويهم في ساحات منازلهم لعدم قدرتهم من الوصول إلى المقابر، ولم يتمكنوا من نقل الرفات إلى المقابر إلا بعد أن وضعت المجزرة أوزارها في الثاني عشر من نوفمبر، رغم مضي ما يزيد عن خمسة عقود على ارتكاب المجزرة إلا أن البعض ممن عاصرها وكانوا شهود عيان لحيثياتها ما زالوا على قيد الحياة، وشريط المجزرة ما زال ماثلاً أمامهم بتفاصيله الدقيقة، خاصة وأن الكثير منهم شهدوا سقوط ذويهم أمام أعينهم.
كانت هنالك محاولات قبل سنوات لتوثيق فصول المجزرة المختلفة، عبر تعاون بين البلدية والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وجامعة القدس المفتوحة، جرى خلاله الاستماع لشهود العيان، والاستعانة بما جرى من توثيقه في جريدة الأهرام المصرية، والمؤكد أن أرشيف الأمم المتحدة يحمل هو الآخر بعض تفاصيل الجريمة، إلا أن هذا الجهد لم يكتب له أن يستكمل، وأعتقد أنه بات من الضروري اليوم العمل الجاد لتوثيق المجزرة، وإن كان يتطلب جهداً مضنياً خاصة أن المكتبة العربية تفتقر لكتابات حولها، إلا أنه بالإمكان اليوم الاستعانة بعمل أكاديمي يرصد تفاصيل المجزرة، وبخاصة من خلال قسم التاريخ الشفوي في جامعات قطاع غزة، قبل أن يندثر شهود العيان وتطوى معهم العديد من صفحات هذه المأساة الانسانية.
من الغريب أن المئات من رسائل الماجستير والدكتوراة التي تناول مواضيعها المختلفة أبناء قطاع غزة لنيل الشهادات العليا لم تختص واحدة منهم بهذه المجزرة، أعتقد بأنه بقدر ما هو مطلوب من الأجيال الحالية إحياء ذكرى المجزرة وسرد وقائعها أمام الأجيال الشابة، بقدر ما هو مطلوب منا توثيق تفاصيلها، لن ننسى ولن نغفر طالما في الذاكرة بقايا من المجزرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت