أن حق العودة هو لب القضية والصراع بكل ما للكلمة من معنى ، وأن حق العودة أصبح هو الأداة المعيارية لموقف أي قيادة او حزب او تنظيم باعتباره أساس لحل القضية الفلسطينية .
ولا بد من القول أن مشروع الكيان الصهيوني لم يكن ليستهدف الشعب الفلسطيني فقط بمعزل عن المتغيرات الإقليمية، إنما استهدف هذه الأرض أي الأرض الفلسطينية مكاناً وزماناً في حالة ضعف الأمة العربية.
من هنا اتوقف امام مقابلة الرئيس محمود عباس الذي قال فيها بصراحة لا اريد العودة إلى صفد مسقط رأسه، اي الى بلادي باعتبار صفد احدى المدن الفلسطينية الشهيرة القديمة ، مضيفا " بلادي هي في حدود العام 1967 ، هذه المقابلة التي تزامنت مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم ، علما ان الرئيس والقيادة الفلسطينية تعلم أن الخطر الصهيوني الذي يستهدف الفلسطينيين كما يتعداهم ليستهدف كل العرب، يتطلب تعزيز التلاحم ، لان اسرائيل لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين وحتى العرب، تريد استسلامهم الكامل لها ولتسوياتها، وهذا يتطلب استراتيجية فلسطينية في كيفية التعامل مع هذا العدو وأطماعه ، استراتيجية تقوم على التمسك بكافة اشكال النضال لمواجهة كافة المؤامرات التي تحاك ضد القضية الفلسطينية ،هذا ليس حلما وانما ضرورات واقعية ومتطلبات مرحلة تتطلب ذلك، والا سنكون أمام حلقات تآمرية جديدة لا تختلف عن وعد بلفور واتفاقيات سايكس بيكو .
صحيح ان الرئيس محمود عباس اكد على التمسك بالثوابت الفلسطينية واكد انه لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف من الظروف، واوضح ذلك عبر قناة الحياة الفضائية ، لكن كان من الاجدى ان لا يتطرق الى مسألة حق عودته الى صفد ، لانه في موقع الرئاسة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، هذه المنظمة الذي قدم الشعب الفلسطيني من اجل مكانتها وتمثيلها الالاف من الشهداء الذين سقطوا في ميادين النضال والكفاح من اجل استعادة الحقوق الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حق العودة الذي يعتبر اساس القضية الفلسطينية وجوهرها، وانا اعتقد أن الرئيس أبو مازن اخطأ ولم يكن موفق .
ان إيمان الشعب الفلسطيني بتمسكه في حق العودة باعتباره أحد الجوانب المضيئة في مسيرة نضاله ، لانه يعلم علم اليقين ان الكيان الصهيوني كيان احتلالي عنصري، متمرد على الشرعية الدولية والقانون الدولي، ويعمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال عدوانه اليومي الذي يطال البشر والحجر والشجر.
ومن هذا الموقع نؤكد على اهمية التمسك بالثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، لاننا عندما ابقين تحقيق الهدف المرحلي بالهدف الاستراتيجي، وحين اعتبرنا أن حق العودة جسراً يعبر بين الممكن والتاريخي، ورفضنا منطق مبادلة الدولة بالاعتراف، لانه يشكل قطعاً مع الاستراتيجي، بذلك سجلنا مفهومنا للصراع عبر تأكيد الهوية الفلسطينية ومضمونها القومي والاممي.
ومن هنا راينا البعض كيف استغل ذلك الظرف ليوظفه في الدور الذي يقوم به ، واستغل عواطف الشعب الفلسطيني وزرع الإحباط واليأس في نفوسه .
ان تثوير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لا يمكن لنا عزله عن طبيعة السلطة القائمة هناك، حيث يبدو للبعض أن بريق تلك السلطة أغراها وأغواها، وأصبحت في كل ما تقوم به من أعمال وممارسات وإجراءات بدءاً من التعدي على الحريات العامة والشخصية، وسن تشريعات وقوانين تتدخل في صلب حريات الناس، لا يخدم سوى أجندات ومصالح فئوية ليس لها علاقة بحماية وصيانة المشروع الوطني لا من قريب أو بعيد.
ان بلورة ما تم الاتفاق عليه في جلسات الحوار لإنهاء الانقسام، من اجل فتح الباب لأوسع شراكة وطنية فلسطينية، يتجاهله طرفي الانقسام ، نتيجة تمسكهم بمقاليد سلطة، باتت تشكل محورا رئيسيا من محاور التناطح. لذلك كنا في مقدمة من دعا إلى تبني إستراتيجية سياسية جديدة ضد الاحتلال، تعيد صياغة آليات العمل الوطني، وبما يقود بالضرورة، إلى إنهاء الانقسام. وهذا أمر ملقى ليس على عاتق القوى الوطنية كافة، بمن فيهم المستقلون الحريصون على مصالح قضيتهم، وليس على مصالحهم الفردية.
ان الجميع يعلم ان سلطة غزة تسعى إلى إقامة إمارتها الإسلامية من خلال سلسلة من التشريعات والقوانين ، وتنصب من نفسها أنها المالك الحصري والوحيد للحقيقة المطلقة وما تقوم به من أعمال او ممارسات فقط هو الذي يعبر عن مصلحة الشعب الفلسطيني، والغريب أن تدعو حماس الرئيس الفلسطيني الى الاعتذار وتدعو الشعب الفلسطيني الى تنحية الرئيس فيما هي ترفض المصالحة والانتخابات .
ان على كافة القوى الحريصة على الشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية العمل من اجل استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ورسم استراتيجية موحدة لمواجهة الاحتلال، وليس العودة للمفاوضات والوقوع مجدداً في مستنقع المفاوضات العبثية التي أضرت بالمشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
لذلك نحن امام معركة دبلوماسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على عضوية فلسطين كدولة غير عضو في المنظمة الدولية، وخاصة ان تحقيق هذا الهدف يحتاج الى كفاح نضالي طويل, فعدونا لا يستجيب للمناشدة ولا لقرارات الشرعية الدولية, وهذا يتطلب التمسك بالمقاومة بمواجهة الاحتلال والاستيطان, وتغير ميزان القوى، من اجل اجبار الاحتلال للانصياع لحقوق شعبنا الوطنية.
ان ما يجري للاجئي شعبنا الان في مخيمات سوريا يؤكد مدى اهمية التمسك بحق العودة ، وهذا ما اكدت عليه القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل والقوى بسياسة النأي عن التدخل في الشأن السوري حيث ان هذا الموقف لا يعجب البعض ، بل انهم يريدون زج الفلسطينيين في آتون اللهيب المشتعل في سوريا، تحت عناوين لا تخدم القضية الفلسطينية ولا حتى مطالب الشعب السوري الشقيق.
ختاما : نحن إذن أمام عملية استعادة لأصل الصراع ، لكن لا ينبغي علينا استسهال الأمر ، فهي ليست عملية بحاجة الى مزايدات ، انها عملية تحدي تتطلب منا استعمال كافة أساليب النضال السياسية والكفاحية حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت